أسعار الخضار والفاكهة اليوم الثلاثاء 2-12-2025 بمنافذ المجمعات الاستهلاكية    الخطيب: نستهدف الوصول إلى حجم تجارة بين مجموعة D-8 إلى 500 مليار دولار في 2030    الهيئة العربية للتصنيع وشركة داسو الفرنسية تبحثان التعاون في مجال الصناعات الدفاعية    أبو الغيط: الذكاء الاصطناعى يغير مستقبل المنطقة.. ولن نقبل بدور هامشى    فلسطين: سلطات الاحتلال نحتجز جثامين 761 شهيدا    الجيش السودانى: أحبطنا هجوما جديدا للدعم السريع على مدينة بابنوسة    رئيس الوزراء الباكستاني يهنئ الإمارات بمناسبة يومها الوطني    تريزيجيه قبل مواجهة الكويت: كأس العرب فرصة لإظهار قوة منتخب مصر    تاريخ مواجهات مصر والكويت في كأس العرب قبل مباراة اليوم    ضبط مالك محل يبيع أجهزة فك شفرات القنوات الفضائية فى السلام    من محو الأمية إلى الدكتوراه.. قصة تطوير إنسانى داخل أسوار مراكز الإصلاح    انخفاض فى درجات الحرارة بكفر الشيخ.. وتوقعات بهطول أمطار .. مباشر    حسن بخيت يكتب عن: ما أحوجنا إلى التربية الأخلاقية    بعد واقعة التعدي.. مدرسة الإسكندرية للغات تعلن خطة شاملة لتعزيز الأمان داخل المنشأة    موعد مباراة مصر ونيجيريا المقبلة استعدادًا للكان    مواعيد مباريات الثلاثاء 2 ديسمبر - مصر تواجه الكويت.. وبرشلونة ضد أتلتيكو مدريد    تشكيل مانشستر سيتي المتوقع أمام فولهام.. موقف مرموش    وزير الخارجية يؤكد على ضرورة تكاتف أبناء الوطن لدعم الاقتصاد الوطني    محافظ أسيوط يعلن الجاهزية الكاملة لانطلاق انتخابات النواب بالدائرة الثالثة    هيئة الاستثمار تشارك في العرض النهائي لبرنامج Elevate Lab لدعم الشركات الناشئة    ضبط 14 متهمًا لاستغلال الأطفال في التسول بالإكراه    ضربات أمنية لضبط مرتكبي جرائم الإتجار غير المشروع بالنقد الأجنبي    الفيشاوي وجميلة عوض يعودان للرومانسية في فيلمهما الجديد «حين يكتب الحب»    المملكة المتحدة توفر مأوى ل 12 ألف مدني في غزة عبر خيام إنسانية    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 2ديسمبر 2025 فى المنيا    وزير الصحة يتابع مع محافظ البحيرة إنجاز المشروعات الصحية ويبحث التوسع في الخدمات    وزير الزراعة ومحافظ الوادي الجديد يبحثان تعزيز الاستثمار في مجال الإنتاج الحيواني    راقصا أمام أنصاره.. مادورو يمد غصن زيتون لواشنطن    قوات الاحتلال تتوغل فى ريف القنيطرة بسوريا وتفجر سرية عسكرية مهجورة    وزارة التضامن تقر قيد 4 جمعيات في محافظتي أسوان والقاهرة    «وزير الري»: الدولة المصرية تبذل جهودًا كبيرة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة    أسعار الخضراوات والفاكهة اليوم الثلاثاء 2 ديسمبر 2025    بسبب الشبورة المائية وأعمال الصيانة، ارتفاع تأخيرات القطارات على خط بورسعيد    كيف تناولت الصحف الكويتية مواجهة مصر في كأس العرب؟    قمة نارية مرتقبة.. بث مباشر مباراة السعودية وعُمان اليوم في كأس العرب 2025    صحتك في خطوتك| فوائد المشي لإنقاص الوزن    أمينة عرفى ومحمد زكريا يضمنان الصدارة المصرية لتصنيف ناشئى الاسكواش    كأس العرب 2025.. مصر تصطدم بالكويت في أولى مباريات المجموعة الثالثة    بدء تصويت الجالية المصرية في الأردن لليوم الثاني بالمرحلة الأولى    "إعلام القاهرة" تناقش الجوانب القانونية لريادة الأعمال في القطاع الإعلامي    محافظ البحر الأحمر ووزيرا الثقافة والعمل يفتتحون قصر ثقافة الغردقة وتشغيله للسائحين لأول مرة    طقس اليوم: معتدل نهارا مائل للبرودة ليلا.. والعظمى بالقاهرة 23    البديل الألماني يطرد عضوا من كتلة محلية بعد إلقائه خطابا بأسلوب يشبه أسلوب هتلر    الحكم بحبس المخرج الإيراني جعفر بناهي لمدة عام    أدعية الفجر.. اللهم اكتب لنا رزقًا يغنينا عن سؤال غيرك    ما حكم الصلاة في البيوت حال المطر؟ .. الإفتاء تجيب    أصل الحكاية | «تابوت عاشيت» تحفة جنائزية من الدولة الوسطى تكشف ملامح الفن الملكي المبكر    المخرج أحمد فؤاد: افتتاحية مسرحية أم كلثوم بالذكاء الاصطناعي.. والغناء كله كان لايف    سر جوف الليل... لماذا يكون الدعاء فيه مستجاب؟    استقالة وزير الدفاع النيجيري بعد تصاعد عمليات الخطف الجماعي    أصل الحكاية | أوزير وعقيدة التجدد.. رمز الخصوبة في الفن الجنائزي المصري    لغز مقتل قاضي الرمل: هل انتحر حقاً المستشار سمير بدر أم أُسدل الستار على ضغوط خفية؟    كيف تكشف المحتوى الصحي المضلل علي منصات السوشيال ميديا؟    بالأدلة العلمية.. الزجاجات البلاستيك لا تسبب السرطان والصحة تؤكد سلامة المياه المعبأة    تقرير الطب الشرعي يفجر مفاجآت: تورط 7 متهمين في تحرش بأطفال مدرسة سيدز    استشهاد فرد شرطة ومصرع 4 عناصر جنائية في مداهمة بؤر لتجارة المخدرات بالجيزة وقنا    أول ظهور لأرملة الراحل إسماعيل الليثى بعد تحطم سيارتها على تليفزيون اليوم السابع    أقوى 5 أعشاب طبيعية لرفع المناعة عند الأطفال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخرافة في القرافة!!
نشر في الجمهورية يوم 27 - 12 - 2012

لم يعد أي مصري يرضي بحكم أو رأي مصري.. يرفض المصريون جميعا الكلمة السواء وثمانون في المائة من المصريين ينتمون لحزب "مالناش دعوة" والعشرون في المائة مذبذبون.. مرة إلي هؤلاء.. ومرة إلي هؤلاء.. وكل امريء يري مصر بعيني هواه ومزاجه وانتمائه الطائفي أو الفئوي أو الحزبي أو التياري أو الجماعي.. الألسنة والأقلام في مصر حرة مستقلة لكن القلوب والعقول محتلة والرءوس مسكونة بالعفاريت والشياطين.. ربع المصريين صوتوا علي الدستور وأكثر قليلا من نصف هذا الربع قالوا "نعم".. ولا يعرفون "نعم علي إيه" وأقل من أربعين في المائة من هذا الربع قالوا "لا".. ولا يعرفون "لأ ليه".. فهو إذن دستور نصف ربع المصريين.. وكثير من المصريين يرون أن الحرية والشجاعة والديمقراطية أن ترفض وتقول "لا" لأي شئ.. وأن النفاق والخنوع والذل أن تقول نعم وتوافق علي أي شيء.. وثمانون في المائة من المصريين أعضاء حزب "مالناش دعوة".. يتفرجون علي ما يحدث وكأنه في بلد آخر.. يتفرجون علي المشهد الراهن كأنهم يتفرجون علي أحداث سوريا أو باكستان أو فيلم أمريكي "أكشن".. ويتحاور هؤلاء للتسلية وقتل الوقت.. والكلام المصري علي الهواء أو علي صفحات الصحف يختلف تماما عن الكلام علي المقاهي أو في "قعدات" الأصدقاءرغم أن المتكلم واحد والكاتب واحد.. فلا أحد يؤمن بشيء أو مهموم بأمر هذا البلد.. وكثيرون من المصريين جنود أي فريق يدفع.. كأنهم جنود مرتزقة يحاربون في أي جيش وضد أي جيش.. ومصائب مصر عند كثير من أبنائها فوائد.. وهؤلاء مقاولو هدد يتكسبون من المتاجرة في أنقاض الوطن.. فالهدم مهنتهم ومصدر رزقهم ولقمة عيشهم.. هؤلاء مثل عمال النظافة أو جامعي القمامة "إذا البلد نضف مش حيلاقوا ياكلوا".. هم مثل "الحانوتية" إذا قل الموت قل رزقهم.. كثير من المصريين في السياسة والإعلام والقانون والصحافة والدين أيضا تجار كوارث ومقاولو فتن.. مثل البوم يموت إذا لم تكن هناك خرائب يعيش فيها.. مثل الخفافيش يكرهون النهار والنور والوضوح والشمس.. هؤلاء إذا انطفأت الحرائق يشعلونها.. وإذا هدأت ونامت الفتنة هزوها بعنف لتصحو.. وإذا خبت النار زادوها سعيرا.. الفتن والحرائق والخلافات والشقاق عندهم مواسم يستوي في ذلك من يدعون التدين ومن يدعون الاستنارة.. والتدين والاستنارة في مصر مجرد وسائل للتكسب والتربح وليست قناعات أو قيما أو مباديء.. ويندر أن تجد في وطن متخلف كوطننا أحدا يدافع عن قضية ويؤمن بقيمة.. كل هذه الشعارات "أكل عيش".. السياسة والصحافة والإعلام والجماعات والتيارات الإسلامية.. كل هذه مهن وسبوبة "ونحتاية".. والاختلافات ليست فكرية ولكنها مثل اختلافات المهن والحرف "كل فريق لقي نفسه ولقمة عيشه في الحتة دي".. كل فريق يبحث عن مكان الكتف ليأكلها.. هناك من وجد الكتف في الإسلام السياسي.. وهناك من وجدها في المعسكر الليبرالي.. وكل الذين يتصارعون في الملعب السياسي المصري الآن مليارديرات.. ليس بينهم فقير ولا معدم وعندما "يتطربق الوطن" لن يجد سوي رءوسنا نحن الفقراء "يتطربق عليها".. أما الذين هدموه علي رءوسنا فإن لكل منهم وطنا سيشتريه بفلوسه وملايينه.. هم يتقاتلون إلي آخر جندي منا نحن الفقراء الذين لا مأوي لهم سوي هذا الوطن المنكوب.. نحن وقود معركتهم وهذا بالتأكيد ذنبنا لأننا مغفلون ومضحوك علينا بالدين مرة وبالثورة مرة وبالديمقراطية مرة.. فالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية لهم "وللعاهرة الحجر".. يأخذون العيش والحرية والعدالة والكرامة ونحن نأخذ "الصابونة".. والفتنة التي نحن فيها لن تصيب مشعليها ولن تصيب الظالمين لكنها ستمحونا نحن المظلومين لأننا مغفلون.. وكل مظلوم منا رضي بأن يكون عصا في يد الظالم.. وعندما نموت فداء لهم سينعمون علينا بحفل تأبين في فندق خمسة نجوم ويطلقون علينا شهداء.. سيتاجرون بنا أمواتا كما تاجروا بنا أحياء.. غفلتنا وحشدنا كالخراف ونحن غافلون مصدر رزقهم وموتنا ذبحا كالخراف أيضا مصدر رزقهم.. يشحنوننا كالخراف ويعلفوننا كالخراف ويغدقون علينا كالخراف ونحن غافلون ونظن ذلك حباً وحنانا وتدليلا وعدلا وديمقراطية بينما هذا الكرم الحاتمي ليس سوي إعدادنا للذبح في عيد انتصارهم علي خصومهم.. والخراف كلها تنتمي لحزب "مالناش دعوة".. نحن نحتشد في يوم زينتهم لعلنا نتبع الغالب.. لكن الغالب يولينا دبره ويقول لكل منا: "أمك في العشة ولا طارت".. كل الفراعين عندنا يرسلون في المدائن حاشرين ليشحنونا كالخراف إلي حيث يريدون.. وفي كل مرة لا تسلم جرتنا ومع ذلك لا نتوب ولا نحذر ونعيد إنتاج غفلتنا وخطايانا.. ربما لأننا طماعون لذلك يستخفنا ويخدعنا النصابون.. ونجاح عمليات النصب والتآمر ليس ذكاء من النصابين والمتآمرين ولكنه غباء الطماعين المغفلين الذين يظنون في كل مرة وظنهم دائما إثم أن تحت القبة شيخا فإذا بهم يجدون تحت القبة رمة حمار.. أو كلب ميت.. كل ليلة في مصر تشبه البارحة.. وخطاب كل نظام هو نفسه خطاب النظام الذي سبقه.. ومع ذلك ننخدع ونقع في الفخ والحكاية ليست شطارة الخادع ولكنها غفلة المخدوع.. وعندما يتم الضحك علينا بنفس المفردات وبنفس الخطاب وبنفس الطريقة منذ فرعون إلي يوم القيامة فإن العيب والعوار والخلل بالتأكيد فينا.. عندما نلدغ من نفس الجحر سبعة آلاف سنة فإن الخيبة خيبتنا ولابد أننا نستحق ما يجري لنا.. نحن شعب "لقطة".. شعب لا يتطلب جهدا لقيادته إلي حتفه وإلي الهاوية.. وقد مللت مقولة يرددها كل من تضطرني الظروف غصباً للتحاور معه: "ربنا يولي من يصلح".. هي نفس مقولة "كله علي الله".. هي نفس مقولة أجدادنا من بني إسرائيل "فاذهب أنت وربك فقاتلا انا ها هنا قاعدون".
****
لن يولي الله علينا من يصلح لأن الطينة من العجينة.. وكيفما نكن يول علينا.. والله تعالي لايكافئنا بتولية من يصلح في أي موقع.. بل يعاقبنا بذنوبنا بتولية من يسومنا سوء العذاب إلي يوم القيامة بما نقضنا العهود وبما اتبعنا كل ناعق.. ولسهولة حشدنا وحشرنا وخروجنا في مليونيات ليست جديدة علينا فأول مليونية مصرية في التاريخ كانت مليونية يوم الزينة يوم قيل للناس: هل أنتم مجتمعون لعلنا نتبع السحرة ان كانوا هم الغالبين.. ومن يومها لم تتخلف مليونياتنا في أي عهد ونقيضه.. ومن يومها ونحن نهتف: بالروح بالدم نفديك يا أي أحد.. من يومها ونحن تخصص مليونيات مع الغالب.. من يومها ونحن عبيد من غلب ومطية من ركب.. من يومها ونحن نجيد التحول من فلول إلي ثوار ومن موالاة إلي معارضة.. ومن أتباع إلي متمردين.. من يومها ونحن ندفع بعضنا ونحارب بعضنا لا من أجل السيادة ولكن من أجل العبودية.. كل منا يريد أن يكون العبد الأقرب للسيد.. كل منا يدس علي أخيه ويتآمر عليه من أجل أن يحل محله في درجة العبودية الأقرب للسيد.. منا من يريد أن يكون عبد "كلب البيه".. ومنا من يريد أن يكون عبد الهانم.. ومنا من يريد أن يكون عبد المطبخ.. والرتب التي يحصل عليها المصريون منذ فرعون إلي يوم القيامة رتب عبودية وليست رتب سيادة.. والسيد.. أي سيد يوزع المراتب والمناصب حسب درجة ولاء العبد.. والمصري يقاتل من أجل أن يكون عبدا لا من أجل أن يكون سيدا.. والمصري ينعم بالعبودية ولا ينعهم ولا يسعد بالحرية لذلك نقول: "اللي مالوش كبير يشتري له كبير".. أي ان الذي ليس له سيد يشتري له سيدا.. وفي الدنيا كلها يشتري السادة العبيد ولكن في مصر يشتري العبيد السادة.. في الدنيا كلها يتصارع السادة ويتنافسون علي العبيد لأن السادة أكثر والعبيد أقل.. وفي مصر يتصارع العبيد علي السادة لأن العبيد أكثر والسادة أقل.. والعبد ليست لديه شروط في سيده.. هو فقط يريد أن يكون تابعا لأي سيد ويندر أن تجد منا من يرفض موقعا يعرضه سيده.. أو يعرضه السيد الذي يليه حتي إذا كان السيد الحالي مناقضا للسابق وشعار المصري: "أنا خدام لقمة عيش".. وهو شعار الأذلة والعبيد.. هو تراث مملوكي منذ حكمنا العبيد وتحولوا عندنا إلي ملوك وسادة بينما هم خصيان جلبان لا أصل لهم ولا نسب.. حكم العبيد علمنا كيف نكون عبيدا.. المصريون وحدهم الذين كانوا ومازالوا عبيدا للعبيد.. العبد عندنا يتحول إلي سيد بذلنا.. والبشر عندنا يتحول إلي إله بسجودنا له.. لا أحد يبذل مجهودا لاستعبادنا وقيادتنا وحشدنا وحشرنا.. لذلك لن يولي الله علينا من يصلح.. لأن الرعية فاسدة والرعية الفاسدة هي التي تفسد الراعي.. وليس العكس.. يا أصدقائي سارة وحمادة بدران أبو دوح وسعد نبيه صابر وأشرف الحسانين والمهندس إسماعيل العوضي.. لا يوجد راع فاسد ولكن توجد دائما رعية فاسدة.. الحكام لا يفسدون الشعوب ولكن الشعوب تفسد الحكام.. والذين أتُبعوا سوف يتبرأون من الذين اتبعوا يوم القيامة.. لا حجة بأننا كنا مستضعفين في الأرض.. لا حجة للأذلة.. لا حجة للذين سجدوا لمن قال: أنا ربكم الأعلي.. كل هؤلاء الأذلة حجتهم داحضة.. الأعزة عزوا بذلنا والأقوياء تقووا بضعفنا والسادة سادوا بعبوديتنا.. ان البغاث بأرضنا يستنسر.. الطائر المهيض الجناح التافه يتحول إلي نسر لأننا من حوله جيف.. وسادتنا في كل مجال أسود علينا بينما هم مع الأعداء نعامات.. ولا يوجد عندنا سادة بذاتهم فهم عبيد لمن فوقهم في الداخل والخارج.. إنه سلسال "زفر" من العبودية.. فسيدك عبد من فوقه وأنت سيد من دونك أو من تحتك.. ولا توجد سيادة حقيقية إلا في العبودية لله عز وجل.. أما السيادة غير ذلك فهي سيادة كاذبة وعبودية مؤكدة.
كل الحكام في مصر يحكموننا بسياسة "فرق تسد".. فالسيد يكره وحدة العبيد لذلك ينشر بينهم الكراهية والصراع ويعدهم ويمنيهم ويقرب هذا ويبعد هذا.. ليبقي سيدا.. ونحن العبيد لا نحب بعضنا فالعبيد الأذلاء لا يعرفون الحب.. نحن في صراع دائم علي العظم والفتات الذي يلقيه لنا السيد.. والسيد يتبع معنا سياسة: أجع كلبك يتبعك.. والسيد يحرص علي أن يتبعه أكثر من كلب جائع حتي إذا زاد جوع الكلاب أكلت بعضها ولم تأكل السيد.
****
لا نريد أن نتخلي عن تراث المماليك العبيد.. نفس المشهد.. يتم خلع السلطان بمؤامرة.. ويجمع أمراء المماليك علي تولية واحد منهم.. وهذا الواحد يتمنع ويبكي ويتمرغ في الأرض رافضا السلطنة ويحمله الأمراء "هيله بيله" بالعافية ويجلسونه علي الكرسي ويلبسونه ملابس السلطان ويقبلون له الأرض بين يديه ويخلع هو علي من شاء ثم يبدأ ملاحقة مماليك السلطان السابق وينكل بهم أو يعفو عمن يدخل في عبوديته منهم.. ويرتفع أناس ويهوي أناس.. ومن كانوا كبراء وأبطالا صاروا فلولا ومن كانوا فلولا يصيرون أبطالا ومجاهدين وثوارا.. وسنظل نمارس نفس طقوس العبودية والذل إلي ما لا نهاية.. وفي كل العهود لا توجد حقائق ولا ثوابت ودائما يبدأ العبيد من جديد.. ومن الصفر.. ومصر لا تتقدم خطوة واحدة لأن اللاحق يقضي فترته كلها في تشويه السابق ومحو آثاره وهدم انجازاته وتلطيخ تاريخه.. والعبيد يصفقون ويهتفون في الحالتين المتناقضتين.. والسيد يكذب لأن العبيد يصدقونه بل ويقسمون علي أنه صادق ولا ينطق عن الهوي.. العبيد منافقون.. ولاؤهم لمصالحهم "ولقمة عيشهم".. لا توجد قضايا ولا قناعات ولا ثوابت.. وكل حكامنا منذ عهد المماليك يتطوع العبيد باختراع معجزات وخوارق لهم.. وكل حاكم منذ عهد المماليك يقال عند توليه: "إنه لمن يمن الطالع أن ولايته تزامنت مع فيضان النيل أو مع التقاء كوكب المشتري مع زحل.. أو مع الرخاء ورخص الأسعار أو مع موت طاغية في بلاد السند والهند.. وهناك كتب كثيرة منذ المماليك وحتي اليوم وضعت في الحكام ونسبهم.. ومن ذلك كتاب "السيف المهند في مآثر الملك المؤيد".. والملك المؤيد هو السلطان المملوكي المؤيد شيخ المحمودي.. وعندما تقرأ الكتاب تستطيع أن تحذف الاسم وتضع بدلا منه أسماء أخري لسلاطين أو ملوك أو رؤساء أو حتي مديرين.. ولا تغير حرفا بعد ذلك.. نفس الحديث عن النسب الشريف.. والمعاني السامية للاسم وأنه مذكور في القرآن.. وأنه السلطان رقم كذا.. وهذا الرقم له دلالات إعجازية.. فإذا كان الرابع فإن ذلك يعني أنه من الراشدين وإذا كان العاشر فإنه من العشرة المبشرين بالجنة.. وإذا كان الثاني فإنه ثاني اثنين.. وإذا كان الخامس فإنه رقم الصلوات الخمس وإذا كان التاسع فإن ذلك يعني ميلاد الوطن لأن شهور الحمل تسعة "والوطن كان حامل وولد في التاسع".. لا أحد في مصر يغلب إذا أراد النفاق.. فكل الأرقام لها دلالات.. وكل الأسماء لها دلالات.. والمصريون لا يريدون التخلي عن تراث المماليك.. نفس الدجل والنفاق والتفسير الخرافي لكل ما يتعلق بالحكام ونسج الأساطير واختراع الأنساب التي تعود كلها إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم.. ولست أدري ما قيمة ذلك.. فالرسول صلي الله عليه وسلم قال لآل البيت جميعا: لن أغني عنكم من الله شيئا.. ولو كانت العبرة بالأنساب "ما كانش حد غلب" فأبو لهب عم الرسول صلي الله عليه وسلم وأبو طالب عمه عليه الصلاة والسلام.. وأبو جهل والد سيدنا عكرمة رضي الله عنه.. والوليد بن المغيرة والد سيدنا خالد رضي الله عنه سيف الله المسلول.. لكن المصريين ورثوا تراث المماليك العبيد.. كما ورثوا تراث أجدادهم بني إسرائيل بأنهم شعب الله المختار وأنهم الأعظم والأعرق.. وأن مصر محروسة ومحمية لأنها مذكورة في القرآن "مش عارف كام مرة".. انها الخرافات التي لا تفارقنا "وإيه يعني مذكورة في القرآن؟".. طب ما فيه سورة كاملة عن أبي لهب وامرأته أم جميل بنت حرب حمالة الحطب.. وفرعون مذكور في القرآن عشرات المرات.. والسامري مذكور في القرآن.. وقارون.. والحمار والبقرة والذباب والجراد والضفادع والقمل والبغال والعنكبوت والكلب والبعوضة وهناك سورة كاملة اسمها المنافقون.. لكننا لا نريد أن نكف عن أخلاق المماليك ولا نريد أن نتخلي عن دجلهم وأكاذيبهم.. والوطن يتردي ويتهاوي ويضيع ونحن جالسون في القرافة حول دجالة عرافة تسرق عقولنا بالخرافة!!!
نظرة
تقول الكتب الصفراء والحمراء.. والكتب التي علي كل لون إن مصر اسم لرجل هو مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام.. وفي مصر أسماء قري ومدن كثيرة يعود أصلها إلي أسماء إخوة مصر بن بيصر أحفاد نوح مثل قوص وأشمون.. وليس صحيحا أن مصر تعني مدينة.. مفرد أمصار فهذا أمر مختلف.. لكن مصر التي أخذت اسمها من رجل نتحدث عنها وننطق اسمها كامرأة.. فنقول: عاشت مصر.. ومصر قالت.. وتتحدث عن نفسها.. ومصر التي في خاطري.. نسينا أن مصر رجل لأن طبيعتها طبيعة امرأة.. تحسن إليها الدهر كله فإذا رأت منك سوءاً قالت: ما رأيت منك خيرا قط.. ويسهل الضحك عليها وخداعها بمعسول القول لتسقط في سم الفعل.. ولا تصبر علي طعام واحد.. وتستبدل الذي هو أدني بالذي هو خير.. وتذل من يعشقها.. وتعشق من يذلها.. وتطرد من يلاحقها.. وتلاحق من يطردها.. وإذا أردت أن تفوز بها فاخدعها.. لم يعد لدينا مزيد من الحب نقدمه لامرأة تكرهنا.. كما أننا غير قادرين علي كراهية حتي نملة.. المرأة التي حيرتنا تموت فيمن خانوها وتخون من أخلصوا لها.. ترفع من يضعها وتضع من يرفعها.. تنفع من يضرها.. وتضر من ينفعها.. تجر من يرفعها وترفع من ينصب عليها.. وقد سألتني: هل مازلت تحبها؟.. قلت: لم أعد قادرا علي الحب ولا علي الكراهية.. اسأليها هي: لماذا لا تحبنا؟.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.