تشوف الطير في الفضاء سارح.. تحسبه مبسوط ومن كتر فرحه في الملكوت سارح.. وهو يا ولداه بيرفرف كما المدبوح من كتر الألم في السماء سارح.. ولو قلت له: كفاية غربة وأرجع لعشك يجاوبك بالدموع: يمكن ألاقى حبة تسد جوع صغارى وده أملى اللى عليه من سنين سارح. أكتب هذه المقدمة بعد قراءتى تلك الرسالة التي جاءتنى ضمن رسائل كثيرة وصلتنى هذا الأسبوع والتي سأنشرها لكم في السطور القادمة دون حذف أو إضافة: عزيزى الحرفوش الكبير.. تحية طيبة وبعد،،، أنا يا عزيزى الحرفوش الكبير، واحد من حرافيش هذا الوطن الذين ينتمون إلى الأرض منذ نعومة أظافرهم.. تربطنى بتربتها السمراء قصص وحكايات، أرى فيها تجسيدًا لمن يعطى دون مقابل، ولعل هذا الإحساس والانتماء كان سببًا في عزوفى عن إكمال تعليمى والاكتفاء بالحصول على دبلوم الزراعة رغم أن مجموعى في الشهادة الإعدادية كان يؤهلنى للالتحاق بالثانوية العامة. اخترت يا سيدى، العمل في مهنة الفلاحة لى طريقًا وهدفًا.. أحببته منذ مولدى وأصبحت أقضى معظم أوقاتى وسط الحقول رغم أن كل ما تركه لى والدى – رحمه الله – 6 قراريط فقط، وهذه المساحة كما تعلم يا حرفوشنا الكبير، لا يوصف من يمتكلها في صعيد مصر بصاحب الأطيان، ولكنها كانت بالنسبة لى كل حياتى وكان خيرها يكفينى أنا وأسرتى المكونة من زوجة وثلاثة أطفال. مرت الأيام يا سيدى، بحلوها ومرها.. حتى جاء يوم أعلنت فيه إحدى حكومات الرئيس الأسبق حسنى مبارك، عن بدء وزارة الزراعة التي كان يتولى حقيبتها في ذلك الوقت الدكتور يوسف والى، في توزيع أراضى مشروع وادى الصعايدة بمحافظة أسوان، على شباب الخريجين وصغار المزارعين بمساحة 6 أفدنة للفرد الواحد، ولأننى كنت واحدًا من الذين تقدموا بأوراقهم في هذا المشروع فقد كانت الفرحة لا تسعنى. واشترط المسئولون وقتها على شباب الخريجين التوقيع على إقرار بالتنازل عن حقهم في الحصول على الوظيفة الميرى في مقابل تملكهم للأفدنة الستة، ووقعنا جميعًا على هذا الإقرار دون تردد، وبعد عدة أشهر ذهبنا إلى قرى المشروع الجديد وبدأنا رحلة تعمير الصحراء. وكما تعلم يا حرفوشنا الكبير، أن تعمير الصحراء يحتاج إلى نفقات باهظة، وأراضى المشروع التي تم تسليمها لنا كانت بالفعل صحراء تحتاج إلى جهد مضاعف لتمهيدها قبل البدء في زراعتها، وكل هذا بسبب أن الشركة التي نفذت المشروع لم تقم بمهامها الأساسية من حيث تمهيد الأراضى بما يمكن معدومى الإمكانيات أمثالنا، من القدرة على زراعتها. ورغم ذلك إستلمت الحكومة – في ذلك الوقت – المشروع من هذه الشركة بكل ما فيه من عيوب وقصور في التنفيذ، وكان علينا نحن الحرافيش تحمل نفقات القيام بالأعمال التي كانت في الأصل من المهام الرئيسية للشركة المنفذة. وحتى نتغلب على هذا الأمر، قمت ومثلى في ذلك الكثيرين، ببيع كل ما نمتلكه في قرانا الأصلية أملًا في الترغد بالعيش داخل جنتنا الجديدة "جنة شباب الخريجين"، وشرعنا في تمهيد الأرض الجديدة ونجحنا وبدأنا نرى ثمار أول محصول غرسنا بذوره بأيدينا، ولكن الحلم سرعان ما تبخر وتحولت الصحراء إلى بحور من المياه الجوفية التي غرقت على إثرها منازلنا والأفدنة الستة التي تسلمناها، والسبب في ذلك أن الشركة المنفذة للمشروع نسيت أو تناست عمل شبكة صرف زراعى للمشروع. طرقنا كل الأبواب يا سيدى، ولم نترك مسئولًا كبيرًا أو صغيرًا إلا وذهبنا إليه وخاطبناه، ولكن لا حياة لمن تنادى.. وأصبحنا الآن يا حرفوشنا نشبه من رقص على السلالم لا نستطيع العودة إلى موطن رأسنا الأصلى بعد أن بعنا كل ما نملكه هناك، ولا البقاء في قرانا الجديدة بعد أن تحولت إلى بحور من المياه الجوفية. ونحن يا سيدى، على هذا الوضع منذ عدة سنوات وكل يوم يمضى نمنى أنفسنا بأن الحال سيتبدل وأن المسئولين بالتأكيد سيجدون حلًا ينقذنا مما نحن فيه، ولكن يبدو أننا خارج حسابات كل حكوماتنا المبجلة، لذلك أرسلت إليك بهذه الرسالة التي أرجو إن وجدتها تروق لك وقررت نشرها أن توجهها للحكومة بعنوان "ودع هواك وإنسانى" لأنه بالفعل عمر اللى راح ما هيرجع تانى.