وزارة الثقافة واحدة من أكثر الوزارات التي يصدر وزراؤها قرارات ينتهى بها الحال إلى «الحبس في الأدراج»، فكل وزير جديد يشمر عن ذراعيه ويعلو صوته وكأنه فاتح مصر الحديثة، ليعلن عن حزمة من القرارات التي في بدايتها تبعث الأمل في نفوس المهتمين بالثقافة، باعتبارها قوة مصر الناعمة، لكنها سرعان ما تختفى مع زحام مشاكل الوزارة، وسوف نرصد في السطور القادمة بعض تلك القرارات التي لم تنفذ بعد: حماية الملكية الفكرية في الحادى والثلاثين من ديسمبر عام 2013، أصدر الدكتور محمد صابر عرب، وزير الثقافة الأسبق، قرارًا بتشكيل لجنة لإعداد قانون حماية الملكية الفكرية؛ بعد أن أصبحت الانتهاكات المستمرة لحقوق الملكية الفكرية تمثل خطرًا على المنتج الفنى بمختلف أشكاله وعلى الصناعات الثقافية، وصرح وزير الثقافة آنذاك بأن اللجنة ستنتهى من أعمالها في أسرع وقت ممكن، وستقدم التصور الكامل لهذا الهيكل المؤسسى وآليات عمله كأول خطوة لتنفيذ ما نص عليه الدستور الجديد في هذا الشأن. وحرص وزير الثقافة على أن تضم اللجنة كفاءات قانونية وتشريعية وفنية في هذا المجال، بالإضافة إلى التمثيل الكامل للجهات المعنية بهذا الأمر، على أن يترأس اللجنة الدكتور محمد نور فرحات، وتضم في عضويتها كلًا من الدكتور حسام لطفي، والفنانة إسعاد يونس، والفنان هانى مهنا رئيس اتحاد النقابات الفنية، والفنان أشرف عبد الغفور، ومسعد فودة نقيب السينمائيين وقتها، والشاعر جمال بخيت، والدكتور تامر عبد العزيز، والدكتور خالد عبد الجليل مقررًا للجنة. تحسين أداء قصور الثقافة عرب نفسه، أصدر قرارا بتحسين مستوى أداء قصور الثقافة، التي لا يسر حالها عدوا أو حبيبا، واجتمع مع قيادات الهيئة وقت أن كان يرأسها الشاعر سعد عبد الرحمن، وناقش كثيرا من المشكلات المتعلقة بالهيئة وطُرق الوصول لحلها، وتسلم بيانا كاملا بالمشروعات وما تم إنجازه منها، وكانت توصيات عرب أن يكلف المهندس «محمد أبو سعدة» بحصر المشروعات من قطاعات الوزارة، وإحالته إلى الهيئة العامة لقصور الثقافة. إلى جانب قرار عرب بإنشاء ناد اجتماعى للعاملين بالهيئة العامة لقصور الثقافة، وطلب من المهندس «محمد أبو سعدة» دراسة هذا الموضوع أسوة بباقى قطاعات الوزارة، وحول موضوع المواقع والأراضى التي يمكن طرحها لإنشاء مواقع ثقافية طالب عرب إعداد خطاب لوزير الاستثمار بأرض السامر والمنصورة لتنفيذ المشروعين بنظام BOT، بالإضافة إلى تنظيم دورات تدريبية دولية للعاملين بالهيئة. إستراتيجية جديدة في منتصف يوليو من العام الماضي، كلف الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة السابق، في حضور قيادات الوزارة، الكاتب والمفكر الكبير الدكتور السيد ياسين، بتشكيل لجنة لوضع إستراتيجية الثقافة، لتقود العمل الثقافي، وأوضح «عصفور» أن مهمة هذه اللجنة تتمثل في وضع إستراتيجية الثقافة المصرية برؤية جديدة، وإعادة صياغة الخطط المقدمة من قطاعات الوزارة في ضوء إستراتيجية وأولويات محددة بمدد زمنية. وبالفعل تقدم الرجل ولجنته بورقتين تناولت الأولى منظومة ثقافية جديدة تجمع بين كل الجهات المهمومة بالعقل المصرى مثل وزارات الثقافة والإعلام، والشباب والرياضة، والتعليم والتعليم العالى والأوقاف، والورقة الثانية حول عمل الثقافة الجماهيرية ورؤيتها في ظل الأمية والفقر والبطالة، وكلتا الورقتين تتناول الثقافة في إطار عام. وتبعها عقد عصفور، عددا من الاجتماعات مع المثقفين، من أعضاء المجلس الأعلى للثقافة، لساعات طويلة لمناقشة مقترحاتهم بخصوص السياسات الثقافية المنتظر العمل بها في الفترة المقبلة، وقدم الحضور تصوراتهم ومقترحاتهم حول السياسة الثقافية المصرية في المرحلة المقبلة. الضجة الكبيرة التي أحدثها إعلان الوزارة عن وضع إستراتيجية ثقافية، لم تؤت ثمارها كما ينبغي، فلم تنتج سوى بعض البروتوكولات مع عدد من الوزارات، لم تترجم فعليا على أرض الواقع، وهو ما يطرح سؤالا مهما «ما مصير تلك الإستراتيجية التي أقرتها الحكومة، والرئيس معا، بعد رحيل جابر عصفور؟» خاصة أن الوزير الجديد الدكتور عبد الواحد النبوي، لم يتطرق لها من قريب أبو بعيد، أو يصدر تصريحا واحدا يدل على اهتمامه بالأمر، كما أنه لم يشر إليها في كل اجتماعاته مع قيادات الوزارة، أو بالمجلس الأعلى للثقافة. معاونو الوزير أحدث عصفور ضجة كبيرة عندما أعلن عن نيته إعداد كوادر شابة لتأهيلها لمنصب معاون وزير، وبالفعل أنهى 60 من موظفى وزارة الثقافة، اختبار تعيينهم في منصب «معاونى الوزير»، وأعلن عصفور أنه سيتولى بنفسه اختبار الحاصلين على درجات تفوق ال 80%، لكن رحيله حال دون إتمام المشروع. وفى الرابع عشر من أكتوبر عام 2014 عقد عصفور، اجتماعا وأعضاء غرفة صناعة السينما، وفى نهاية الاجتماع أصدر عددا من القرارات الوزارية اللازمة لحماية الإبداع المصرى من عمليات القرصنة، وكذا تمثيل غرفة صناعة السينما في كل المجالات المعنية بدراسة تطوير صناعة السينما بوزارة الثقافة، مشاكل صناعة السينما لم تكن هم عصفور وحدة، بل سبق والدكتور صابر عرب، أعد قانونا جديدا، لحماية السينما من القرصنة. قرصنة الموسيقى قضية القرصنة على صناعة الموسيقى تمثل العبء الأكبر والقضية الأهم التي تشغل بال كل العاملين في قطاع الموسيقى والغناء «منتجين، وعازفين، وشعراء ومطربين»، بعد أن خلفت هذه الأزمة وراءها مئات من العاطلين في هذا المجال إلى جانب إغلاق 99% من شركات الإنتاج أبوابها، جعل جابر عصفور يصدر قرارا بتشكيل لجنة من ممثلى وزارة الثقافة والاتصالات والعدل تكون مهمتها إصدار قرارات ملزمة تعطى المتضرر من القرصنة الحق في غلق الموقع، ولكن رحيل الوزير جمد القرار، وهاهو الوزير الجديد الدكتور عبد الواحد النبوي، يحاول اتخاذ قرار لحماية الموسيقيين، وقد أصدر النبوى تعليماته بتذليل كل المعوقات لدى الرقابة على المصنفات عند إعداد القيود والتنازلات والتصاريح والتي منها توفير مكان متسع يخصص لاستقبال جموع المؤلفين والملحنين، وقد اقترح أن يكون بالأوبرا حتى يكون ملتقى جيدا للمبدعين يتم الإفادة منه في جوانب أخرى تساعد في خلق مناخ فنى وإبداعى تحت مظلة ثقافية محترمة، كما أصدر تعليمات بتمديد عمل الخزينة حتى الثانية عصرًا بدلًا من الثانية عشرة ظهرًا، بالإضافة إلى توافر خاتم الرقابة مع أحد العاملين بالجهاز طوال ساعات العمل، كما أصدر توجيهاته للعاملين بجهاز الرقابة بإزالة المعوقات الروتينية وسرعة اتخاذ إجراءات القيود والتنازلات بأسرع وقت ممكن حفاظا على وقت جموع المؤلفين والملحنين، وأمر بتوفير الإمكانيات اللازمة التي تؤهل الموظفين للقيام بواجبهم على أكمل وجه. منافذ بالأقاليم الدكتور عبد الواحد النبوى كان له عدد من القرارات الجريئة التي لم تدخل حيز التنفيذ حتى الآن، منها إصدار سلسلة جديدة تناقش الأوضاع الحالية «السياسية والثقافية والاقتصادية»، التي تهم القارئ والمواطن المصرى في تلك المرحلة المهمة، على أن تكون السلسلة جاذبة للقارئ، بالإضافة إلى مشروع الثقافة القومى «صيف ولادنا»، ومشروع المليون قارئ، وإطلاق أول جريدة دورية تطبع بطريقة «بِرَيل» لخدمة المكفوفين، إضافة لوضع علامات إرشادية بكافة المتاحف القومية لخدمة ذوى الاحتياجات الخاصة، فضلًا عن افتتاح مشروع «بنك الكتاب المصري» والذي يهدف للترويج للكتب، وكذلك التوسع في نشر منافذ بيع إصدارت وزارة الثقافة بالجامعات ومراكز الشباب ضمن مشروع «اقرأ»، بخصومات تصل إلى 50%، مع إقامة مركز معلومات داخل وزارة الثقافة لمتابعة فعاليات وأنشطة مبادرة «صيف ولادنا»، وربط بيانات مختلف القطاعات والجهات المشاركة والوزارات المشتركة في المبادرة، وكذلك عمل خط ساخن للمبادرة لتلقى الشكاوى من الجمهور. وقرر النبوى أيضا إقامة 200 منفذ بيع في المحافظات بتمويل من صندوق التنمية الثقافية و200 منفذ بقصور الثقافة. كل ما سبق مشروعات وقرارات أطلقها وزراء الثقافة في «ساعة صفا»، وحتى يومنا هذا لم نجد سوى مجموعة من المشكلات تطل علينا من حين لآخر.