قد يعتقد البعض أن البلاد المتقدمة المهتمة بالصناعة هي أكثر الدول عرضة للتلوث والانزعاج، لكن الواقع والذي تؤكده الدراسات العلمية أن الدول الأكثر تلوثًا هي الدول التي لا تجيد التعامل مع مخلفات المواد الصناعية، فمصر لا يمكن تصنيفها كدولة صناعية وفى الوقت ذاته واحدة من أكثر دول العالم توترا وانزعاجًا وتلوثًا حول العالم. وهو ما أكده التقرير الصادر عن منظمة الصحة العالمية لعام 2015، مشيرًا إلى أن مصر السادسة في ترتيب الدول الأكثر تلوثًا حول العالم، موضحة أن التلوث في مصر ارتفع بشدة في السنوات العشر الأخيرة، بعد أن أصبحت نسبة التلوث أعلى 20 مرة من نسبتها المعتادة. منظمة الصحة العالمية، رأت في تقريرها السنوى أن السبب الرئيسى للتلوث في مصر هو محطات الكهرباء، وعوادم السيارات، بالإضافة إلى استخدام طرق غير مشروعة في التخلص من النفايات عن طريق حرقها، واتباع طرق قديمة في التدفئة عن طريق حرق الفحم والأخشاب، مشيرة إلى أن معدل التلوث في مصر بشكل عام هو 138 ميكروجراما/م3، موضحًا أن القاهرة والإسكندرية هما الأكثر تلوثًا على الإطلاق، يليهم مثلث الدلتا الممتلئ بالغيوم السوداء. تقرير منظمة الصحة العالمية ليس بالمصدر الوحيد المتحدث حول أزمة التلوث والإزعاج في مصر؛ فمنذ أيام قليلة، نشرت دراسة جديدة تؤكد أن القاهرة هي المدينة الأكثر إزعاجًا وتوترًا حول العالم. أعد هذه الدراسة الباحث دانيا بوب، الباحث المختص بالضوضاء بشركة «آتكينس» للهندسة، مؤكدًا من خلالها أن القاهرة وصلت لهذه المرحلة بسبب شوارعها بالغة الضيق المحاطة ببنايات مرتفعة، مشيرًا إلى أن المشكلة في المدينة العريقة تكمن في زمن التنقل وعوادم السيارات التي تم ربطها أخيرًا بالقلق، فضلا عن الكثافة السكانية. ولكن ما هي الأضرار الناتجة عن تلوث الهواء في مصر؟ أجابت عن هذا التساؤل، أيضًا، منظمة الصحة العالمية في تقريرها لعام 2015، لافتة إلى أن أغلب أمراض الصدر والقلب والسرطان والحساسية، يكون سببها هو تلوث الهواء. أكد التقرير كذلك، أن أسباب ارتفاع نسبة التلوث ترجع إلى انتشار المصانع المنتجة للرصاص، وغبار الأسمنت والغازات الضارة، مضيفًا أن عوادم السيارات من المشاكل الرئيسية في المُدنِ الكبيرةِ مثل القاهرة، التي كَانَ يجرى في شوارعها أكثر من 2.1 مليون سيارة في العام 2007، مشيرًا إلى أن الأسوأ من هذا أن نحو 95% مِنْ دراجات مصر البخاريةِ ال730.000، هي موديلات قديمة تنبعث من كل منها هيدروكربونات تعادل ما ينبعث من 10 إلى 15 سيارةِ تعمل بالجازولين، وفى القاهرة الكبرى وحدها هناك نحو 300.000 دراجة بخاريةَ تُصدرُ 150.000 طنًا مِنْ ملوثاتِ الهواء في السّنة. ومن جانبهم، حذر خبراء البيئة المصريين من، أن مصر تتكبد أكثر من 16 مليار جنيه سنويًا خسائر اقتصادية، بسبب عوادم السيارات فقط، مشيرين إلى أن عدد السيارات في مصر الآن يبلغ 6،2 ملايين مركبة مسجلة 50% منها يجول في شوارع القاهرة الكبرى بخلاف الدراجات البخارية «والتكاتك» والسيارات المتهالكة غير المرخصة وغير المسجلة. وبالعودة إلى التقرير السنوى لمنظمة الصحة العالمية، فإنه حذر مما يسمى بظاهرة «السحابة السوداء»، والتي تحدث كُلّ خريف عندما يحرقُ المزارعون قش الأرزِّ وبقايا محاصيلِ أخرى، مؤكدًا أن هذه العملية تعتبر المسئولة عن أكثر من 40 % مِنْ تلوثِ الهواء في القاهرة. السرطان، أحد نواتج ارتفاع نسبة التلوث، وهو بمثابة الكارثة الحقيقية التي تهدد مصر، خاصة بعدما أثبتت الدراسات أن مصر تستقبل سنويا 150 حالة إصابة جديدة بمرض السرطان، لكل 100 ألف نسمة. وتوقع المتخصصون ارتفاع نسبة المرضى إلى 25% خلال الفترة من عام 2013 إلى 2017، فيما يعد مرض سرطان الثدى والليمفوما من أعلى الأمراض السرطانية انتشارًا في مصر، ويحتل سرطان الثدى وسرطان الدم مركزين من أعلى خمسة أمراض سرطانية في مصر. البرنامج القومى لتسجيل الأورام في مصر، أكد في تقريره الأخير أن المعدل السنوى للإصابة بمرض السرطان في مصر يعادل 114.5 حالة لكل 100 ألف شخص (الذكور117.3، والإناث 111.7)، والمعدل السنوى للإصابة بمرض سرطان ثدى للإناث في يعادل 35.5 حالة لكل 100 ألف أنثى (بما يعادل 17،605 أنثى في مصر). أما المعدل السنوى للإصابة بمرض سرطان الغدد الليمفاوية في مصر للذكور6.4 حالات لكل 100 ألف، والإناث 4.2 حالات لكل 100 ألف (بما يعادل 5،241 حالات في مصر). مرض السرطان ليس المرض الوحيد المهدد للمصريين نتيجة لارتفاع نسبة التلوث، فالإحصائيات الطبية أظهرت إصابة 9 ملايين مصرى بمرض حساسية الصدر، و31% منهم من الأطفال بسبب ارتفاع نسبة تلوث الهواء. والكارثة الكبرى، أن التلوث في مصر، لم يعد يصيب أفرادًا وإنما أصبح يصيب قرى ومحافظات بإكملها، فعلى سبيل المثال قرية «مشلة» إحدى قرى مركز كفر الزيات التابع لمحافظة الغربية، تعرف بقرية السرطان، نظرًا لارتفاع نسبة الإصابة بمرض السرطان بأهلها، حيث وصلت حالات السرطان إلى 28 حالة على مدى ثلاث سنوات، بينهم 9 أطفال؛ فأهالي القرية يعيشون بلا مياه شرب، ودون صرف صحي، ودون وحدة صحية لعلاجهم من أمراض البلهارسيا والفشل الكلوي.