نراه فى مقولة المرحوم مصطفى محمود: من يقرأ التاريخ لا يدخل اليأس إلى قلبه أبداً، وسوف يرى الدنيا أياماً يتداولها الله بين الناس، فالأغنياء يصبحون فقراء والفقراء ينقلبون أغنياء، وضعفاء الأمس أقوياء اليوم، وحكام الأمس مشردو اليوم والقضاة متهمون والغالبون مغلوبون، والفلك دوار والحياة لا تقف والحوادث لا تكف عن الجريان والناس يتبادلون الكراسى ولا حزن يستمر ولا فرح يدوم. حال مصر الآن نراه فى مقولة جورج برنارد شو: إذا قتل الإنسان نمراً قال الناس هذه رياضة، وإذا قتل النمر إنساناً قال الناس هذه وحشية. حال مصر الآن نراه فى مقولة المرحوم جلال عامر: نحن ديمقراطيون جداً عندما تبدأ مناقشاتنا بتبادل الآراء فى السياسة والاقتصاد وتنتهى بتبادل الآراء فى الأب والأم. حال مصر الآن نراه فى مقولة أحد الخبثاء، قيل له: كيف تخرب البلاد، فأجاب أخون الحكام وأسب القضاء وأهين الشرفاء وأجهل الآراء وأسفه العقلاء وأكمم الأفواه وأسرح السجناء وأشجع الغوغاء وأنصر الجهلاء، فقيل له: وهل هناك من يقبلون ذلك فى فى بلادهم وأهلهم، قال لهم: نعم فى بلاد يكثر فيها المنافقون والجهلاء ويؤخذ فيها التاريخ عن المسلسلات ويسهل فيها تصديق الشائعات وتكثر فيها شخصية عبده مشتاق. حال مصر الآن الجميع تحولت إلى بلد جميع سكانه خبراء، ففى مباريات كرة القدم يتحول الجميع إلى حكام، وفى رمضان يتحول الجميع إلى شيوخ، وعند الانتخابات يتحول الجميع إلى محللين سياسيين، وعند الحروب يتحول الجميع إلى جنود، وعند التظاهرات يتحول الجميع إلى فلول، وعند الثورات يتحول الجميع إلى ثوار. حال مصر الآن يحتاج لوقفة مع النفس ننتقل فيها من مرحلة مراهقة الفكر إلى النضوج الفكرى، وننفض عنا غبار الكبر والعناد الذى جعل كلاً منا لا يرى فى الكون غير نفسه ولا يرى معياراً للصواب والخطأ إلا رأيه، ولا يرى من يخالفه فى الرأى وطنياً، وأصبحنا نقسم الوطن ونصنف الناس على أساس ما يبدونه من آراء. كلنا نحب مصر ومنا من يحبها بجنون ويضحى بحياته من أجلها، ومنا من يحبها بعقلانية، ومنا من يضحى بسعادته من أجلها، ومنا من يتنازل عن أموال الدنيا من أجلها، وبعضنا يعتقد بالخطأ أنه يحب مصر فيتاجر بالآمها ويرقص على جثتها ويؤجج للفتن ويؤسس للخلافات، ومنا من يحب مصر، ولكن يحتاج إلى من يفهمه كيف يحبها. ويجب علينا جميعاً أن نتعلم ونعلم هؤلاء كيف نختلف دون أن نؤذى بعضنا ودون أن نشوه بعضنا ودون أن يكون التخوين أول سطر فى خلافاتنا، وأن نتعلم كيف تكون خصومتنا شريفة، وأننا مهما اختلفنا أو تخاصمنا فنحن شركاء فى وطن واحد، يسهل أن تغرق سفينته، إذا لم نتعلم كيف ننسى خلافاتنا واختلافاتنا، وأن نعلم ونعى أن كل الدم المصرى حرام. وعلينا أن نفكر فقط فى مصر كيف نرد لها الجميل، وكيف نحبها وكيف نصلح أحوالها وكيف نخرجها مما هى فيه من أزمات متلاحقة، وأن نلتقط أنفاسنا ولو قليلاً وننشغل بالبناء ونبنى مؤسسات فاعلة وأحزابًا قوية ومعارضةَ بناءة وإعلاماً موضوعياً وحكومات حقيقية ووزراء وطنيين وشبابًا واعدًا .أشرف عثمان عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.