الدكتور سعد الدين إبراهيم رئيس مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية يروى قصة واشنطن مع الثورة.. «الآن».. تلك الكلمة التى أطلقها روبرت جيبس المتحدث الرسمى باسم البيت الأبيض مساء 2 فبراير الحادية عشر كلمة كانت تعنى أن يفهم مبارك مثلما فهم ابن على وقال «فهمتكم».. مبارك لم يفهم الإشارات الواردة من واشنطن والتى كانت تعنى أن يرحل.. ظن الثعلب العجوز أن لعبة الوقت ما زالت قائمة وأن الأمريكيين يمكن أن يبتلعوا الطعم مرة أخرى، واشنطن كانت تعنى «الآن».. ليس لأنها ترغب فى الديمقراطية للشعب المصرى.. ولكنها كانت تعلم أن الميدان هو من سينتصر.. فانحازت لمصالحها. كيف كانت الإدارة الأمريكية تتعامل مع النظام المصرى قبل الثورة؟ - الإدارة الأمريكية كانت تعتبر النظام المصرى صديقا وحليفا لها ودعمته لمدة 03 سنة، لذلك حين قامت الثورة المصرية فى 52 يناير كان هناك سجال عنيف داخل البيت الأبيض، وفى وزارة الخارجية وفى وزارة الدفاع «البنتاجون» عن موقف واشنطن من الثورة وكيف يصاغ هذا الموقف، فاتصل بى ثلاثة من مستشارى الرئيس أوباما أعرفهم ويعرفوننى شخصيا، وطلبوا أن أتوجه إلى البيت الأبيض للمشورة، وفى نفس الوقت طلبنى عدد من المصريين الذين يعيشون فى واشنطن للاشتراك فى مظاهرة ينوون القيام بها حول البيت الأبيض دعما لزملائهم فى ميدان التحرير، فكان هناك طلب مزدوج من المتظاهرين المصريين وأصدقاء لنا فى البيت الأبيض، والتقيت بالمتظاهرين وأخبرت أصدقائى فى البيت الأبيض بأننى موجود وفى خلال الساعة الأولى قمنا بعمل المظاهرة، واختلط المستشارون بالمتظاهرين وقدمتهم إلى زعماء الجالية المصرية، وتحدثوا معهم، وطلبوا منى التوجه معهم إلى داخل البيت الأبيض، حيث وجدت أن هناك غرفة عمليات تتابع الأخبار فى مصر دقيقة بدقيقة وتأتيهم تقارير من السفارة الأمريكية فى القاهرة من وكالة الاستخبارات الأمريكية فى القاهرة ومن الصحافة وال NNC وعدة مصادر أخرى، وكان النقاش يدور حول كيف يتصرفون تجاه النظام، وكان الرأى الغالب فى ال 21 ساعة الأولى أن هذا النظام صديق، ولا يجب أن نتخلى عنه وإلا سيصاب أصدقاؤنا وحلفاؤنا فى المنطقة بالذعر، وخاصة فى السعودية والخليج. وما موقفك حيال هذا الرأى؟ - كانت وجهة نظرى التى كنت أضغط لإقرارها هو أن الأمريكان أيدوا نظام مبارك لمدة 03 سنة، فآن الأوان أن يؤيدوا الشعب المصرى ولو سنة واحدة، والنقطة الثانية التى دعمت موقفى وأثرت فى الرئيس أوباما أن الذين يتظاهرون فى ميدان التحرير هم شباب، وهؤلاء هم المستقبل، فإذا كانت أمريكا تنظر للمستقبل فلترمِ بثقلها مع هؤلاء الشباب الذين يطالبون بأشياء بشر بها أوباما نفسه سواء فى حملته الانتخابية أو فى خطابه فى جامعة القاهرة، وخصوصا أنه اعتمد على الشباب فى حملته الانتخابية، وفى جامعة القاهرة قال إن أمريكا مع أى شخص يؤمن بالحرية، ومن خلال كلامه قلنا بالبلدى «نلبسه العمة» ونقول له «إنك أنت أحد أسباب تلك الثورة»، وأنا ذكرت في تصريحات منذ حوالى سنة تقريبا أن المصريين لو استطاعوا حشد 001 ألف شخص وليس نصف مليون وخرجوا إلى ميدان التحرير لمدة ثلاثة أيام متواصلة لا بد أن ينتهى النظام، وبالفعل نجحنا فى منع إدارة أوباما من استصدار مزيد من التصريحات المؤيدة لنظام مبارك، ومع مرور 84 ساعة على مظاهرات التحرير بدأت النغمة الأمريكية فى البيت الأبيض تطالب الرئيس المصرى بأن يستجيب للمطالب العادلة لشعبه. هل يمكن أن تصف لنا الحالة داخل غرفة العمليات بالبيت الأبيض فى هذه اللحظة؟ - منذ الدقيقة الأولى سادت حالة من القلق والارتباك نتيجة ما حدث فى تونس قبلها ب 3 أسابيع، وكان البعض يفضل أن تستمر الإدارة الأمريكية فى تأييد الرئيس السابق مبارك مخافة أن يؤدى ذلك إلى ضعف الثقة فى الإدارة الأمريكية نفسها، خاصة من جانب حلفائها فى السعودية والخليج. مع بداية ثورة 52 يناير ظل الجميع يتساءل من وراء هذه المظاهرات؟! هل هم الإسلاميون أم أياد خارجية محرضة؟ - هؤلاء شباب جامعى من الطبقة الوسطى لا ينتمون إلى جماعات إسلامية أو إلى أى منظمات خارجية وهذا بناء على المعلومات التى كانت تأتينى من الميدان نفسه عن طريق زوجتى التى كانت تشارك منذ الدقيقة الأولى. هل كانت الإدارة الأمريكية تتوقع سرعة تطور الأحداث بهذا الشكل؟ - لم تكن تتوقع الإدارة الأمريكية ذلك، وصدق بعض المراقبين فى داخل الإدارة الأمريكية نفسها حسنى مبارك حين طمأنهم على سير الأحداث فى الميدان، وقال إنها جماعة ستستمر فى الميدان لمدة 42 ساعة على أقصى تقدير ثم ينفضون، وهذا ما أبلغه به وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى، وحينما قرر الشباب أن يجلسوا فى ميدان التحرير أنا ابتهجت شخصيا، وأبلغت الإدارة الأمريكية بأن هذه التقارير غير صحيحة، فهؤلاء الشباب لن يتركوا الميدان إلا بعد أن تتحقق مطالبهم العادلة، ومع عناد مبارك وركوب رأسه أدى إلى تصاعد المطالب من إصلاح فى النظام إلى تغيير النظام إلى استقالة مبارك. منذ اندلاع الثورة المصرية فى 52 يناير مر الموقف الأمريكى بعدة مراحل.. كيف نستطيع أن نفسرها؟ - المرحلة الأولى كانت تمثل القلق وعدم وضوح الرؤية فى أول يومين للثورة، رغم وجود اتجاهات مختلفة فى داخل الإدارة الأمريكية لم يستطع أى اتجاه أن يحسمها، ومع اليوم الثالث بدأت الإدارة الأمريكية تحسم موقفها وتطالب مبارك بالاستجابة للمطالب الشعبية، وهذه هى المرحلة الثانية، حيث ألقى فيها مبارك خطابين ولكن لم يشفوا غليل المتظاهرين، ثم جاءت مرحلة معركة الجمل واستخدام العنف، وقتها أدركت الإدارة الأمريكية مع استمرار الاعتصام والعنف وإهدار دماء الأبرياء أنه لا بد من حدوث تغيير جذرى فى النظام إن لم يكن تغيير النظام نفسه، وتوقعت الإدارة الأمريكية أن مبارك سيعلن استقالته فى الخطاب الثانى، وبعدها بدأت هيئة الأركان الأمريكية تمارس الضغوط على مبارك وتصعدها ثم عدلت عن التعامل معه فى بداية المرحلة الثانية واتصلت مباشرة بهيئة الأركان المصرية أى ب «سامى عنان».. هذا ينقلنا إلى الأطراف البديلة التى لجأت إليها الإدارة الأمريكية بعد خطاب مبارك الذى تحدث فيه عن وجود مخطط خارجى يستهدف إسقاط الدولة؟ - أنا لا أتذكر نص الخطاب جيدا ولكنه ادعى ادعاءات كثيرة.. فمن هى الجهات الخارجية التى تهدف إلى إسقاط الدولة؟ فالجميع يذهب إلى أمريكا أو أوروبا، ولكن كان الواقع يقول إن كليهما أصدقاء النظام، فهذه الادعاءات كانت غير مقنعة بالنسبة للمصريين والأجانب. قبل أن يتنحى مبارك استخدم الأمريكان كلمة «الآن».. ماذا تعنى فى مفهوم السياسة الأمريكية؟ - الآن تعنى فورا، فالإدارة الأمريكية عندها أوراق ضغط قوية، وخاصة في مسألة المعونات والسلاح، بالإضافة إلى الدعم المعنوى، فحينما قالوا الآن فلأن مبارك خدعهم بين خطابه الأول والثانى، قال لهم فعلا سأتنحى وجاء الخطاب الثانى دون أن يعلن تنحيه، فبدأوا فى ممارسة الضغط علنا، وهذا جاء فى كلمة «الآن» بمعنى التغيير والإصلاح الفورى. كيف كانت ترى الإدارة الأمريكية موقف الأنظمة العربية من مبارك؟ - فى البداية كانت الدول المحافظة خاصة السعودية، تحبذ تأييد النظام وتعرض مساعدات اقتصادية سخية جدا لكى يواجه النظام أزماته، والأمريكان لم يكن لديهم مانع من هذا إذا كان يأتي بنتيجة إيجابية ويحل الأزمة، وكان هذا فى بداية المرحلة الأولى، ولكن مع دخول المظاهرات يوميها الثالث والرابع، وطبقا للتقارير أصبح سيناريو المساعدات المالية الخليجية والسعودية غير وارد أو مجدٍ.