أصبحت الهجرة حلم معظم السوريين، وكثير من المهربين يحققون ذلك، فينظمون الرحلات بسريّة بعيدًا عن حرس الحدود وربما بتواطؤ معهم، حيث ليس هناك من يضمن نجاح المشروع إلى المستقبل المجهول. لم يطمئن الشاب السوري هاني "25 سنة" المقيم في لبنان، لهذا الوضع، فتراجع عن تطبيق فكرته بشأن الهجرة غير المضمونة، خصوصًا بعد ما سمعه وشاهده من كوارث لم يسبق أن حدثت في تاريخ الهجرات. يتحدث هاني عن سوريين يقومون بتهريب أشخاص عبر شواطئ لبنان نحو اليونان وإيطاليا بمساعدة من سماسرة لبنانيين. ويشير الشاب هاني الذي يخشى الإفصاح عن هويته، إلى أن سوريًا كان مقيمًا في تركيا جاء إلى لبنان ليعمل في تهريب السوريين، مستغلًا أوضاع هؤلاء غير القانونية، حيث لا يملك عدد منهم جوازات سفر، للرحيل عبر طرابلس. ويوضح هاني الذي يعمل في أحد مطاعم بيروت، أن السمسار طلب منه مبلغًا ماليا ليدفعه في "مكتب وهمي "، ملقّنًا الزبون "شيفرة" لاستعمالها فور وصوله إلى مكان متفقًا عليه في إيطاليا، وبموجب تلك "الشيفرة" يتم تسليم ما تبقى من النقود على الجانب الآخر. إن "الرحلة من طرابلس في شمال لبنان تستغرق حتى سواحل إيطاليا ما بين خمسة وسبعة أيام، في قارب يتسع لعدد كبير من المهاجرين، لكن الآن وبعد توقف التهريب من لبنان، أصبحت تركيا مقصد السوريين المقيمين هنا، حيث يمكنهم الوصول إلى منطقة التهريب عبر مناطق حدودية في شمال سوريا". ويضيف هاني أن العاملين في هذه "المهنة الجديدة" يعملون على إقناع الزبون بأن الرحلة مضمونة وأن المركب مريح، والبحر هادئ والمرافئ آمنة، "كل شيء مظبط" بمعنى أن عملية التهريب تتم من خلال تقديم رشوة مالية. وعادة ما يطلب المهرب من اللاجئين عدم حمل أشياء ثقيلة معهم والاكتفاء بما هو خفيف حمله من طعام وأشياء خاصة بالشخص، إضافة إلى سترة للنجاة. أحد أصدقاء هاني دفع مبلغ 3500 دولار للسفر من تركيا، وقد تمكن القارب من الوصول إلى اليونان، لكن الشرطة أعادته إلى أزمير التركية، وغادر الشاب تركيا مرة أخرى من بودروم، حيث دفع 1100 دولار للسفر إلى جزيرة يونانية، ومن هناك واصل رحلته في باخرة أوصلته إلى العاصمة اليونانية آثينا وكلفته نحو خمسين دولارًا، ثم سار نحو الحدود المقدونية فإلى صربيا وبلجراد بتكلفة لم تتعدّ المائة يورو، ومن بلجراد لزمه دفع 1500 دولار لأحد المهربين لتوصيله إلى فيينا، قبل أن يتوجه إلى ألمانيا بتكلفة 125 يورو، ومنها دخل أخيرا إلى الأراضي الهولندية التي نزح إليها. أما بالنسبة لعمر الحلبي الذي كان يعيش مع زوجته في لبنان، فقد ضاقت به سبل العيش وعاد إلى قريته في ريف حلب، وهناك عانى الأمرين تحت سلطة تنظيم "داعش"، كما يروي عمر: "لا مجال هنا للعيش بحرية، ثمة قيود كثيرة تتعلق باللباس والتصرفات وضرورة الخضوع لدورات دروس الشريعة الإسلامية، لم احتمل البقاء هناك فقررت الهجرة مع زوجتي نحو الغرب". لم يذعن عمر لنصائح أصدقائه بعدم خوض غمار البحر، حيث قرر السفر إلى اليونان عبر تركيا، وتقدم بطلب لجوء عند وصوله إلى هناك، غير أنه لايعرف حتى الآن ما هي الدولة التي ستحتضنه بعد هروبه من مآسي الحرب والاستبداد الذي لحق بعائلته من طرف النظام السوري ومن التنظيمات "الجهادية" على حد سواء. ويشرح عمر قراره بمغادرة وطنه قائلا: "إذا كان البحر ذئبًا فهو أرحم من إخوتي، كما قال النبي يوسف حين ألقاه إخوته في البئر".