رسالة إلى «بتوع» الدستور.. وهكذا بتنا نملك رفاهية التفكير والحق فى تقرير المصير, فدخلنا اللعبة.. كسرنا قواعدها, ولم نضع لها أخر, قال قائل منا: مدنية.. وصاح رجل من أقصى المدينة يسعى: إسلامية.. من خلف أسوار المعتقل أطل الأسير برأسه هاتفا: عسكرية.. فلاح فى أرضه رماني بالطين مبتسما: ليبرالية, ليبرالية..تداخلت الأصوات بعد أن ارتفعت الحناجر وتناثرت بضع كلمات: علمانية, جمهورية, قبطية, برلمانية. انشغل كل منا باسم المولود "النونو", ولم يشغل أحدنا باله بالطفل نفسه.. تركناه يسعل أحشاءه, ويسهل قواه, فبات على شفا حفرة. جلسنا نتحاور, فسد أحدنا أذنيه, وغمى واحد منا عينيه, وثالثنا نسى فى البيت لسانه, ورابع ضل الطريق..وضع كل منا قفاه فى قفا الآخر, وقال الأول: فليخبرني أحدكم لماذا يرفض "المدنية"؟.. فجاء الرد: أنا من عشاق الفول والطعمية.. ودعا جالس: اللهم انصر ولدى فى امتحان الثانوية! فى قريتنا, وضعت زوجة العمدة طفلا فأسمته "صرصار", و لم تخش تندر أهل البلدة على اسم وليدها, فقد خشيت أن تسميه "أمير" أو "محمود" فيلحق بأشقائه الذين ماتوا فور ولادتهم, هكذا دولتنا.. ولدت من جديد, فاجتمعنا فى "سبوعها".. دعونا الأهل والجيران, وأشعل كل منا شمعة لنسمى المولود, ذابت شمعاتنا ومعها الأسماء, وبقى الطفل بلا اسم, لكنه لم يمت. لي صديق اسمه "كريم" لم يضبط يوم وهو يرتكب جريمة "الكرم" فى حق صاحب أو عابر سبيل. قد لا يكون للمرء حظ من اسمه, وهكذا الدول, فإسرائيل تعنى العبد الصالح. منذ بزوغ شمس الخامس والعشرين من يناير حتى اليوم وأنا أتابع مئات البرامج عبر عشرات من الفضائيات, وأقرأ يومياً عشرات المقالات فى صحف ومواقع إلكترونية, أقلام ملونة تنضح بأحبار مختلفة, يصنف هذا نفسه على أنه ليبرالي, وينعت آخر ذاته بالعلمانية, وثالث طالت لحية قلمه, ورابع يكتب باسم الصليب, وخامس, وسادس, وألف..كل يتغزل فى اسم ليلاه, لكن أحداً لم ينزع خصلة من شعر المحبوبة, لم يلتقط لعينيها صورة, لم يتلمس شفتيها, وعيونه لم تلحظ طلتها, وإذا يوم فى السوق قابلها, حتما, لن يعرفها. من رحم الغموض يولد الاجتهاد, هكذا همس فى أذني صديق العمر قائلا: فى الدولة المدنية تخلع أمك –لا مؤاخذة – الحجاب, وفى العسكرية يلبسه أبوك! تعلموا من قروية ساذجة ضحت بالاسم كي يحيا المولود, فلا خير فى دولة - بالاسم- ديمقراطية لم يتذوق واحد من أبنائها طعما للحرية, لم يجهر يوما فيها برأي, لم يأخذ منها أبسط حق.