لكل خطاب رسالة يعبر عنها المرسل بلغة ملفوظة وأيضا لغة غير ملفوظة تتمثل فى لغة الجسد وهى التى تعبر عن المشاعر الداخلية للإنسان . و فى خطاب الرئيس السابق مبارك فى يوم 72 يناير نجد الكثير من الرسائل التى أرسلها للأمة، فقد بدأ خطابه برسالة غير ملفوظة بتعبيرات وجهه مع قوله بسم الله الرحمن الرحيم وبنظرة تحدى أكدتها حركة الحاجب من مباعدة الحاجب ورفعه مما يدل على الثقة والقوة، واتبع هذا التعبير بهزة فى الرأس والجسد والتى توحى بالإنذار... وفى بداية الحديث عند قوله :" الاخوة المواطنون" نجد تحرك جسده يمينا ويسارا وهى حركة متعارف عليها لا شعوريا تدل على الرفض فتماثل حركة الرأس بهذا الشكل أو اليد أو الأصبع وتعنى لا أو عدم الموافقة أو الرفض وعدم القبول وهذا يدل على عدم الموافقة عما يقال والتناقض بين اللغة الملفوظة واللغة غير الملفوظة... وهكذا بدأ الرئيس الخطاب!!! و فى أغلب مراحل الخطاب نجد رأس الرئيس السابق مائل إلى الناحية اليسرى مما يدل على اعتماد الرئيس فى خطابه على الجانب العاطفى. و نرى تعبيرات التجهم والغضب واضحة منذ بدايات الخطاب وتظهر بوضوح على وجهه عند ذكر شباب الثورة عند قوله "بدأت بشباب ومواطنين شرفاء" واكدته حركة الحاجب المقطبة وتعبيرات الوجه تدل على ما بداخل الشخص من مشاعر وأفكار تجاه ما يتحدث عنه. و قد استخدم الرئيس السابق فى سياق حديثه الكثير من أساليب الرسائل الضمنية ومنها أسلوب المقدمات التى تؤدى إلى نتيجة فجعل التظاهر السلمى المقدمة التى أدت إلى مواجهات مؤسفة وسلب ونهب وإشعال حرائق وكأنها هى السبب ونجد هذا الربط فى قوله : أتحدث إليكم فى أوقات صعبة تمتحن مصر وشعبها تكاد أن تنجرف بها وبهم إلى المجهول. وأيضا أسلوب الربط بين المقدمة على أنها السبب حيث جعل التظاهرات السلمية هى نفسها التى تحولت إلى مواجهات مؤسفة ولم يفرق بين التظاهر من ناحية والسلب والنهب من ناحية أخرى وجعل العلاقة بينهم مباشرة فى قوله : "تحولت تلك التظاهرات من مظهر راق ومتحضر لممارسة حرية الرأى والتعبير إلى مواجهات مؤسفة تحركها وتهيمن عليها قوى سياسية سعت إلى التصعيد وصب الزيت على النار. و بعد الإنتهاء من سرد كل هذه الوقائع تحرك كامل جسده مرة ثانية لجهة اليمين واليسار وهذا التحرك له نفس المدلول لتحرك الرأس بعدم الموافقة او تحرك الاصبع بالرفض وله دلالة عدم الموافقة على ما يقال. كما استعمل الرئيس السابق أسلوب التخويف والإيحاء وأسلوب الاختيار "إما، أو" يحصر هذا الأسلوب البدائل المتعددة فى بديلين فقط وهذا مقصد الرئيس السابق: إرسال كرسالة ضمنية للشعب إما أنا أو الفوضى فى قوله: و قد تلعثم عند ذكر القوات المسلحة فى قوله :" يتعين أن يتعامل معه شعبنا وقواتنا المسلحة بأقصى قدر من الحكمة" والتلعثم فى الكلام يدل على عدم الارتياح أو عدم موافقة أو توتر نحو ما يقال أو عدم التوافق بين العقل الواعى والعقل اللاواعى حيال ما يقال. واستخدام التطويل الشديد كأنه يقول موضوع انشاء وليس خطابا للأمة فى ظرف حرج يعطى رسالة ضمنية بعدم التأزم، كما أنه يعكس عدم المعايشة والواقعية فى مواجهة الازمة، وقد تلعثم مرة أخرى عند قولة :" ودون مراعاة للظرف الدقيق الراهن لمصر وشعبها" مما يدل على عدم القبول بهذا الظرف وشعوره بالتوتر نحو هذا الظرف. واستخدام الرئيس لكلمات مثل بادرت وكلفت تعطى رسالة ضمنية بالسيادة والسلطة . و قد استخدم الرئيس السابق أصبع السبابة فى عدة مواقع فى الخطاب، ونجد أن سبب تسمية هذا الأصبع بهذا الإسم لأن الشخص يستعمله عند السب أو الغضب فى الحديث، وبالتالى استخدامه يدل على التهديد والتوعد والتوجيه من السلطة العليا عند قولة : " وما قدمته للوطن حربا وسلاما" واستخدامه لليد اليسرى دليل على أنه يتكلم معبرا عن عاطفة أو من أجل الاستحواذ على عاطفة من يسمعه... بالاضافة إلى استخدام أسلوب المسلمات فى إرسال رسالة ضمنية أنه طالما هو رجل من أبناء القوات المسلحة هذا يعنى الامانة وعدم التخلى عن الواجب. "إننى لم أكن يوما طالب سلطة أو جاه ويعلم الشعب الظروف العصيبة التى تحملت فيها المسئولية وما قدمته للوطن حربا وسلاما إننى رجل من ابناء قواتنا المسلحة وليس من طبعى خيانة الامانة أو التخلى عن الواجب والمسئولية. و حرك الرئيس السابق رأسه يمينا ويسارا عند بداية قوله :"لكننى الآن حريصا كل الحرص على أن اختتم عملى من أجل الوطن لما يضمن تسليم امانته ورايته ومصر عزيزة آمنة مستقرة." مما يدل على عدم موافقته على ما يقال فمخالفة التعبير الجسدى عن التعبير اللفظى يدل على عدم التوافق بين المنطوق من كلمات وما يشعر به الشخص بداخله نحو ما يقال.. و استخدم يده اليسرى عند قوله وبما يحفظ الشرعية ويحترم الدستور.." لاستدرار العاطفة.و استعماله كلمات "سأعمل"، "ادعو" تعطى رسالة ضمنية لاستمراره فى السلطة فى قوله :"أقول بعبارات واضحة بأننى سأعمل خلال الأشهر المتبقية من ولايتى الحالية كى يتم اتخاذ التدابير والاجراءات المحققة للانتقال السلمى للسلطة بموجب ما يخوله لى الدستور من صلاحيات. ونرى حركه يده اليسرى فى قوله:" فإننى اطالب البرلمان بإلتزامه بكلمة القضاء وأحكامه فى الطعون على الانتخابات التشريعية الاخيرة دون ابطاء" ويدل على محاكاته لعواطف المستمعين، واستخدامه لكلمات سوف أوالى، إننى أكلف رسالة ضمنية لاستمراره فى السلطة فى قوله : "سوف أوالى متابعة تنفيذ الحكومة الجديدة لتكليفاتها على نحو يحقق المطالب المشروعة للشعب. ونجد ما بين المقطع السابق والمقطع الذى يليه تحرك جسد الرئيس السابق يمينا ويسارا مرة اخرى والذى يعطى ايحاء بعدم الموافقة او بالتناقض بين الكلام والشعور نحو الكلام او بين الواقع ومغايرة الكلام للواقع كما فى المقطع التالى فى قوله:" "و فى ذات السياق إننى أكلف جهاز الشرطة بالإطلاع بدوره فى خدمة الشعب وحماية المواطنين بنزاهة وشرف وامانة وبالاحترام الكامل لحقوقهم وحرياتهم وكرامتهم". و استطرد قائلا :"كما أننى اطالب السلطات الرقابية والقضائية بأن تتخذ على الفور ما يلزم من اجراءات لمواصلة ملاحقة الفاسدين والتحقيق مع المتسببين فيما شاهدته مصر من انفلات أمنى... " وتلعثم عند ذكر التحقيق مع من تسببوا فى أعمال الشغب فى قوله : " ومن قاموا بأعمال السلب والنهب وإشعال النيران وترويع الآمنين " مما يدل على أن العقل اللاواعى لا يقبل ما يقال او يشعر بنوع من التوتر مما يقال وأن هناك تناقضا بين العقل الواعى واللاواعى عما يقال. وأكمل خطابه :"إن هذا الوطن العزيز هو وطنى مثلما هو وطن كل مصرى ومصرية" واستخدم يده اليسرى التى تعبر عن العاطفة. .. ثم استخدم المشاورة بالسبابة عند قوله فيه عشت وحاربت من اجله، وشاور مرة اخرى، ودافعت عن ارضه، وشاور مرة ثالثة، وسيادته ومصالحه، واستمر فى المشاورة، وعلى أرضه أموت وسيحكم التاريخ علىّ وعلى غيرى بما لنا أو علينا." وهنا غير يده وأشار بيده ال يمنى التى تعبر عن التحليل والمنطق وأشار بأصبع السبابة ايضا مما يدل على التعالى والتوجيه فلم يستطع أن يتخلى عن شعوره بالسلطة حتى فى أوقات استدراره لعاطفة شعبه. ثم انهى خطابه بقوله :"إن الوطن باق والاشخاص زائلون مصر العريقة هى الخالدة ابدا تنتقل رايتها واماناتها بين سواعد ابنائها وعلينا أن نضمن تحقيق ذلك بعزة ورفعة وكرامة جيلا بعد جيل حفظ الله هذا الوطن وشعبه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. "و هنا استخدم يده اليسرى لينهى خطابه الذى حاول أن يؤثر به على عاطفة الشعب المصرى بما عرف عنه من تغليب العاطفة على المنطق ولكن بلا جدوى. وانتهى به الحال إلى قفص الاتهام فالإنفصال عن الواقع وعدم استيعابه لحقيقة الأمر وتفاعله معه حتماً يؤدى الى هذه النهاية.