على رأي المثل من خاف سلم ، والجبن هو سيد الأخلاق ، فمنذ أن بدأت جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرعملها وأنا مرتاب من كل حركة بجواري ، هل من الممكن أن يتحول الرجل إلى منكر ؟! وهل يمكن أن يكون ما يخرج من عقول أناس مثلي هو « المعروف» الذي ينبغي أن أفعله دون أن أقول لهم : سكتم بكتم ، حتى أنني لا أملك أن اقول لهم : اعملوا «معروف» واتركونا في حالنا.. لكن هل يصل لهم صوتي ؟ لا يهم ، فقد هداني عقلي إلى حيلة تجعلني أتغلب عليهم ، المسألة بسيطة جدا ، بدلا من الخوف من جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أصبح أنا رئيس الجماعة ، لذلك أطلقت لحيتي وأمسكت في يدي عصا ، والعصا لمن عصى ، وكان أول أعمالي يمثل مفاجأة لأهل درب المهابيل ، إذ خرجت لهم وأنا أتوكأ على عصاي ورفعت عقيرتي بالصياح قائلا : يا أهل الحارة اللئام ، أتاكم الليث ليجعلكم على الصراط، أحذركم أن تدخلوا الحانة في أي وقت من نهار او ليل ، فصاح أحد المتجمعين حولي من أهل الحارة : ولم يا أخ أبو يكح ؟ . قلت بصوت غليظ : لأن الحانة تبيع المنكر ، وأنا رجل النهي عن المنكر . قال الرجل الزنديق : ولكنك حتى أمس كنت تشرب معنا المنكر فما الذي حدث ؟ وحين ظن الرجل الزنديق أنه افحمني، لوحت له بالعصا وأنا أقول : ربنا هداني يا أخي ، حد يقدر يعترض ! . فإذا بآخر شنقيط سميدع يبدو عليه الفجور يقول لي : ربنا هداك ، هنيئا لك ، ولكن موعد هدايتي أنا لم يأت بعد ، شاء الله ذلك ، هل ستعترض على مشيئته ؟! . ثم خرج عليَّ من وسط الزحام شيخ الزاوية التي نصلي فيها لكي يقول : يا أخي ، خليك في حالك ، لا يضركم من ضل إذا اهتديتم . كدت أن أنهزم أمام هذا الجمع ، ولكن ولله الحمد وجدت أحد الإخوة الملتحين يخرج من وسط الجمع لينضم لي ، وتبعه آخر ثم آخر ثم آخر ، حتى أصبحنا مجموعة ، كان أحدنا يمسك سكينا والآخر يمسك عصا والثالث يمسك «كاتر» فإذا بالجمع يتفرق من حولنا ومن ثم أصبحنا جماعة كاملة شاملة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . عقدنا اجتماعا عاجلا وقلت للإخوة : قولوا لي عن ماذا ننهى وبماذا نأمر؟ قال أحد الإخوة وهو يتحسس كرشه : نأمر بلحم خروف ، وننهى عن السكر . قلت له : وهل الخروف من المعروف؟ قال : فيه سبع فوائد ، نشرب مرقته ، ونأكل لحمه ، ونمصمص عظامه ، فنسد جوعنا ، ونشد حيلنا للجهاد في سبيل الله ، ونصنع من فروته بساطا لنا ، ومن قرونه سلاحا لجهادنا ، ومن ليته سمنا لطبيخنا . رد عليه الأخ الثاني يصوت بطيء عيي وهو يشرب من زجاجة لا نعرف كنه ما فيها : والله يا أخ أنت «شاطر» جدا ، لذلك سأتخذك صاحب «ليا» لكن احنا كده هانقعد نقطع في «فروة» أبو يكح . فإذا بالأخ صاحب اللحية الطويلة يقول : إنكم تفعلون مثل «القرون» الأولى ، هكذا يكون الأمر بالمعروف وإلا فلا . سألتهم : ولماذا النهي عن السكر . قال الأخ صاحب الكرش : السكر يدل على النعومة ونحن نريد أن نحيا حياة خشنة ، بلا ميوعة أو مياصة . صاح الأخ صاحب اللحية الطويلة : فلنبدأ عملنا ، وهنا انطلق الجمع الذي معي وهو يصيح في أهل الحارة صيحة عادل إمام في الإرهاب والكباب : الكباب الكباب لنخلي عيشتكوا هباب . وصاح أحدنا منفردا : أدونا كباب ضاني ، وهانطلب منكم تاني . ومافتأنا نصيح حتى وجدنا عم متولي صاحب الحانة يدعونا للدخول إلى الحانة لنأكل ما نحب من الضاني ، وبعد أن أكلنا وشبعنا ، أحضر لنا آنيتين ، آنية وضع فيها خمرا ، وآنية وضع فيها ماءً ثم وضع دودة في آنية الماء فسبحت ، ووضع دودة في آنية الخمر فتحللت ، ثم قال لنا : هل فهمت معنى هذه التجربة ؟ فقال الآخ الذي يشرب من زجاجة لا نعرف كنه ما فيها : نعم فهمنا ، اللي في بطنه دود يشرب خمرة علشان يخف . اقتنعنا جميعا بوجاهة الفكرة ، ولكننا قلنا لعم متولي : ولكننا نهينا الناس عن دخول الحانة ، فماذا نفعل ؟ . قال الرجل وهو يعطي لنا الحل وكأنه أحد الفقهاء الذين ينتمون لجماعة الإخوان : لا تدخلوا الحانة ، ولكن الحانة هي التي ستدخل عليكم ، أليس كل فرد حر في أن يفعل في بيته ما يشاء ؟. قلت له : نعم ، ليس لنا رقابة على البيوت . فقال بعد أن جرع جرعة من قنينة لا نعرف ما فيها : إذن فلا شيء عليَّ إن جعلت عملي دليفري ، الله لم يحرم إلا الخمر ، ولكنه لم يحرم الكونياك والجعة ، بل إن هذه الأشياء تفتح الشهية ، لكل واحد منك زجاجة جعة أو كونياك ، في مقابل أن تقوموا أنتم بتوصيل الطلبات للمنازل ، وهنيئا لك يا فاعل الخير . استحسنا الفكرة ووافقنا عليها ، فجل قصدنا هو الخير ، فنحن «نحمل الخير» للحارة . خرجنا من الحانة لننتقل إلى النقطة الثانية من جدول الأعمال ، محاربة الفجور والرذيلة والسفور ، البنات العرايا اللاتي يمشين في الطرقات بلا حجاب للرأس ، وكأنهن كاسيات عاريات ، وقف بعضنا عند بداية الحارة ووقف البعض الآخر عند نهاية الحارة ، وهاتك يا ضرب في كل متبرجة ، وأصبحنا مثل اللجان الشعبية ، نطلع على البطاقات الشخصية ووثائق الزواج عندما نرى أحدهم يسير مع إحداهن ، ويا ويله ويا سواد ليله لو كان خاطبا فقط ، ظللنا على هذا الحال حتى استقام الحال في الحارة وأصبحت كل امرأة وفتاة من أهل الحارة محجبة رغما عن أنفها وأنف أهلها ، ولكن في يوم من الأيام حدث لنا أمر جلل لم نقابله من قبل ، ففي الظلام الدامس الذي كان يغلف الحارة ، إذا بنا نكتشف شابا أمردا واقفا مع فتاة متبرجة في زاوية من زوايا الحارة وكان يقبلها قبلة حارة ويفعل معها اشياء يندى لها جبين من لم يشاهد المنظر ، أما من شاهد المنظر فيا بخته ويالحظه الحسن ، وصلنا الخبر من الأخ صاحب الكرش ، فأخذنا ننظر بأناة إلى ما يفعلون ، حتى إذا فرغوا من فجورهم هجمنا عليهما بغتة ، صاح الأخ صاحب الكرش : سنقيم الحد عليهم ، أخرجوا يا أهل الحارة لتروا العذاب المقيم ، سنجلد ظهورهم ، وسنجعلهم عبرة لمن يعتبر . صاح الشاب الفاجر الذي استمتع بالفتاة الفاجرة المتبرجة : انتظروا ، لا يمكن أن تقيموا الحد علينا . قال له الأخ صاحب اللحية الطويلة : ولمَ لا يا حيلة أهلك ؟. قال الفتى : لأنني وفتاتي من المشركين ، والحد لا يتم تطبيقه إلا على المسلم . رد صاحب اللحية وهو يهرش في لحيته : عندك حق في هذه ، ولكن ماذا نفعل حيالك ؟. قال الفتى : أيها المسلمون نحن نستجير بكم . قلنا له في صوت واحد : وماذا علينا أن نفعل ؟ . قال : افعلوا ما أمركم به دينكم في قرآنكم ، نفذوا تعاليم ربكم . رد عليه صاحب اللحية الطويلة : وماذا قال ربنا ؟ قال الفتى : قال في سورة التوبة (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ..) . وبما أننا جماعة الأمر بالمعروف ولا يمكن أن نخرج عن تعاليم ربنا فقد قمنا بحماية الفتى والفتاة حتى أوصلناهم خارج الحارة ، واتباعا للقرآن الكريم أخذ الأخ صاحب اللحية الطويلة يقرأعليهم بعض آيات القرآن الكريم ليسمعوها ، ومن وقتها أطلق الناس الأندال على حارتنا اسم «حارة المشركين» .