Ahmedhilmy123@gmail. الثَوَرات تُشِلُ عملَ مؤسساتِ الدولةِ وتجمدُها ، بغيةَ إعادةَ بنائها وهيكلتها فى الواقع الجديد، بعد اكتمال تحقيق أهدافها، باعتبارها حركات كبرى تتعاطى تغييرَ المرجعيات وتأكيد الهوية ، وليست مجردَ حركاتِ إصلاحٍ وترميمٍ وتجديد ، فالثورةُ جراحة ٌكبرى فى جسدِ المريض تستلزم تعطيل مؤقت لمؤسسات حواسه ، وإلا قضى نحبه متأثراً بصدمةِ ألمِ الاستئصالِ ونصلِ الجراح ! ، وبعد استبعاد ماخَبُثَ من الجسد الواهن ، تصبح أدويةُ ومخططاتِ الإصلاحِ والتجديدِ موائمةً له ، يتفاعلُ بها ليستكمل شفاءَه وعافيتَه ، وبغير جراحةِ الاستئصالِ الثوريةِ لا يكون للدواءُ ولا للتجديدِ حاجةٌ ولا أثرٌ ولا منفعة . فعندما قام ضباطُ الجيشُ بحركتهم سنة 52 بادروا إلى اكتسابِ تأييد وحراك الشارع المجتمعى للدعوة لحالةٍ ثوريةٍ شاملة ، وعُطِّلَتْ الحياةُ السياسية ومؤسسات الدولة ، وتم نبذ الدستورَ والقانون ، حيث اتخذت الحركةُ من الشرعيةِ الثوريةِ لا الدستورية أداةً لتغييرِ النظام الملكى برمته إلى نظام جمهورى ، وتم اجتثاث رموزَ النظامِ السابق بأحكامٍ صارمةٍ من محاكمَ ثورية استثنائية ، اتخذت من مفاهيمِ التغييرِ الثوري منهجاً لها، بعيداً عن مؤسسات الدولة القائمة ودستورها وقوانينها ، تَعَدَّتْ فيها المفاهيمَ الإصلاحيةِ كحركة إلى واقعٍ تغييرىٍ كثورة ، وما كان لها أن تُغِّيرَ مرجعياتِ الأمة ولا أسسَ الدولة إلا بفاعلية ذلك الحراكِ الثورى الفاعل . ولما تم استدراجُ ثورة يناير إلى فخِ التعاطى الدستورى والبرلمانى والمؤسسى قَبْل استكمالِ أهدافِها، عُطِّلَ المنهجُ الثورىُ الناجز، فتمَ الإحاطةُ بالثوار ، وقُمِعَ حراكُهم الثورى ، وأُجبِروا على الاحتكام للمحاكم الراتبة للمنظومةِ القانونيةِ القائمةِ ، والتى تُمَثِلُ تراثَ النظامِ السابق ومفهومَه القاصرِ عن الحقوقِ والحرياتِ والعدالةِ الاجتماعية ، فأَجْهَضَتْ أحكامُهَا آمالَه ، وحَطَمَتْ معنوياتِه ، فأصبحوا محصورين بين مطرقةِ القانونِ وسندانِ المؤسسات ، فَرَدّوا الأحكام ، ولَمَزُوا القضاة ، وعَرَّضُوا بالقانونِ والمؤسسات ، ووسط كل المتناقضات ، أَضْحَت ساحةُ الميدانِ صيحةٌ ثورية مكبوته ، وأروقةُ البرلمانِ حركةٌُ دستورية مسنونة ، ومؤسسات الدولة سطوةٌ قانونية مفروضة ، وإن لم تعد الثورةُ إلى مسارِها وتستكمل أهدافَها بصورةٍ سلمية كما قامت ودَعَتْ ، فإن مَرْجَلَهَا سوف ينفجرُ آجلاً أم عاجلاً ، عندها .. تكونُ العواقبُ وخيمة .