قد يحدد الناس تاريخ الثورة المصرية التى قام بها الجيش ممثلا للشعب باليوم الثالث والعشرين من يوليو1952 والواقع أن فى هذا التاريخ مجافاة للواقع لأنه لم يكن إلا آخر مراحل الثورة.. أما أولى مراحلها فسابقة لهذا التاريخ إنه اليوم الحادى عشر من يوليو 1882 ففى هذا اليوم ضربت الاسكندرية الوادعة بمدافع العدوان البريطانى ثم كان الاحتلال البغيض واشتعلت مصر ثائرة. وخرج الجندى الفلاح أحمد عرابى على رأس ثورة الأحرار من الضباط والجنود ليرد هذاالعدوان الطاغى. لكن الثورة لم تحقق أهدافها واكتفت بأن سجلت مولدها، وكان لابد لها وقد بدأت طفلة ساذجة صغيرة من أن تصبر حتى تنموا مع الأيام. حتى إذا أصبحت مكتملة قادرة على أن تقوم بعملا. لم تتردد فى القيام به. لقد حددت الثورة أهدافها منذ اليوم الأول لمولدها. «لأبد من تحرير مصر». وكلما كانت الثورة تنمو كانت الأهداف تزداد عمقا حتى أقبلت سنة1919 وكانت الحرب العظمى الأولى قد انتهت حتى هبت الثورة تطالب بتحقيق أهدافها فصاحت «الاستقلال التام أو الموت الزؤام» وكانت تعنى ماتقول فبذلت فى سبيل فكرتها وهدفها دما ذكيا وتضحية عالية وروحا سامية.ولم تخف الثورة أمام رصاص المستعمرين ولا أمام رصاص أذنابهم من رخاص المصريين. ولكنها مضت قدما لا تبالى بالخديعة والدس. وإذا كانت الثورة بطبعها طيبة القلب صادقة النية صدقت الخدع والخادعين وسكتت! وأخذت تنتظر الوعود .. فإذا هذه الوعود سراب! واكتفت الثورة من وقتها بأن تنظر حواليها وهى تسخر ممن استغلوها وأخذوا يتاجرون بها ويتلاعبون باسمها كان كل من يريد أن يكسب لنفسه مجدا يعلن صلته بها وكان كل من يريد أن يكسب أصواتا يعلن صلته بها إنها بلا شك المزايدات الوطنية. وهذا لون جديد من ألوان الاستغلال السياسى والاتجار باسم الثورة. بدأ تجار السياسة يختلفون ويتفقون دون أن يكون لأهداف الثورة دخل فيما يختلفون وفيما يتفقون، ولكنها أغراض شخصية ومطامع وغايات وصراع على النفوذ.. نفوذ الأفراد.. والأسر.. والأحزاب!! تم كل ذلك باسم الثورة البريئة منهم وباسم الشعب المغلوب على أمره! ثم تتطور الأمور فلا يعود هؤلاء الحكام يكتفون بذلك إنما يتعدونه إلى ما هو أخطر، فيعتدون على كل المقدسات فلا يصبح للدستور - رغم قصوره - عن سد أهداف الثورة أى احترام. ولا تصبح للسلطة القضائية أى كيان. فمن جانب.. عم الفساد كل شىء. ومن جانب آخر انقسمت البلاد إلى طبقتين واضحتين : طبقة الحاكم وطبقة المحكومين إلى هذا الحدوصل الأمر فى البلد الواحد. وكان يعز على رجال الجيش وهم من الشعب أن يسود فى أوهام الحكام أنهم إحدى وسائل إخماد أفكار الشعب التحررية الإصلاحية. وجاء يوم 23يوليو 1952 بعد سبعين عاما وأثن عشر يوما بالتحديد على مولد الثورة المصرية وهب جيش مصر يباركه الشعب يضرب ضربته. ولكن الثورة كانت تهدف إلى تغيير النظام لمصلحة الشعب بعد أن مضى هذا الزمن الطويل. والشعب مغلوب والغالبون قلة يعدون على أصابع اليدين. فكان لابد من منع استغلال طبقة الحاكمين المتاجرين باسماء الثورات من أن تتاح لهم فرصة أخرى لهذا الاستغلال. وكان لابد من سن «صك تحريرالعبيد» من الذين سادوهم بقوة النفوذ واتساع الملكيات. كان لابد أن يصبح الشعب حرا وليحكم الشعب نفسه غير مقيد بشىء ثقيل من الماضى الكريه. وبهذا تؤمن الثورة أنها تستطيع أن تحقق أهدافها «تحرير مصر لمصر ولشعب مصر».