لا نبالغ لو قلنا إن "العقل الإخوانى" لو صح التعبير عقل مشوش تملأه أفكار خرافية غير قابلة للتحقيق فى العالم الواقعى. هو عقل يحلم باستعادة الأمجاد الإسلامية السابقة، والتى تتمثل أساساً فى نظام "الخلافة". ولذلك يحلم قادة الإخوان المسلمين باستعادة نظام الخلافة كما صرح بذلك فقهاؤهم وقادتهم السياسيون. ولعل أقوى تعبير عن حلم استعادة الخلافة جاء فى مقال مهم كتبه الشيخ الجليل "يوسف القرضاوى"، وذلك فى بداية التسعينيات ونشره فى تقرير "الأمة فى عام" الذى يصدره دورياً مركز الدراسات الحضارية الذى يعبر عن الحركة الإسلامية. والحلم الذى قرر الشيخ "القرضاوى" أنه يحلم به يهدف إلى توحيد الأمة الإسلامية كلها، ويعنى بالأمة كل المسلمين فى مختلف أنحاء الأرض مهما اختلفت جنسياتهم وأوطانهم ولغاتهم وتقاليدهم وفهمهم للإسلام، ذلك تحت رئاسة خليفة إسلامى واحد. وقد دخلت فى مناقشة امتدت عدة أسابيع مع الشيخ "القرضاوى" حول هذا الحلم غير الواقعى، ونشرت وقائع الجدل بينى وبينه على صفحات جريدة الأهرام ابتداء من مقالى الأول الذى نشر بعنوان "الحركة الإسلامية بين حلم الفقيه وتحليل المؤرخ فى 1/8/1994 ورد "القرضاوى" على مقالى فى 7/8/1994. وقد نقدت أفكاره فى مقال آخر نشر فى 15/8/1994 بعنوان "الإمبراطورية والخليفة"، طرحت فيه عليه عدة أسئلة حاسمة هى: هل سيتولى الخليفة منصبه بالتعيين أو بالانتخاب؟ ولو كان بالتعيين من الذى سيعينه، هل هو مجلس المجتهدين الذى اقترحه الشيخ "القرضاوى" أم أنه ? إيماناً بقواعد الديمقراطية- سيتم انتخاب الخليفة ديمقراطياً؟. وتظل هناك أسئلة: من له حق الترشيح، وهل لابد أن يكون من رجال الدين مع أنه لا كهانة فى الإسلام ولا احتكار فى معرفة الشريعة، أم أن أى مواطن عادي يمكنه الترشح؟ وهل سيتم تداول السلطة بمعنى أنه سيتغير الخليفة كل فترة زمنية، أم أنه ما دام قد جلس على كرسى الخلافة فلن ينزل منه أبداً؟ وقد تفضل الشيخ "القرضاوى" فى مقال آخر بعنوان "تعقيب على مقال "الإمبراطورية والخليفة" نشر فى الأهرام فى 2/8/1994 بالرد على أسئلتى الحاسمة، ولم يقدم إجابة شافية عن أى منها. وجاء فى رده أنه لم يفصل فى الحديث عن كيفية اختيار الخليفة لسببين: أنه لم يكتب بحثاً عن نظام الخلافة أو النظام السياسى فى الإسلام وإنما كتب مقدمة عن "الأمة المسلمة" باعتبارها حقيقة لا وهما والسبب الثانى أنه ليس من حقه احتكار هذا التفصيل لنفسه لأنه حق للأمة ممثلة فى أهل الحلّ والعقد. والواقع أن هذه الردود غير المقنعة كانت هروباً صريحاً من الإجابة على الأسئلة الحاسمة التى وجهناها له، لأنها تكشف عن عدم واقعية حلم الخلافة واستحالة تطبيقه فى سياق نظام دولى لا يقبل بالحكومات الدينية من ناحية، وفى سياق نظام عربى اختار الدولة المدنية الديمقراطية باعتبارها هى النموذج الأمثل للحكم. وشاء النائب الإخوانى "محمد عبد الراضى" عضو مجلس الشورى أن يعطينا أدلة إضافية على تخاريف ومبالغات العقل الإخوانى، لأنه فى جلسة من جلسات المجلس الأخيرة صرح قائلاً بمناسبة صدور قرارات الرئيس "مرسى" بإقالة القيادات العسكرية: "النبى فتح مكة فى رمضان، ومرسى فتح مصر فى رمضان بقراراته! وتقول الصحف إن رئيس مجلس الشورى أمر فور سماعه هذه العبارات العجيبة بحذفها من مضبطة المجلس! لقد أدت الأحداث الأخيرة إلى تضخم "الذات" الإخوانية، مما أدى إلى زيادة الهلاوس الفكرية لدى قادة جماعة الإخوان المسلمين الذين يظنون وهماً أن مصر كانت قبل قدومهم الميمون بلداً كافراً وأنهم هم الذين أدخلوها إلى الإسلام!