عندما كنت مغفلاً صغيراً، كان بى عيب خطير، ظل يلازمنى حتى الآن، واكتشفت هذا العيب بالصدفة البحتة، فمنذ 63 عاماً كنت طالباً بكلية الاعلام،وتوفى والد زميلى، وكان زميلى صديقاً داخل وخارج الكلية، وأبلغنى أن العزاء سوف يقام مساء نفس اليوم أمام بيتهم. اجتمعنا - نحن زملاؤه وأصدقاؤه - وذهبنا بربطة المعلم للسرادق الكبير، كان أعمام زميلى وأخواله يستقبلون العزاء، وبالطبع رسمنا «الوش الخشب» أثناء دخولنا، ف«شلتنا» كانت مشهورة بالضحك وإلقاء النكات والقافية، والتى بسببها كان طلاب الاعلام يتحلقون حولنا لتسرى موجات من الضحك البرىء - وأحياناً الفاجر - حتى ذاعت شهرة - «الشلة الفقر»! وشاء حظى السيئ أن أجلس فى مواجهة المقرئ بجوار ابن المرحوم، ولأن الشيخ تجلى فى قراءته، إذ كان يضع يديه على أذنيه ويتمايل يميناً ويساراً فوق كرسيه الضخم المغطى بالبلاستيك السميك، وجاء النادل وبيده كوب من اليانسون الساخن ليقدمه لفضيلة الشيخ، ولم يجد منضدة صغيرة يضع له كوبه فوقها، فوضعها بجواره حتى يبحث عن «طقطوقة»، وأثناء تمايل الشيخ - مندمجاً فى قراءته - انسكب كوب اليانسون الساخن على مقعدته، فصرخ قائلاً «آه يا ...»، فغرق الجميع فى الضحك، وأنا أولهم طبعاً وقام الشيخ مهرولاً، وبعد دقائق جاء المقرئ الذى كان يجلس على «دكة الاحتياطى»، وكان مثل سابقه، فأخذ يميل يميناً ويساراً، فتذكرت صرخة الشيخ الأول، فانفجرت ضاحكاً، رغماً عنى بجد، وأطلقت العنان لقدمى بسرعة فائقة خارج السرادق، وسط استياء الجميع. بعد هذه الليلة آليت على نفسى ألا أحضر عزاء أبداً، لكن ما باليد حيلة، فقد توفى زوج خالتى، وبالطبع لابد من حضور العزاء، وذهبت فى نفر من العائلة، وصعدنا لشقتهم بالطابق السادس، وللأسف كنا جميعاً «حشاشين»، ولم نجد مكاناً داخل الشقة، فجاءوا لنا بكراسى وجلسنا على بسطة السلم الواسعة، وما هى إلا لحظات حتى صعد رجل - من أقاربنا أيضاً - كان قد أجرى جراحة فى زوره، فكان الأنبوب خارجاً من رقبته ليساعده على التنفس، وبعد عناء صعد إلى الطابق السادس، حيث نجلس، وأخذ يلتقط أنفاسه بصعوبة، وفى كل مرة كان الأنبوب يحدث صفيراً، فرد أحدنا: حياتك الباقية، وانفجرنا جميعاً فى ضحك ماجن، وخرج إلينا أكبر أخوالى وطردنا جميعاً، إلا أننا هبطنا الأدوار الستة وبطوننا «ممغصة» من الضحك. وتمر سنوات وأتخرج فى الكلية وأؤدى الخدمة العسكرية، ثم أتزوج، وأسافر للخارج، وكان من شهد على عقد زواجى رجلاً محترماً وصاحب فضل كبير علىّ، وبعد عودتى من السفر إلى القاهرة أخبرنى أهل زوجتى أن شقيق الرجل قد توفاه الله، ولأننى أعلم الكوارث التى اتسببت فيها بسرادق العزاء فقد رفضت رفضاً قاطعاً حضور العزاء، وبعد ضغط شديد من حماتى وابنتها، ذهبت وحدى لتقديم الواجب، كان السرادق ضخماً للغاية، وكان ابنآء عم المتوفى لواءات بالداخلية، وأمام السرادق اصطفت سيارات كبار قيادات وزارة الداخلية، وسلمت على عدد كبير من اللواءات، وقررت الجلوس فى آخر السرادق، وكان المكان خاليا تماماً، وتعمدت النظر إلى الأرض حتى لا تقع عينى على مشهد يثير الضحك، وبعد مرور نصف ساعة امتلأ السرادق على آخره، ولأن حظى سيئ من يومى، بمجرد أن رفعت عيناى وجدت الممثل أحمد نبيل - فنان البانتوميم الشهير، وأشهر أحول فى مصر بعد عبدالفتاح القصرى - فداعبنى بابتسامة، فابتسمت له، لكنه قال: على فكرة أنا ابتسم لمن يجلس بجوارك وليس لك، وهنا انفجرت فى الضحك، ولأن السرادق طويل، فقد زحفت لأخرج من أقرب نقطة أسفل السرادق، وفور خروجى أخذت أضحك والممثل أحمد نبيل - من الجهة المقابلة للسرادق - يسمعنى ويقول: يا راجل حد يضحك فى سرادق العزاء؟!