رغم وخزات الزمان المتكررة التي تزرع أسنتها في جسد الفنانة الفلسطينية ريم بنا، فتدميها، تبقى كما الفارس الأسطوري الذي يرفع رايته بين يديه حتى الرمق الأخير، فلا يثنيه الدماء ولاتقلبات الزمان الدائمة. كم من الكبوات التي مرت بها ريم خلال أيامها الأخيرة، فما إن استقرت حالتها من إصابتها بمرض السرطان، حتى صرحت مؤخرًا أن صوتها لن يعود للغناء بسبب شلل في الوتر اليساري بالحنجرة، في حين يحاول الوتر اليمين عمل مجهود الوترين حتى تحاول الغناء مرة أخرى، وكأن أوتارها تقاوم مع قلبها ويحاول البقاء على قيد الحياة ما استطاع. وبعد أن اتسعت رقعة المقامرة على حالتها الصحية، خرجت ريم الليلة لتصرح أنها ستواصل المقاومة، وستحاول إجراء بروفات وتدريبات على صوتها لكي تواصل الغناء، فتقول: "جاءت الخطوة الأولى في الحسم الآن، باغتني بطلبه.. ذاك المبدع الذي سأقوم بتسجيل ألبومي القادم معه.. "ريم.. أرسلي لي تسجيلًا بصوتك غناء وقراءات"، كنت في الأشهر الماضية أتجاهل مواجهة صوتي بحثّه على الغناء.. لكني قمت هذا الصباح بتحضير المُعدات الصوتية المتواضعة في بيتي، وها أنا أحاول الغناء وأعيد الكرّة مرارًا، وأعيد التجربة تكرارًا، وأرى خلف النص الذي كتبته من قاع روحي، مشاهد القصف على غزة، قتل الجنود لامرأة وطفلها بدم بارد، أرى آلاف الأسرى يدقّون جدران السجون، أرى الجدار والحصار والدمار، وأرى خيال وجهي منعكسًا في شاشة الحاسوب.. أتساءل ماذا ستفعلين الآن ريم؟ بدون تردد أجيب نفسي: لا شيء.. سأغني ما دمتُ أُقاوم.. سأظل أعيد غنائي مرة تلو المرة.. إلى أن يثبت صوتي كثبات طريقي.. فأنا الآن.. لا أملك إلا صوتًا نازفًا لا يسكت.. وسأغني ما كتبت". وكتبت ريم أغنية لصوتها، إنعكاس لحالتها وحالة الوطن المقاومة، فتقول: "صوتي.. لن تُسكِت صوتي.. إنه الآن.. وتر وحيد يُقاوم.. صوتي.. ينضح في المسامات.. وإن سُدّت مساماتي.. إن صوتي في زندي.. وإن قطّعت أوصالي.. صوتي يجري في الشرايين.. وإن أطلقت الرصاص في دمي.. صوتي في نبضي.. وإن كتمت نبضي.. صوتي طالع من قاع الروح.. وإن قبضتَ على روحي.. صوتي يدور في الميادين.. وإن قصفت الميادين.. صوتي.. لن تُسكِت صوتي.. إنه الآن ثائر في حناجر الأحرار.."