سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«دستور يا أسيادنا».. دستور «الخمسين» في الثلاجة حتى إشعار آخر.. المادة 83 الخاصة بحماية المسنين ورعايتهم لم يتم تنفيذها..الإسلامبولى: غياب العدالة الاجتماعية ينذر باضطرابات جديدة
يعرف الفقهاء الدستوريون، الدستور بأنه مجموعة المبادئ الأساسية المنظمة لسلطات الدولة والمبينة لحقوق كل من الحكام والمحكومين فيها بدون التدخل في المعتقدات الدينية أو الفكرية، وبناء الوطن على العالمية والواضعة للأصول الرئيسية التي تنظم العلاقات بين مختلف سلطاتها العامة، أو هو موجز الإطارات التي تعمل الدولة بمقتضاها في مختلف الأمور المرتبطة بالشئون الداخلية والخارجية. ولأن الدستور هو مجموعة القوانين العليا الحاكمة في البلاد والذي تتفرع عنه بقية القوانين فكان لا بد على أن ينص على مساواة الموطنين ولا فرق بينهم لأى سبب وهو ما أكدته نصوص الدستور ذاته ففى المادة 53 من دستور مصر الصادر عام 2014 بعد ثورتين على أن المواطنين لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعى، أو الانتماء السياسي أو الجغرافى، أو لأى سبب آخر. التمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون. تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كل أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض. وهذا ما فسرته المحكمة الدستورية العليا بقولها «مبدأ المساواة أمام القانون لا يعنى معاملة فئات المواطنين على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة ولا كذلك معارضة صور التمييز جميعها أساس ذلك إن من صور التمييز المنهى عنه هو الذي يكون تحكميًا باعتبار أن كل تنظيم تشريعى ليس مقصودًا لذاته بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التي يسعى المشروع إلى تحقيقها». ولكن وزير العدل السابق المستشار محفوظ صابر، الذي هو من المفترض أنه الشخص المسئول عن تطبيق القوانين في البلاد خالف تلك المبادئ الدستورية العليا بتصريحاته التي قال فيها إنه لا يمكن لابن «الزبال» أن يعين في السلك القضائي، لأنه حسب وجهة نظر الوزير المقال غير كفء لهذه الوظيفة، مما أثار حالة كبيرة من الجدل، إذ اعتبرها الكثيرون بمثابة ترسيخ للطبقية وتصنيف البشر على أساس شرائحهم المادية والاجتماعية دون النظر لكفاءتهم أو صلاحيتهم لأداء المهام الموكلة إليهم، وهو بالطبع مخالف بقوة لمبادئ الدستور. وفجرت تصريحات الوزير المقال نوعا آخر من الجدل يدور حول مدى تفعيل المواد الدستورية وهل حقا مواد الدستور وضعت لتفعل في صورة قوانين وإجراءات تنفذ على أرض الواقع أم أنها مجرد حبر على ورق؟! لكن بالنظر المدقق إلى الدستور ومواده نجد أن كثيرا من مواده ليست مفعلة على أرض الواقع، ولكنها وضعت لتصبح ديكورا يجمل شكل الدولة أمام رعاياها، والأدلة على ذلك كثيرة، فعلى سبيل المثال وليس الحصر المادة رقم 69 من الدستور الحالى المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية والتي تنص على أن «تلتزم الدولة بحماية حقوق الملكية الفكرية بشتى أنواعها في كل المجالات، وتُنشئ جهازًا مختصًا لرعاية تلك الحقوق وحمايتها القانونية، وينظم القانون ذلك»، لكن الواقع المعاش هو أكبر دليل على عدم تفعيل تلك المادة هو وجود نسخ للكتب والروايات غير المرخصة، والنشر الإلكترونى للكتب دون الحصول على تصاريح من الناشرين والمؤلفين، أما عن سرقة الأبحاث داخل الجامعات فحدث ولا حرج. أما أكثر مواد الدستور جدلا فهما المادتان 73 و92 من الدستور إذ تنص الأولى على أن «للمواطنين حق تنظيم الاجتماعات العامة، والمواكب والتظاهرات، وجميع أشكال الاحتجاجات السلمية، غير حاملين سلاحًا من أي نوع، بإخطار على النحو الذي ينظمه القانون. وحق الاجتماع الخاص سلميًا مكفول، دون الحاجة إلى إخطار سابق، ولا يجوز لرجال الأمن حضوره أو مراقبته، أو التنصت عليه»، بينما تنص المادة الثانية على أن «الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلًا ولا انتقاصًا، ولا يجوز لأى قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها»، ووفقا لهاتين المادتين فإنه يجوز للمواطنين التظاهر «سلميا» بمجرد إخطار الشرطة التي لا يجوز لها منعه أو مراقبته أو التنصت عليه، ولكن قانون التظاهر جعل موافقة الشرطة شرطا لتنظيم التظاهرات، وفى حالة عدم الحصول على الموافقة الأمنية، يعد منظمو المظاهرة والمشاركون فيها مجرمين يقعون تحت طائلة القانون، وبالفعل سجن بسبب هذا القانون العديد من الحقوقيين والنشطاء السياسيين. أما المادة 83 المتعلقة بحقوق المسنين والتي تنص على أن «تلتزم الدولة بضمان حقوق المسنين صحيًا، واقتصاديا، واجتماعيًا، وثقافيًا، وترفيهيًا وتوفير معاش مناسب يكفل لهم حياة كريمة، وتمكينهم من المشاركة في الحياة العامة. وتراعى الدولة في تخطيطها للمرافق العامة احتياجات المسنين، كما تشجع منظمات المجتمع المدنى على المشاركة في رعاية المسنين، وذلك كله على النحو الذي ينظمه القانون»، فهى أكثر المواد بعدا عن واقع الحياة في مصر ولا تزال معاناة المسنين قائمة، وتكفى نظرة لطوابير المسنين أمام مكاتب البريد حيث يصطف المئات من كبار السن للحصول على معاش التضامن الاجتماعي، الذي هو عبارة عن حفنة قليلة من الجنيهات لا تكفى لإطعامهم «عيش حاف» أو ثمن أدوية الشيخوخة التي حولت حياتهم إلى كتلة من الألم. ومما لا شك فيه أن التعارض بين مواد الدستور والقوانين، وعدم تفعيل مواد الدستور يؤثر بشكل كبير على هيبة الدولة والقانون وقوة التشريعات ومواد الدستور، كما أنه يجعل القوانين قابلة للطعن، ويشعر المواطن بأن الدولة متخبطة في قراراتها، ويتضح ذلك جليا في قوانين الانتخابات والدوائر التي تسببت في تعطيل انتخابات البرلمان عدة أشهر قد تمتد لفترة طويلة خاصة إذا وضعنا في الحسبان أن القانون الجديد معرض أيضا للطعن عليها بعدم الدستورية، مما يدخل البلاد في دوامة سياسية جديدة. وفى هذا السياق يؤكد الأستاذ عصام الاسلامبولي، المحامى بالنقض والخبير القانونى والفقيه الدستورى، أن أخطر ما يهز ثقة المواطن في الدولة، هو أن يشعر أن الدستور الذي خاض من أجله غمار ثورتين غير مفعل، مشددا على أن غياب العدالة الاجتماعية والمساواة يحول الدستور إلى مجرد «حبر على ورق». وحذر الإسلامبولى من عدم تفعيل مبادئ الثورة المتمثلة في «عيش.. حرية عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية»، من خلال الدستور والقوانين المنبثقة عنه، بالإضافة إلى تطبيقها على أرض الواقع، وإلا فإن الوضع ينذر باضطرابات جديدة تؤثر على حالة الاستقرار التي يتطلع الرئيس السيسي إليها. ويعمل من أجلها، ولكن هناك من يمضي بقوة في الاتجاه المعاكس.