سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ادعاءات الأصول المسيحية للإسلام.. حملات التشكيك بدأت منذ عهد النبوة ويستكملها منتسبون إليه.. أزهريون: محاولات مغرضة وساقطة لتشويه الدين الخاتم.. ومستشرقون يزعمون أن النبي استقى رسالته من القساوسة
لم يسلم الدين الإسلامي، منذ بدايات ظهوره وحتى عصرنا الحالي، من الحملات التي تشكك في أصوله ونشأته وتعاليمه، وكذلك في نبوة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ووصل الأمر إلى الادعاء بأن الديانة المسيحية هي منبع الدين الإسلامي، وأن رسول الله استقى تعاليم الإسلام من القساوسة واليهود المنتشرين في الجزيرة العربية آنذاك، وكذلك من الديانات السماوية التي سبقته، واسترسل البعض في سرد أدلة تؤكد أن من أعد النبي صلى الله عليه وسلم حقًا للرسالة، هما السيدة خديجة بنت خويلد وابن عمها القس النصراني ورقة بن نوفل، حيث اختار الأخير محمدًا وتبناه وزوَّجه من خديجة، وكان مسئولًا عن تدريبه بشكل مستمر ومتواصل لتهيئته للنبوة، وكانت البداية من الخلوة والتعبد في غار حراء، وهو المكان الذي كان يعتكف فيه جده عبدالمطلب بن هاشم. زعم المشككون أن مقومات خلوة النبي في حراء تتبع عادات نصرانية رهبانية، وليست من شرع إبراهيم، ولا من شرع موسى في شيء، وأن النبي لم يكن ليكتسبها دون التدرب على يد القس ورقة بن نوفل. واستطرد البعض في الحديث عن هذه العادات، مُشيرين إلى خلوة النبي صلى الله عليه وسلم التي كان ينقطع فيها عن الناس للتفكير في الله شهرا كاملا من كل سنة، مؤكدين أن هذا الشهر كان رمضان، الذي يُعد شهر صيام نصرانيا، قبل أن يتحول كذلك في الإسلام، وكان صلى الله عليه وسلم حينما ينتهي من خلوته وصيامه، يتوجه إلى بيت الله ليطوف سبع مرات، وفي هذا ظهرت الأقاويل التي تُشبه هذا الفعل بالطواف الذي كان يقوم به النصارى حول كنائسهم سبع مرات أيضًا، أثناء احتفالهم بعيد الشعانين بعد صيامهم الأربعين، ثم نفى هؤلاء صفة الأمية عن الرسول الكريم وقدموا أدلة على أنه لم يكن يجهل القراءة والكتابة، بدليل أن القس قام بتثقيفه دينيًا من خلال قراءة ودراسة الإنجيل، الذي كان ينقله بن نوفل من العبرانية إلى العربية، وإنما أمية النبي يُقصد بها جهله بعلم الروحانيات!!. وذهب آخرون، ومن بينهم المستشرق "جوزيف قزي"، إلى أن ورقة بن نوفل علَّم الرسول الكريم التوراة، وكان يقدم له شروحا وإيضاحات وحوارات للكتب السماوية في جلسات بينهما، بمشاركة خديجة حتى بزوغ الفجر، وقد ادعى البعض أيضًا أنه بعد وفاة "بن نوفل" انتقلت الزعامة الروحية إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأصبح محمد "أول المسلمين" وفتر الوحي لبعض الوقت، وعاوده بعد ذلك بما يتناسب مع شخصية الرسول واستقلاليته عن معلمه - وفقًا للافتراءات. وفي المقابل، تعددت الدراسات والأبحاث التي تدور في فلك هذه القضية، من أبرزها دراسة "دثريني يا خديجة"، للباحثة التونسية سلوى بلحاج صالح الصادرة عام 1999، عن دار الطليعة للطباعة والنشر بلبنان، التي تتناول في الأساس شخصية السيدة خديجة الأسدية القرشية من منظور جديد بالتركيز عليها كشخصية فاعلة ذات تأثير كبير في حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتبحث في جوانب شخصيتها وعلاقتها بالرسول ورسالته، كما ترجع الدراسة إلى الأصول الأولى للإسلام وعلاقة الدين الجديد الذي ظهر في الجزيرة العربية بما سبقه من أديان. اعتبرت الدراسة أن السيدة خديجة هي حلقة الوصل بين المصطفى صلى الله عليه وسلم وورقة بن نوفل، الذي كان أحد أربعة من قريش عُرفوا بالحكمة والتأمل والنزعة التوحيدية، فاعتزلوا الأصنام وامتنعوا عن أكل ذبائحها، وكانوا ينهون عن الخمر والأزلام، وتعبدوا لله رب إبراهيم الذي ظهر في أشعار تُنسب إلى ورقة بن نوفل، وفي إشارتها ل"ورقة" شككت الباحثة في فكرة تنصره وبررت ذلك باحتمالية خلط الإخباريين بين الديانة الحنيفية التي ظهرت في صفوف قريش على يد بعض المكيين الذين كانت لديهم نزعة إلى التوحيد، وبين النصارى وخاصة الرهبان منهم، وذلك في ظل وجود تشابه بين الفئتين في عدد من السلوكيات، وقد دللت على رأيها هذا من خلال تقديم عدد من التبريرات في هذا الصدد، أبرزها أنه في حالة الإقرار بأن "ابن نوفل" كان نصرانيًا وقسًا لِم لَم يُقدم على نشر النصرانية في محيطه ولم يحاول إقناع خديجة وأقربائه بها؟ كما أن الاستبشار الكبير الذي بدا عليه، حينما تقبل لاحقًا العلامات الأولى لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، لا تستقيم مع فكرة كونه ينتمي إلى الديانة المسيحية، واستطردت الباحثة قائلة إنه بعد موته كانت الجنة مصير بن نوفل، وذلك وفقًا لما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم، حينما وُجه إليه سؤال في هذا الأمر؛ حيث روى الترمذي عن عائشة قالت: سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ورقة فقالت له خديجة: إنه صدقك، وإنه مات قبل أن تظهر، فقال: رأيته في المنام وعليه ثياب بيض، ولو كان من أهل النار لرأيت عليه ثيابًا غير ذلك، وعن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رأيت لورقة جنة أو جنتين، واعتقدت الباحثة أن التأكيد على المصير المُبشر لابن نوفل لن يصدر عن المصطفى إلا إذا تعلق الأمر بأحد الحنفاء الذين ظهروا في مكة كجزء من تيار الحنيفية الموجود بشكل عام في بعض مناطق الجزيرة العربية الأخرى، وبالتالي فإن "ابن نوفل" كان من الحنفاء وليس قسًا كما تقول الادعاءات - وفقًا لها. وأشارت دراسة "بلحاج" إلى علاقة محمد صلى الله عليه وسلم ب"ورقة"، التي مهدت إليها خديجة الطريق منذ البداية، وأكدت أنها كانت سببًا في تعرف النبي على الأديان القديمة، لما عُرف عن ورقة من اطلاع عليها واستيعاب لها، من خلال الكتب والأسفار والالتقاء بالأحبار والرهبان. وعن الخلوة، قال عبدالله بن الزبير: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في حراء من كل سنة شهرًا، وكان ذلك مما تحنث به قريش في الجاهلية، وكان الرسول في هذا الشهر يُطعم من جاءه من المساكين، فإذا قضى النبي جواره من شهره ذلك، كان أول ما يبدأ به الكعبة قبل أن يدخل بيته فيطوف بها سبعًا أو ما شاء الله من ذلك، ثم يرجع إلى بيته، حتى إذا كان الشهر الذي أراد من كرامته من السنة التي بعث فيها، وذلك في شهر رمضان، وهذه الخلوة هي عادة لدى قريش بالانقطاع للعبادة زمنًا كل عام، بعيدًا عن الناس في خلوة، للتقرب إلى الله تعالى بالزهد والدعاء، والالتماس عنده الخير والحكمة، وكانوا يسمون هذا الانقطاع التحنف أو التحنث، وقد روى البلاذري عن ابن نوفل الزهري، أن عبدالمطلب أول من تحنث بغار حراء، وكان إذا أهل هلال شهر رمضان دخل بحراء فلم يخرج حتى ينسلخ الشهر ويطعم المساكين، وكان يُعظم الظلم بمكة ويُكثر الطواف بالبيت، أي أن الخلوة لم يتعلمها النبي صلى الله عليه وسلم من ورقة بن نوفل كما يدَّعي البعض بل هي عادة اعتادت عليها قريش. افتراء على الإسلام وفي النهاية أكد الدكتور فوزي الزفزاف، وكيل الأزهر الأسبق، وعضو مجمع البحوث الإسلامية، أن قضية الطعن في الإسلام والتشكيك في أصوله ليست جديدة، بل هي قديمة وتمتد جذورها إلى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه، وأضاف أن من يشكك في الدين الإسلامي إما أنه لا يفهمه أو أحد الحاقدين عليه، مؤكدًا أن الله جل وعلى تحدى كل من كان يشكك في مصداقية الوحي والقرآن الكريم بأن يتمكنوا من الإتيان بسورة من مثله، ولم يستطع أحد فعل هذا، وشدد على أن كل هذه الأقاويل التي تتحدث عن أن الإسلام مقتبس من الديانات الأخرى، وأن ورقة بن نوفل كان أحد المصادر التي تعلم منها الرسول عن الديانات التي تسبقه، ما يجعل للإسلام أصولا مسيحية، ما هي إلا ادعاءات بلا سند أو دليل، وإنما هي درب من دروب الافتراء على الإسلام وحقد على المسلمين، وأشار إلى أن هذه الشكوك أيضًا موجودة في الكتب منذ سنوات طوال، وتم الرد عليها، ولكن يتم تجديدها من الحين إلى الآخر من خلال بعض الكارهين للإسلام بالسليقة، وأبرزهم سيد القمني. المصادر: ● المستشرق جوزيف قزي، سلسلة الحقيقة الصعبة، قس ونبي، بحث في نشأة الإسلام، 2010. ● سلوى بلحلج صالح، دثريني يا خديجة، دراسة تحليلية لشخصية خديجة بنت خويلد، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، 1999. ● أبي جعفر محمد بن جرير الطبري، تاريخ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، الجزء الثاني، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم.