قال تعالي: اقرأ باسم ربك الذي خلق".. روت السيدة عائشة أن النبي صلي الله عليه وسلم أول ما بديء به من الوحي. الرؤيا الصادقة فكان لا يري رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح. ثم حبب إليه الخلاء. فكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه الليالي ذوات العدد. قبل أن ينزع إلي أهله ويتزود لذلك. ثم يرجع إلي خديجة فيتزود لمثلها. حتي جاءه الحق وهو في غار حراء. فجاءه الملك فقال: اقرأ.. قال: قلت: ما أنا بقاريء.. قال: فأخذني فغطني حتي بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ.. قال: قلت: ما أنا بقاريء.. قال: فأخذني فغطني الثانية حتي بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ. قال: قلت: ما أنا بقاريء.. قال: فأخذني فغطني الثالثة. ثم أرسلني. فقال: اقرأ.. قال: قلت: ماذا اقرأ؟! قال: "اقرأ باسم ربك الذي خلق ہ خلق الإنسان من علق ہ اقرأ وربك الأكرم ہ الذي علم بالقلم ہ علم الإنسان ما لم يعلم..". فرجع بها يرجف فؤاده.. فدخل علي خديجة فقال: زملوني زملوني.. فزملوه حتي ذهب الروع عنه.. فقال لخديجة.. وأخبرها الخبر.. لقد خشيت علي نفسي.. قالت خديجة: كلا. والله لا يخزيك الله أبداً.. إنك لتصل الرحم.. "الرحم هي القرابة".. وتحمل الكل.. "العاجز".. وتكسب المعدوم.. "من لا يملك أصل الشيء".. وتقري الضيف.. وتعين علي نوائب الحق.. فانطلقت به خديجة. حتي أتت ورقة بن نوفل بن أسد بن عبدالعزي بن قصي. وهو ابن عم خديجة. وكان امرءًا قد تنصر في الجاهلية. وكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الأنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب.. وكان شيخاً كبيراً قد عمي. فقالت له خديجة: يا ابن عم اسمع من ابن أخيك.. فقال له ورقة: قل يا ابن أخي ماذا تري؟! فأخبره النبي صلي الله عليه وسلم خبر ما رأي.. فقال ورقة: هذا هو الناموس الذي أنزل علي موسي. يا ليتني فيها جذعاً. يا ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك.. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: أومخرجي هم؟ قال: ورقة: نعم. لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي. وإن يدركني يومك. أنصرك نصراً مؤزراً. ثم لم ينشب ورقة أن توفي. وفتر الوحي"..! هذا الحدث الذي روته السيدة عائشة رضي الله عنها هو أهم أحداث الإسلام قاطبة لأنه يعبر عن بدء أمر النبوة. ففيه أن النبي صلي الله عليه وسلم كان نزاعاً إلي الوحدة وعدم مخالطة أهل الجاهلية ومشاركتهم فيما هم من ظلام وفساد وشرك. فقد تخير مكاناً في أعلي جبل حراء - جبل فاران - لا يصعد الناس إليه إلا بمشقة شديدة. وحتي يومنا هذا يشق علي الناس جداً الصعود إلي غار حراء في جبل حراء. وكانت غاية النبي صلي الله عليه وسلم من العزلة والانفراد في الغار هو التعبد لرب العالمين والتأمل.