«الحب بهدلة خلانى قندلة بهدلى صحتى ولا حول ولا ولا حول ولا ولا، الحب شنكلة ولا ما فيهش جنتلة، لهلبلى مهجتى خلانى بالبلا بلا بلا».. هذه الكلمات جزء من أطرف المونولوجات لعملاق المونولوج وملك الكوميديا، ووزير السعادة، إسماعيل ياسين. أحد رواد هذا الفن في الوطن العربى وأكثرهم شهرة، واستطاع ببساطته وفطرته الطاغية أن يرسم الضحكة على شفاه كل من شاهده أو استمع له صغارا كانوا أو كبارا، فكان دائمًا الحاضر الغائب فعلى الرغم من وفاته منذ أكثر من 40 عامًا فإن حبه توارثته الأجيال حتى ومن لم يعاصروه منها. لما كان إسماعيل ياسين منفردًا في أدائه وتركيبته الشخصية، قرر أنه يسرد رحلته الفنية التي انطلقت من أفراح محافظة السويس، ومرورًا بفرقة بديعة مصابني، وتألقه في فن المونولوج الذي فتح له أوسع الأبواب إلى السنيما والمسرح، وكبواته المرضية والمالية التي أعادته إلى مجرد مونولوجست بعدما حقق أعلى الإيرادات في السنيما، وذلك في سهرة درامية عبر إذاعة صوت القاهرة، كتبها له صديقه وتوءمه الفنى أبو السعود الإبياري، وأداها بصوته. ويقول إسماعيل ياسين إنه كان يحب الغناء منذ نعومة أظافره، فكان يترك مدرسته للغناء في الأفراح الشعبية، دون علم والده -صائغ ميسور الحال– وجدته التي كانت تعامله بقسوة انتقامًا فيه من أبيه الذي كانت تعتقد أنه سبب رئيسى وراء وفاة ابنتها –والدة إسماعيل ياسين- وشجعه رفاقه على السفر إلى القاهرة -هوليود الشرق- وبالفعل لم يتأخر فور أن سنحت له الفرصة، بعدما سرق من جدته ستة جنيهات، وكان عمره حينها 18 عامًا. لم تتحقق رغبة الشاب الحالم في أن يلمع نجمه في الغناء ليزاحم أشهر المطربين آنذاك، لعل عدم وسامته كان لها تأثير في إغلاق أبواب الفن أمامه في مهد حلمه، ونفدت أمواله فاضطر إلى العمل صبيًا في إحدى المقاهى بشارع محمد على، وأقام بالفنادق الصغيرة الشعبية. التحق سمعة بالعمل مع الأسطى "نوسة"، والتي كانت أشهر راقصات الأفراح الشعبية في ذلك الوقت؛ ولأنه لم يجد ما يكفيه من المال تركها ليعمل وكيلا في مكتب أحد المحامين للبحث عن لقمة العيش أولا، وبعدها عاد إلى السويس مرة أخرى ليكتشف تدهور حال عائلته المادية، إلا أن حلمه ظل يراوده إلى أن عاد ثانية. العودة الثانية للقاهرة عاد الشاب السويسى يفكر مرة ثانية في تحقيق حلمه الفنى فذهب إلى بديعة مصابني، بعد أن اكتشفه صديق عمره وشريك رحلة كفاحه الفنية المؤلف الكوميدى الكبير أبو السعود الإبياري، والذي كون معه ثنائيًا فنيًا شهيرًا وكان شريكًا له في ملهى بديعة مصابنى ثم في السينما والمسرح، وهو الذي رشحه لبديعة مصابنى لتقوم بتعيينه بفرقتها وبالفعل انضم إلى فرقتها ليلقى المونولوجات في ملهى بديعة مصابني. استطاع إسماعيل ياسين أن ينجح في فن المونولوج، وظل عشر سنوات من عام 1935- 1945 متألقًا في هذا المجال حتى أصبح يلقى المونولوج في الإذاعة نظير أربعة جنيهات عن المونولوج الواحد شاملا أجر التأليف والتلحين، الذي كان يقوم بتأليفه دائمًا أبو السعود الإبياري. السخرية من شكله على الرغم من أن إسماعيل ياسين لم يتمتع بالوسامة والجمال، وهى الصفات المعتادة في نجوم الشباك في ذلك الوقت، فإنه استطاع أن يجذب إليه الجماهير عندما كان يسخر من شكله وكبر فمه في معظم أعماله منها «أهو أنا أهو أنا.. ولا حد ينفع إلا أنا، شكلى صحيح مالوش دوا، لكن اختصاصى في الهوا ». وبالفعل ما لبث أن قفز للصفوف الأولى، واستطاع أن يحجز مكانا بارزا بين النجوم الكبار، مما جعل المنتجين يتهافتون للتعاقد معه على أفلام جديدة، فأصبح البطل الوحيد الذي تقترن الأفلام باسمه حتى وصل إلى القمة. إسقاط سياسي لم تخل مونولوجات إسماعيل ياسين من الإسقاط على الظروف السياسية والاجتماعية والفروق بين الطبقات التي شهدتها مصر في العقد الثالث والرابع من القرن العشرين وسيطرة قله من الإقطاعيين الأتراك وعدد من رجال الأعمال الأجانب على مفاصل الدولة. وببراعة تامة وبخفة ظل معتادة قدم مونولوج «أنت القرد» الذي شاركه فيه الفنان الشعبى ونجم المونولوج «شكوكو» حين قالا «مسلسلينك ليه علشان سعادة البيه سابوا ينام في حرير وأنا يا عينى أسير.. مربوط في حبل حديد لكن يا ويكة يا ويكة سعيد، لا أكل حرام بمال أيتام ولا بوشين عشان قرشين». الفساد الأخلاقى لولاد الذوات كما كان لملك الكوميديا مونولوجات ناقدة ومعبرة بشكل ساخر عن الفساد الأخلاقى لأبناء الطبقة الرأسمالية الإقطاعية المسيطرة آنذاك، وسخطه على الحالة المزرية التي وصل لها حجم الفساد المؤسسى للدولة، حين أوضح ذلك في أحد روائعه بعنوان «متستعجبشي». وقال إسماعيل يس في رائعته: «متستعجبش متستغربشى، في ناس بتكسب ولا تتعبشى، وناس بتتعب ولا تكسبشى، ورث له كام ألف جنيه وده غير ياسيدى خمس عمارات، ييجى بسلامته أصله عليه يعشقلى واحده بنت صلات، سعادة البيه هو الكباريه والعب كاراتيه بعشرة جنيه». صاحب السعادة لعل طفولة إسماعيل ياسين التي عاشها بين أب أضاع كل ثروته في الأندية الليلية والبارات وأهمل صناعته وأهل بيته، وأمه التي توفيت قبل أن يدرك وجودها، وجدته التي مارست تجاهه كل أنواع القسوة والعنف النفسي، جميعها عوامل جعلت في شخصيته جزءا مظلما حزينا، وهو ما عبر عنه في المونولوج الذي قدمه تحت عنوان «صاحب السعادة». وقال إسماعيل ياسين في مونولوج «صاحب السعادة»: « كلنا عاوزين سعادة.. بس إيه هي السعادة.. ولا إيه معنى السعادة...قوللى يا صاحب السعادة.. قوللي.. قوللى»، فبهذه الكلمات البسيطة الذي كتبها أبو السعود الإبيارى، عبر المونولوجست الراحل عن حال كثيرين ممن يبحثون عن المعنى الحقيقى للسعادة، وربما يكون واحدا منهم. وقال نجل إسماعيل ياسين، المخرج ياسين إسماعيل ياسين، إنه رغم قيام والده بالأدوار الكوميدية وإضحاك وإسعاد الآلاف في مصر والوطن العربي، فإن شخصيته كانت تتميز بالحزم والجدية، وكانت تشبه شخصية عاصم الإسترلينى التي جسدها في فيلم المليونير.. «سمعة في العباسية» ذاع صيت "سمعة" في المسرح والسنيما وحملت سلسلة من الأفلام اسمه، ووصلت شهرته إلى الطبقة الحاكمة، وفى عام 1950 دعى الفنان الراحل لإلقاء بعض مونولوجاته في حفل خيرى لصالح جمعية "مبرة محمد على" في "ملهى الأوبرج" فأوعز الملك فاروق إلى أحد رجاله بدعوة إسماعيل إلى الاستراحة الملكية للتسرية عنهم. وقال الملك لإسماعيل: " يلا يا إسماعيل سمِّعنا نكتة جديدة"، من فرط الارتباك بدأ إسماعيل النكتة قائلًا مرة واحد مجنون زى جلالتك كده! فصرخ الملك: إنت بتقول إيه؟ يا مجنون! أدرك إسماعيل الموقف فما كان منه إلا أن سقط متظاهرًا بالإغماء، وغادر الملك غاضبًا لمتابعة بقية الحفلة. وظل بعض رجال الحرس حول إسماعيل، لينفذوا العقاب الذي سيأمر به جلالة الملك، ولكن يوسف رشاد- طبيب الملك الخاص- قال لتمرير الموقف إن إسماعيل مريض، تصيبه حالات من ضعف الذاكرة وفقد الإدراك، وهو في حاجة لأن يقضى فترة تحت الرقابة الطبية لمعالجة هذه الحالة، فأمر الملك بإيداعه مستشفى الأمراض العصبية والنفسية. نهاية مؤلمة في أواخر الستينيات من القرن الماضي، رغم هذا النجاح الساحق الذي حققه إسماعيل ياسين فإن مسيرته الفنية تعثرت في العقد الأخير من حياته، وشهد عام 1961 انحسار الأضواء عن إسماعيل ياسين تدريجيًا، بعدما أصيب بمرض القلب، وتدخل الدولة في الإنتاج الفنى في فترة الستينيات وإنشاء مسرح التليفزيون، واعتماده شبه الكلى على صديق عمره أبو السعود الإبيارى في تأليف جميع أعماله مما جعله يكرر نفسه حتى توفى عام 1972.