يعرض الدكتور محمود رمضان خبير الآثار والعمارة الإسلامية، مدير مركز الخليج للبحوث والدراسات التاريخية، موضوعا مهما بصفحته «الصالون الثقافي» عن (متحف الفنون التطبيقية في بودابست) بقلم الدكتور أحمد الصاوي أستاذ الآثار والفنون الإسلامية، في إطار دعوة العالمين لنشر الوعي بأهمية التراث الإنساني العالمي والحفاظ عليه. ويعد متحف الفنون التطبيقية بالعاصمة المجرية بودابست خامس أقدم متحف في العالم من نوعه، إذ شيد ترسما لخطى النشأة الأولى لمتحف فيكتوريا وألبرت بلندن، لتحسين مهارات الصناع في مجال التصميم. فبعد تأسيس متحف لندن في 1851م شيد متحف للفنون الزخرفية في أدنبرة عام 1854م، وفيينا عام 1864م، وبرلين عام 1868م، ثم في بودابيست عام 1872م. وقد شيد هذا المتحف وقت أن كانت المجر خاضعة لحكم أسرة "آل هبسبورج" بالنمسا، وبالتحديد في ذات العام الذي شهد توحيد شطري العاصمة المجرية وهما مدينة "أو بودا" أو بودا القديمة على الضفة الغربية لنهر الدانوب ومدينة "بيست" على الضفة الشرقية للنهر. والمبنى الحالي للمتحف يقع بالقرب من الطرف الجنوبي للشارع الرئيسي في حي فيرينتسفاروش، ويمكن الوصول إليه بواسطة خط المترو 3، وقد شرع في بنائه عام 1893م واستغرقت أعمال البناء والتجهيزات ثلاث سنوات ليفتح المتحف أبوابه للزوار في عام 1897م. أما مهندسا البناء فهما "أودن ليخنر" و"جيولا بارتوس"، وقد عنيا في تصميمهما لمبنى المتحف بإبراز الطابع المعماري المجري، وخاصة باستخدام الخزف المحلي مع لمحات من العمارة الإسلامية والهندية، وقد كررا نفس هذا النمط المعماري المركب في مبنى المعهد الجيولوجي بالعاصمة المجرية. ويضم متحف الفنون التطبيقية في بودابست مجموعة ثرية من الفنون الزخرفية الأوروبية التي تم عرضها وفقا لمواد صناعتها، ولذا فهي تعرض في أقسام "الأثاث" و"المشغولات المعدنية"، فضلا عن قسم المنسوجات وقسم الخزف والزجاج. أما مقتنيات المتحف من الفنون الإسلامية فتكاد أن تكون تركية عثمانية خالصة،وهو أمر طبيعي في ظل القرب الجغرافي للمجر من حدود الدولة العثمانية،والحقيقة التاريخية التي تقول إن القوات العثمانية نجحت في احتلال مدينة بيست على الضفة الشرقية للدانوب في عام 1526م، ثم مدينة بودا على الضفة الغربية في عام 1541م لتبقى قرابة القرن تحت السيطرة التركية. وللمتحف فرعان رئيسيان أولهما في قلعة "نجايتتني"، وثانيهما متحف الفنون الشرقية الآسيوية" الذي يضم أعمالا من الفنون الإسلامية، ويمتلك متحف الفنون التطبيقية مكتبة ثرية تفتح أبوابها للجمهور خمسة أيام في الأسبوع للاطلاع على كتبها المتخصصة في الفنون وتاريخ الفن. ولمتحف الفنون التطبيقية أنشطته الثقافية الموسمية، وآخرها كان معرضا للفنون الإسلامية بالتعاون مع متحف فيكتوريا وألبرت بلندن ومؤسسة ثقافية ألمانية من برلين. ويقتني المتحف واحدة من أكبر وأهم مجموعات السجاد التركي في القارة الأوروبية، ويتم عرضها للجمهور وفقا للتصنيف المعروف لدى مؤرخي الفنون الأوروبية، أي بحسب التسميات التجارية تارة، وهي تعتمد أساسا على مناطق صناعة السجاد في تركيا مثل سجاد جورديز ولازيق وعشاق أو أوشاق أو مناطق التصدير لأوروبا مثل "ترانسلفانيا"،وتارة أخرى اعتمادا على ظهور أنواع معينة من السجاد في لوحات المصورين الأوروبيين من أمثال لوتو وهولباين وميلينج. ومن المعروف أن الرحل من قبائل الترك هم أول من ابتكر السجاد في العالم، وقد ظلوا يحافظون على تقاليدهم الصناعية والزخرفية طوال العصور الإسلامية، ولا سيما من جهة الاعتماد على العقدة الإيرانية "سينا" في تثبيت أوبار الصوف الملون بين خيوط من القطن، واستخدام خيوط من الحرير في زخرفة السجاد، مع الاكتفاء باستخدام الصبغات الطبيعية وخاصة من نباتات مثل الزعفران والفوة والنيلة والكركم، أو حيوانية كان مصدرها الرئيسي "دودة القرمز" التي كانت تجمع من طين تربة الأناضول بأعداد كبيرة ويتم غليها بالماء لاستنباط اللون الأحمر القرمزي الذي كان وما زال اللون المميز للسجاد التركي الجيد. والحقيقة أن قرب تركيا من الأراضي الأوروبية وتنوع التصميمات الخاصة بالمدن التركية وجودة أصواف المراعي التركية الواقعة بالمناطق الباردة كانت جميعها من أسباب رواج السجاد التركي في القارة الأوروبية، بدءا من عصر النهضة، حيث كانت تفرش على الأرضيات أو تعلق على الجدران. ولعبت الصور الشخصية التي رسمها المصورون الأوروبيون لشخصيات أرستقراطية دورا كبيرا، ليس فقط في الترويج لاقتناء السجاد التركي، بل وفي منح بعض أنواع السجاد تسميات ما برحت تهيمن على كتابات مؤرخي الفنون وعلى طريقة العرض للسجاد التركي في بعض المتاحف،وفي مقدمتها متحف الفنون التطبيقية ببودابست. ومن أمثلة ذلك سجاد ما يعرف باسم سجاد "لوتو"، نسبة لرسم بعض من نماذجه في اللوحات التي رسمها المصور الإيطالي "لورونزو لوتو" في أوائل القرن 16م، ولذا قام المتحف بتعليق صور من رسوم لوتو فوق السجاجيد المشابهة التي يقتنيها المتحف، ويستطيع الزائر بالطبع عقد مقارنة بين رسم السجاد في الصورة وما يراه من قطع السجاد التركي. وتتميز السجاجيد التركية من نوع "لوتو" - وجميعها من إنتاج البدو في هضبة الأناضول - بزخارفها التي تميل للتجريد الهندسي وخلوها من الزخارف النباتية تقريبا، مع غلبة اللون الأحمر على ساحاتها وتلوين العناصر الزخرفية باللون الأزرق، مع لمسات من الأصفر الداكن، بينما إطارات السجادة تكون غالبا باللون الأزرق. ويعرض متحف بودابيست أيضا بعض سجاجيد من النوع المعروف باسم "هولباين" نسبة لظهور أشكاله في لوحات المصور الهولندي "هانز هولباين الأصغر"، وتتميز سجاجيد هولباين بساحاتها الحمراء وبوجود إطارات من الكتابات الكوفية غير المقروءة حول تلك الساحات. وهناك أيضا سجاجيد من النوع الذي كان يرسمه المصور الإيطالي " كيرفللي" في لوحاته، وهو نوع يتميز برسومه التجريدية لأشكال الطيور وبألوانه الزاهية الجريئة التي يتراجع فيها اللون الأحمر أمام غلبة اللونين الأصفر الداكن والأزرق. وبالمتحف مجموعة من سجاجيد الطيور التي كانت تنتج في مناطق رعوية مختلفة من هضبة الأناضول،وهي تمتاز بألوانها الشاحبة وبرسومها التجريدية لأشكال طيور ترسم بشكل متكرر في ساحة السجادة. وربما تكون مجموعة سجاجيد الصلاة التركية بمتحف بودابست من أكبر المجموعات الموجودة خارج تركيا، فهي تضم قطعا من سجاد مدينة لازيق الشهيرة، منها سجادة ذات محراب ساحته باللون الأحمر القرمزي، بينما كوشتا عقد المحراب باللون الأزرق الفاتح، وإطار السجادة باللون الأزرق الداكن، وقد ازدانا برسوم زهور وأوراق نباتية مختلفة، ومن إنتاج لازيق أيضا يعرض المتحف سجادة ذات محراب ثلاثية العقود، وساحتها باللون الأصفر الذهبي. وهناك أيضا بعض السجاجيد التركية من نوع "جورديز" وعشاق أو أوشاق، وخاصة تلك السجاجيد التي كانت تتخذ من إقليم "ترانسلفانيا" برومانيا معبرا تجاريا للوصول لقلب أوروبا حتى باتت تعرف تجاريا باسم "سجاد ترتنسلفانيا"، رغم أنها من إنتاج مدينة أوشاق بالأناضول.