التاريخ ومن يكتبونه يؤمنون تماما بمقولة «الأنهار لا تعود لمنابعها».. غير أن متابعة عدد من القرارات التاريخية في الشأن المصرى تشير، بما لا يدع مجالا للشك، أن أوقات عدة في التاريخ المصرى خالفت تلك المقولة، أجبرت الأنهار على الارتداد ل «المنبع».. البدء من جديد.. لكن تحت «مسئولية الوطن». قناة السويس.. واحدة من العلامات التاريخية التي تؤكد المقدرة على العودة ل «المنبع»، فالإنجليز أعلنوها منطقة حرة مستقلة عن الإرادة المصرية.. ب «فلوسهم» جعلوا منها مصدرا ل»الرزق» الإنجليزى.. وأزمة للجانب المصرى حتى كان 26 يوليو 1956 عندما أعلن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، في خطاب له تأميم شركة قناة السويس شركة مساهمة مصرية. الأشهر القليلة التي سبقت قرار «ناصر» ب «التأميم» لم تكن هادئة، ويمكن القول إن تزايد الضغط الدولى على القاهرة كان واحدا من الأسباب الرئيسية التي عجلت ب «التأميم» وإعادة القناة ل «منبعها المصري»، فبعد فترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات، تسلم ناصر السلطة. اصطدمت سياساته الخارجية والداخلية المستقلة بشكل متزايد مع المصالح الإقليمية لكل من المملكة المتحدةوفرنسا، أدانت الأخيرة دعمه القوى لاستقلال الجزائر، واهتاجت حكومة أنطونى إيدن في بريطانيا العظمى من حملة «ناصر» ضد حلف بغداد، بالإضافة إلى ذلك، فقد أدى تمسك عبد الناصر بالحياد بشأن الحرب الباردة، والاعتراف بالصين الشيوعية، وصفقة الأسلحة مع الكتلة الشرقية إلى انزعاج الولاياتالمتحدةالأمريكية، التي أعلنت بالاتفاق مع الجانب البريطانى في 19 يوليو 1956، سحب عرضهما لتمويل بناء سد أسوان، حيث أعربتا عن خوفهما من أن الاقتصاد المصرى سوف يغرق بسبب هذا المشروع. أُبلِغ ناصر بالانسحاب البريطانى الأمريكى بينما كان على متن طائرة العودة إلى القاهرة من بلجراد، وإتخذ ناصر القرار النهائى لتأميم قناة السويس بين 19 و20 يوليو، وفقًا لما ذكره الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل، ولكن الزعيم الراحل عبد الناصر ذكر بنفسه في وقت لاحق أنه قرر ذلك في 23 يوليو، بعد دراسة المسألة والتباحث مع بعض مستشاريه من مجلس قيادة الثورة، وتحديدا عبد اللطيف البغدادى ومحمود يونس، وعلم بقية أعضاء مجلس قيادة الثورة بالقرار يوم 24 يوليو، بينما كان الجزء الأكبر من مجلس الوزراء غير مدركين لمخطط التأميم حتى قبل ساعات من إعلان عبد الناصر علنا عنه. تمويل السد ب «فلوس القنال» في 26 يوليو 1956، قدم ناصر خطابا في الإسكندرية أعلن فيه تأميم شركة قناة السويس كوسيلة لتمويل مشروع سد أسوان في ضوء انسحاب القوات البريطانية الأمريكية، ووسط حديثه، ندد ناصر بالإمبريالية البريطانية في مصر والسيطرة البريطانية على أرباح شركة القناة، وتمسك بحق الشعب المصرى في السيادة على الممر المائي، وكان في استقبال إعلان تأميم القناة تأييد واسع من قبل الجمهور في مصر، وفى جميع أنحاء الوطن العربي، نزل الآلاف إلى الشوارع مرددين هتافات داعمة لهذا القرار. الاتفاق السرى ل «احتلال القناة» رأت فرنسا والمملكة المتحدة، وهما أكبر دولتين مساهمَتيْنِ في شركة قناة السويس، أن تأميم قناة السويس عمل عدائى من قبل الحكومة المصرية، وكان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر يدرك أن تأميم القناة سيحدث أزمة دولية، واعتقد أن احتمال التدخل العسكري من قبل الدولتين (فرنسا والمملكة المتحدة) قائم بنسبة كبيرة جدا، وقال أنه يعتقد، مع ذلك، أن المملكة المتحدة لن تكون قادرة على التدخل عسكريا لمدة شهرين على الأقل بعد الإعلان، ووصف التدخل الإسرائيلى بأنه «مستحيل». في أوائل أكتوبر، اجتمع مجلس أمن الأممالمتحدة بشأن مسألة تأميم القناة واتخذ قرارا بالاعتراف بحق مصر في السيطرة على القناة طالما أنها استمرت في السماح بمرور السفن الأجنبية من القناة، بعد هذا القرار أكد «ناصر» أن خطر الغزو قد انخفض إلى 10 في المائة»، ومع ذلك، بعد وقت قصير، عقدت المملكة المتحدة، وفرنسا، وإسرائيل اتفاقا سريا للإستيلاء على قناة السويس، واحتلال أجزاء من مصر، وإسقاط عبدالناصر، وفى 29 أكتوبر 1956، عبرت القوات الإسرائيلية شبه جزيرة سيناء، وسرعان ما تقدمت إلى أهدافها. بعد ذلك بيومين، قصفت الطائرات البريطانية والفرنسية المطارات المصرية في منطقة القناة، هنا طالب «عبد الناصر» قيادات القوات المسلحة المصرية بسحب عناصر الجيش من منطقة سيناء لتعزيز دفاعات القناة. وعلاوة على ذلك، فقد تخوف «ناصر» من إرسال سلاح المدرعات لمواجهة القوة الغازية الإسرائيلية (والبريطانية والفرنسية التي هبطت في وقت لاحق على مدينة بورسعيد) حيث إنه تخوف من تدميرها من قبل قوات الدول الثلاث مجتمعة. قرار «ناصر» لم يأت على هوى وزير دفاعه المشير عبد الحيكم عامر، الذي أعلن اختلافه مع القرار، وأصر على أن الدبابات المصرية يجب أن تواجه الإسرائيليين في المعركة. دارت بين كليهما مناقشات ساخنة يوم 3 نوفمبر، وسلم عامر برأى ناصر. وفى 8 أبريل، أعيد فتح القناة، وتم تعزيز الموقف السياسي للرئيس جمال عبد الناصر بشكل كبير بسبب فشل الغزو ومحاولة الإطاحة به. يقول أنثونى نوتنج أن هذه الأزمة «هي التي جعلت ناصر أخيرا وبشكل كامل، رئيسا لمصر». سنوات قليلة واندلعت حرب 1967، والتي قرر على إثرها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر إغلاق قناة السويس، واستمرت القناة مغلقة لمدة 8 سنوات، حتى قرر الرئيس الراحل محمد أنور السادات إعادة افتتاحها، وتحديدا في 5 يونيو من العام 1975. 5 يونيو من «النكسة للفرحة» يعد إعادة افتتاح القناة للملاحة في عام 1975 م، بمثابة الافتتاح الثانى، واختار الرئيس الراحل «أنور السادات» يوم 5 يونيو ليكون يوم النصر في قناة السويس، بعد أن كان هذا اليوم مرتبطا بذكرى نكسة 67، وبدأ الاحتفال بكلمة ل «السادات» ثم تقدم الفريق أول محمد عبد الغنى الجمسي، نائب رئيس الوزراء، وزير الحربية، القائد العام للقوات المسلحة، بوثيقة تسليم القناة من الإدارة العسكرية إلى الإدارة المدنية للرئيس أنور السادات، الذي وقع عليها وسلمها للمهندس مشهور أحمد مشهور، وبعد ذلك صعد «السادات» على ظهر المدمرة (6 أكتوبر) ليبدأ بها أول رحلة بحرية تعبر القناة بعد إعادة فتحها للملاحة، تطوير المنطقة الصناعية.. المشروع الممنوع بأمر الأمريكان. في أوائل التسعينيات طرح الدكتور كمال الجنزوري، على الرئيس الأسبق حسنى مبارك، فكرة تطوير المنطقة الصناعية في شرق التفريعة، وإنشاء منطقة لوجستية متكاملة، تعيد توزيع خريطة الملاحة في العالم، إلا أنه بعد إنشاء 4 مصاتع، ظهرت مشاكل تعيق استكمال المشروع، بعد إنفاق ملايين الجنيهات. وفى زمن الإخوان لم يمانع المعزول محمد مرسي من التواطؤ مع قطر على حساب القناة.