«اغفرولي حزني وكلماتي، فبعضكم سيقول "بذيء"، فلا بأس.. أروني موقفًا أكثر بذاءة مما نحن فيه».. كلمات قالها الشاعر العراقي الكبير مظفر النواب قبل إلقاء قصيدته الشهيرة «ثلاث أمنيات على أبواب السنة الجديدة»، ربما كان يشعر بما سيحل على العالم من ظلام دامس، يغتال كل قلب على حدة، ويأكله مثلما تأكل النار الهشيم. أمنيات نثرها مظفر قبل أن يغتاله ظلام الذاكرة، فيفقدها، وينسى معها كلماته وقصائده التي طالما كانت سببًا في منفاه الدائم بين الدول العربية التي عاش حياته بين عواصمها المعذبة.. لم ترض تلك القصائد بالعذاب الأكبر إلى قلبه فأعلنت عصيانها عليه، لتتركه في دروب العراق شريدًا بلا ذاكرة على الإطلاق. لم يكن هجر الشعر لمظفر بالأمر الهين على قلبه وجسده، فالزهايمر لم يكن من حقه قصف ذاكرة الشعر من رأسه، وكأن أصعب ما قد يصيب الشاعر أينما حلّ هو هجر القصائد لشرايينه التي تدمنها، ليحل الهزل على جسده فينحله ويسقط من عليه أعباء أزمنة عاشها متألمًا في قصر العروبة. ومن هيبة الشعر الفصيح إلى مخالب الوهن، سقط مظفر مغشيًا عليه، لا يعرف أحدًا ولا يتذكر شيئًا عن حياته، ويقيم في إحدى بيوت العراق، يعاني من الزهايمر وسوء حالته الصحية التي تتدهور يومًا بعد يوم بدون أي رعاية من أصحاب الشأن في العراق، وفي صور عدة تناقلها محبو الشاعر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، طالب الكثيرون منهم نشطاء الحكومة العراقية بتقديم المساعدة والاهتمام بصحته. وعلى الرغم من سقوط ذاكرة القصائد والشعر من أبجدية مظفر، فإن محبيه مازالوا يرددون بقوة قصائده التي تحولت إلى أناشيد ثورة، فلو نسي الشاعر قصائدة فليس من الممكن على الجمهور نسيانها.