أيام بعيدة.. كانت فيها الجماهير تحتشد فى دمشق وتهتف للديمقراطية، ووسائل الإعلام العالمية، كانت سوريا جزءًا من الربيع العربى، بعد لحظة سينتهى حكم الأسد، أو أن الدائرة الداخلية ستقرر الخلاص منه، مثلما حصل لمبارك، عدة أسابيع أو أشهر أخرى، إنها أيام معدودة والأسد سيفر أو سيجد موته مثل القذافى. كان قليل جدًّا من البراءة فى الثورة السورية وسرعان ما انقضت وبوحشية، فالحكم السورى ليس حرسًا وطنيًّا من النوع المصرى لمبارك، أو ديكتاتورية رجل وحيد من نوع القذافى، فالنظام السورى هو الطائفة العلوية التى تعرف بأن هزيمتها كفيلة بأن تؤدى إلى قتل كامل ومطلق لجالية كاملة، وهى تكافح، إلى جانب قطاعات تتناقص فى الجمهور السورى، ضد الإبادة، وهى تفعل ذلك بواسطة الإبادة. أيام البراءة للأسرة الدولية مرت هى أيضا، التصريحات الكبرى تبددت، بعض منا ربما يتذكرون الأيام التى كان صبح مساء يعلن فيها زعيم غربى (وأحيانا إسرائيلى أيضًا) بأن ها هو الأسد يسقط، وكان هذا تكتيكًا مقصودًا غايته تسريع سقوطه من خلال التنبؤ به، بعد سنتين يمكن القول بيقين بأن هذا فشل، لم يكن للإسرائيليين أوهام كبرى عن الثوار، ولكن فى هاتين السنتين تعلم الغرب أيضا كيف يتعرف من جديد على الثوار السوريين. الأجزاء الأكثر ليبرالية فى الثورة، وكذا الجهاديون، الثورة الشعبية السورية، تلك التى عانقها الغرب ورفعت لافتات كبرى طلبت مساعدة أمريكا، ضعفت واستبدلت، انعدام الوسيلة الذى أبدته الأسرة الدولية، ووحشية نظام الأسد عزّزَا وخلقَا الثورة الحالية، تلك التى عناصرها البارزة هم الراديكاليون الإسلاميون من النوع الأكثر إخافة. انعدام الوسيلة هو التعبير الأساسى.. فالعالم يعرف أن سوريا تتفكك، العالم يفهم جيدًا أنه يحتمل أن تنتهى الحرب الأهلية بظواهر قتل شعب حقًّا، ويتابع زعماء الغرب بقلق هائل كميات اللاجئين الذين يندفعون إلى خارج الدولة، الجهاديون الذين يتدفقون إلى داخلها وقواعد السلاح الكيميائى، ولكن أداة العمل هى مجلس الأمن، وهذا يخضع للفيتو الروسى. والروس مستاءون من المناورة التى أجرتها لهم الولاياتالمتحدة فى ليبيا، حيث استخدمت قرارًا ناعمًا فى مجلس الأمن لإسقاط القذافى، كانوا مصممين على عدم السماح بذلك فى حالة الأسد، وصدهم الدبلوماسى يستمر هذه الأيام أيضًا، ولكن الحقيقة هى أن ما حصل فى هذه الأثناء هو أن المعركة السورية الداخلية تعقدت، فصعود قوة الثوار الإسلاميين برّد الحماسة الغربية لتسليح المعارضة السورية. وتبين أنه خلافًا للوضع فى ليبيا، من الصعب جدًّا توحيد المعارضة السورية، الدولة نفسها تجتاز عملية تفكك، ومعظم الجهود تركزت على محاولة توحيد معارضى النظام والتنسيق بينهم، قبل التفكير بما يزودون به وفى أى ظروف على الإطلاق. وفى هذا الوقت تستمر المذبحة، مذبحة فظيعة، هى الأفظع التى شهدها الشرق الأوسط منذ الحرب الأهلية اللبنانية الطويلة – وربما أخطر منها- مذبحة تركز على التطهير العرقى لمناطق قروية على خلفية الهوية العرقية، جثث الأطفال تقدم للاستعراض، مقاتلون علويون يتباهون بأعداد المواطنين الذين قتلوا، جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. هذه لعبة، لعبة أرقام باردة، مذبحة كبيرة جدًّا ستؤدى إلى صرخة عارمة فى الغرب، ضغط جماهيرى لتدخل إنسانى ضد نظم الأسد، ولكن فى هذه الأثناء، فى أعداد الموتى التى تنشر أسبوعيًّا وشهريًّا والضغط الجماهيرى مضبوط، فقد تعلم الغرب كيف يحتوى ويسلم بالقتل الجماعى الذى يجرى على أساس يومى فى سوريا، أوربا والولاياتالمتحدة تريدان معارك سهلة يمكن حسمها سريعًا، والاعلان عن النصر، تمامًا مثل الوضع فى مالى، وعلى أى حال فإن التليفزيون عوّدنا على الفظائع، ربما يصعب على السوريين الاعتياد، ولكنه سهل على مشاهدى التليفزيون.