فى زمن السلطان «شقلباظ» كانت مصر أشبه بسوق عكاظ، حيث الناس فى عيشة ضنك, فالفوضى تلف الوطن والكرب هو حال الجميع, لهذا راح الناس يجأرون بالشكوى, فنظموا عددا من الوقفات الاحتجاجية فى غير مكان، وهددوا بقطع رأس السلطان إن لم يرع فيهم ربه وينصر شعبه.. جلس السلطان حاسرا ماذا يفعل أمام هذا الطوفان الهادر من الاحتجاجات والشكاوى, وظل هكذا حتى استدعى مستشاره الخاص ووزيره الأول «ليشع بن كوهين» الذى سارع بالذهاب للقصر فى الحال. ليشع: مولاى, أمرت باستدعائي فجئتك على عجل.. شقلباظ: عجل! ولماذا لم تركب المترو أو حتى تاكسى العاصمة؟ ليشع (محدثا نفسه): آه يا غبى يا ابن المجنونة.. (مخاطبا السلطان): يا مولاى اقصد جئتك مسرعا حتى أننى لم استطع تبديل ثياب النوم بأخرى تليق بلقاء جلالتكم. شقلباظ: نعم, نعم.. وهذا يفسر قدومك عريان بلا ملابس! ليشع: بالفعل يا مولاى, لكن لا تنسي أن موضة هذا العام هى الجلد الطبيعى ولهذا أنا عريان. شقلباظ: لا خفيف يا سيد أمك, المهم دبرنى يا وزير.. ليشع: التدابير لله يا مولاى! شقلباظ: غريب أمرك أيها اليهودى المتحذلق, فقد عينتك وزيرا قبل عشر سنوات بالتمام والكمال، وأعطيك راتبا بالدولار لا يحصل عليه محافظ البنك المركزى, ومع هذا كلما سألتك أمرا تقول لى «التدابير لله يا مولاى», نفسى مرة تقولى جملة مفيدة يا اخى! ليشع: طوع أمرك يا سيدى, أمر وأنا أنفذ.. شقلباظ: خبرنى ماذا افعل لهؤلاء الجرابيع الذين خرجوا للشوارع والميادين يطلبون تحسين أحوالهم؟ لكن اسمع إن لم تجد لى حلا هذه المرة ستكون رقبتك هى الثمن! ليشع (يبتلع ريقه بصعوبة): سمعا وطاعة يا مولاى, لكن بشرط, أن تسمح لى بمجالسة بعض المتظاهرين لمعرفة سبب احتجاجهم. شقلباظ: لك ما شئت لكن فى الغد إن لم تأتن بحل فلا تلومن إلا نفسك. انصرف ليشع بن كوهين مذعورا, وفى المنزل جلس الى زوجته «إيستر» فحكى لها ما دار بينه وبين السلطان, فهدأت من روعه وطلبت منه ان تحضر لقاءه بالمحتجين كى تساعده فى إيجاد حل لهم ومخرج له, فوافق ليشع ثم خلد الى النوم. وفى الصباح, اجتمع ليشع وبصحبته زوجته ايستر مع قيادات من المتظاهرين, فأخبروه أن أكثر ما يضايقهم أنهم يعيشون فى منازل «حقيرة» الواحد منها لا يعدو كونه غرفة متواضعة ملحق بها «دورة مياه» أكثر تواضعا يسمونها «كنيف». هنا أشارت «إيستر» لزوجها بأن يعدهم بحل مشكلتهم فى غضون يوم أو بعض يوم, ففعل ووافقوا هم مهددين بالعودة للميادين إذا حنث الوزير بوعده. سأل الزوج زوجته عن الحل الذى توصلت إليه فهمست له ببعض كلمات دفعت عينيه للجحوظ , قبل أن ينطلق صارخا: يا بنت الجنية! أمام السلطان وقف ليشع متعهدا بإنهاء الاحتجاجات فى التو والحال فلما سأله شقلباظ عن سبب ثقته فى انجاز المهمة قال له وزيره: لا.. هذا سر الصنعة, دعنى أنجز المهمة ثم احكم بنفسك. دون إضاعة للوقت دعا ليشع جموع المحتجين على سوء الأوضاع, ودار بينهم هذا الحوار.. ليشع: علمت منكم أن كل منكم لديه أسرة كبيرة العدد وتعيشون فى غرفة واحدة وان ذلك يسبب لكم وذويكم ضيق, واليوم أتيتكم بالحل شرط أن تفعلوا ما أمركم به لثلاثة أسابيع وبعدها افعلوا ما شئتم بى إذا لم تتحسن أوضاعكم. فتهللت الوجوه ووافقوا على الشرط دون تحفظ, فطلب ليشع من كل رب أسرة أن يدعو أهل زوجته للإقامة معه وأسرته لبعض الوقت, فاندهش الناس مما يقوله الرجل فكيف لهم استضافة المزيد من أكوام اللحم وهم لا يستطيعون العيش وحدهم فى منازلهم لضيق المكان وعدم قدرتهم على الإنفاق على أسرهم فهم من محدودى الدخل, لكنهم فى النهاية وافقوا ونفذوا ما طلب منهم. مر أسبوع على الحال الجديد, بعدها اجتمع ليشع بهم, وحينها سألهم عن أحوالهم, فقالوا له إن الوضع ازداد سوءا فالمكان لم يكن ليكفيه وأسرهم حتى يستقدموا أهالى زوجاتهم, وشرحوا كيف أن الطعام الذى لم يكن يكفيهم من قبل بات لا يكفى حتى لأن يجعلهم قادرين على الوقوف على أقدامهم, ومع ذلك اخبروه أنهم مستمرون فى تنفيذ ما يأمر به حتى تنتهى المهلة ليفى بعهده معهم بحل مشاكلهم بعد مرور الأسابيع الثلاثة المتفق عليها. ساعتها تبسم ليشع وطلب أن يشترى كل واحد منهم خروفا سمينا وان يأويه فى ذات الغرفة التى يعيش بها هو وأسرته وأهل زوجته وأن يطعم كل منهم هذا الخروف من الطعام الذى يأكلونه, فاندهش الناس لكنهم لم يجدوا مفرا من الموافقة, وبالفعل نفذوا الأمر. وبعد أسبوع, اجتمع الناس مع ليشع فلما سألهم عن أحوالهم قالوا إنهم باتوا اقرب الى الانتحار للخلاص مما هم فيه, فعدد سكان الغرفة أصبح كبيرا جدا, ولا يجدون الطعام خاصة وأن الخرفان تأكل الطعام كله, فضلا عن أن تلك الحيوانات حولت المكان الى ذريبة قذرة فهى تأكل وتلقى بفضلاتها فى كل أنحاء الغرفة وأصبحت الرائحة نتنة لا يمكن لبشر احتمالها, فبدأ الأمر وكأن الخرفان هى التى تحكم البلاد, والعباد فى خدمتها. هنا وقف ليشع متبسما وقال لهم: هذا الأسبوع أريد منكم السماح لأهل زوجاتكم بالعودة لمنازلهم وكذلك تسريح تلك الخرفان وتنظيف الغرف التى تعيشون فيها, والأسبوع المقبل ميعادنا. بالفعل انطلقوا عائدين إلى منازلهم وفعلوا ما طلب منهم الوزير الأول, فاخبروا أهل زوجاتهم انه يمكنهم العودة إلى منازلهم, وقاموا بتسريح الخرفان وتنظيف المكان, فبات الطعام يكفيهم وزالت الرائحة النتنة وشعروا بأن الغرف التى يحيون فيها أكثر اتساعا. وبعد مرور الأسبوع الثالث ذهبوا هم لمقابلة السلطان فشكروه على حله لمشاكلهم بعدما نفذوا ما طلبه منهم وزيره, فاندهش السلطان وأمر باستدعاء ليشع, فحضر المطلوب. شقلباظ: أخبرنى أيها الشيطان, كيف فعلت ذلك؟ ليشع: الحق يا مولاى أن الفضل يعود لزوجتى إيستر, وهى فى الخارج رهن إشارتك, ولو أمرت لدخلت علينا وشرحت لك الأمر كله. شقلباظ: فلتحضرها حالا.. ليشع: إيستر, تعالى يا حبيبتى.. إيستر( من خارج القاعة): حاضر يا حبيبى. شقلباظ:أخبرينى يا مدام إيستر كيف فعلتها؟ إيستر: أبدا يا مولاى, الحكاية وما فيها أن الناس إذ تلهيها عن همهما بهم اكبر ثم ترفع عنهم ذلك الهم الأكبر نسوا همومهم رغم عدم انقضائها! شقلباظ وليشع (فى نفس واحد): وااااااااااااااااااااااااااو!