الإصدارات الصحفية ليست لنشر الأخبار فقط وتحليلها ولكن تظل المعرفة الإنسانية جزءا لا يتجزأ من أهداف العمل الصحفي.. ونحن في هذا الموضوع نلقى الضوء على التراث الشعبي. وأثره في إثراء الحركة الأدبية لأنه جزء من المعرفة الثقافية لحضارة الشعوب، والشعب المصرى له تاريخ زاخر بالموروثات الشعبية مثل الأساطير والحكايات الشعبية الغنائية والنكتة والمديح والموال والأمثال والأراجوز... الخ وكل هذا التراث الشعبى الأصيل أضيف اليه فن المونولوج وهو من الفصيلة الغنائية الشعبية التي تتشبع بالسخرية التقدية في شكل غنائي. ومن أهم من قدموا هذا التراث الشعبي: الفنان محمود شكوكو وإسماعيل ياسين والسيد الملاح وثريا حلمى وغيرهم الكثير. وبنظرة واقعية تجد أن صياغة المونولوجات موجودة بأسلوبها الساخر في الشعر القديم منذ زمن الفراعنة، فقد كان لهم نصوص ساخرة لكل مستغرب لديهم، ومن ثم فإن كل قصائد الشعر التي تتناول النقد بشكل ساخر ضاحك ما هي إلا منولوجات شعرية وإن كانت بلغة الفصحى في هذا الوقت. ونستطيع أن نقول: إن انتشار فن المونولوج بالعامية المصرية كان من بداية الثلاثينيات وانتشر أكثر في الخمسينيات والستينيات والمنولوجستات تشد الجماهير بصياغتها الشعرية الساخرة الناقدة للأوضاع الاجتماعية وطريقة تلحينها وغنائها، ويمكننى أن أقول إن المونولوج ما هو الا كاريكاتير فنى معبر عنه بالكلمات بدلا من الرسوم يقوم الفنان بتأديته في شكل فنى كاريكاتيرى الحركة. وكان من أبرع من قام بذلك محمود شكوكو وإسماعيل ياسين وهناك الكثير من التمازج التي نسوق بعضا منها للتدليل على ذلك سواء بالعامية أو الفصحى ومنها على سبيل المثال قول شاعرنا الكبير أحمد شوقى رمضان ولَى هاتها ياساقي.. مشتاقة تسعى إلى مشتاق جئنا اليك فهاتها برضابها.. كأسا من الكونياك غير دهاق الأصدقاء على حسابى أسرفوا.. في الشرب وانتفخوا على أملاقي لابأس قد جاعوا فهات غذاءهم.. لحما وغذ القلب بالأشواق الله يرزقنا وإياهم كما.. رزق الطيور تحوم بالآفاق فكن الكريم إذا الصحاب تكأكوا.. واصنع عزومة فتة ورقاق لولا الهوى لم نستطب كاساتنا.. أبدا ولم نشرب على الإطلاق في صحبة المحبوب أرشف رشفة.. تمحو سموم الهجر كالترياق كما أن هناك ابيات أخرى من الشعر القديم ماهى الا مونولوجات شعرية ساخرة مثل قول الشاعر لقد ذهب الحمار بأم عمر.. فما رجعت ولا رجع الحمار وهناك الكثير والكثير من الأمثلة الشعرية القديمة ماهى الا مونولوجات ساخرة بالفصحى منها ماقاله الشاعر الساخر عبد الحميد الديب وهام بيَ الأسى والبؤس حني.. كأنى عبلة والبؤس عنتر كأنى حائط كتبوا عليها.. هنا يا أيها المزنوق طرطر وما اسوقه من أمثلة في شعر الفصحى بالنسبة للمونولوج ماهو إلا تأكيد بأن اللغة العربية بها ثراء واسع يتدارك النمو الثقافى والاجتماعى والفنى وما المونولوج إلا لسان حال المجتمع حينما تشتد به الأوجاع فيعبر عنها بسخرية مفرطة في أغانى المونولوج والتي نتمنى أن تعود ثانية وتأخذ دورها في النقد الاجتماعي. وتعتبر القصائد الزجلية الساخرة ماهى الا مونولوجات فنية تتناول أوجه الإعوجاج الاجتماعى بشكل ساخر وكلها يمكن غناؤها بشكل منولوجستي. يقول محمد عبد المنعم أبو بثينة في منولوج.. المتظاهرون بالصيام.. ياللى إنت عمال تتشعلق للناس وتزوم لما انت عايز تتخلق كان ليه بتصوم ........ هو الصيام يعنى تقبَح في الناس وتسب وبدل ما تذكر وتسبح تشخط وتدب وكل من خش في أوضتك يطلع مشتوم ياللى انت عمال بتشلق للناس وتزوم ويقول الشاعر مصطفى القوصى في مونولوج.. الوظيفة.. يا موظف يا أمين ع الدولة.. فين واجبك قبل ما تتسول ع القرش اللى بيدخل جيبك.. وبيستر ديما على عيبك إرضى برزقك ونصيبك.. ما تفكرش في أي محاولة ياموظف يا أمين ع الدولة أرجو سعادتك ما تكشر.. من قبل ما تمضى وتأشر خليك باسم ديما بشر.. يرضى عليك الناس والمولي ياموظف يا أمين ع الدولة ويقول الشاعر الساخر أحمد عفيفى في أجمل مونولوجاته يامعلمة في السوق.. الفاكهة بتحكم شنبات وعليها النظرة تخليهم.. زى الستات وتبقى زى البلدوزر.. وقت الخناقات بيركعوا تحت قدمها.. زى الأموات وياما ذلت رجاله.. كانوا فتوات ويقول في مونولوج آخر مش راح تبطل بلسانك شغل التلطيش أرجوك كفاية أنا في عرضك ما تهزأنيش وقفت حالى وخلتنى مش عارف أعيش هو إنت أيه ما تفهمنى أصلك تعبات ومن المنولوجات القديمة جدا يا أخى سيبك وطاوعني.. على أيه دا كله اللى يعرف أبويا.. يروح يقول له يا أخى سيبك وكذلك مونولوج يقول بلاش مناهده طاوعيني.. أيه آخده لما تلاوعينى من بعد بعدك ياضناية.. حللت بيعى وشرايه سايسى أمورك ويايه.. إن منت عايزه تعاشريني بلاش مناهدة وطاوعيني ومن ثم نجد أن المونولوج ماهو إلا حال لسان المجتمع يعبر عن كل ماحيط به من الم وشجن وابتسامة بشكل ساخر.