واصل الآلاف من أفراد وضباط الشرطة احتجاجاتهم التى تصاعدت إلى إضراب عن العمل لليوم الثالث على التوالى، للمطالبة بإقالة وزير الداخلية، وزيادة التسليح، وإبعاد الشرطة عن الصراع بين القوى السياسية. وتتركز الاحتجاجات، الأكبر من نوعها فى تاريخ مصر، فى قطاع الأمن المركزى، المسئول عن حراسة المنشآت العامة وفض أعمال الشغب والتعامل مع المظاهرات، وانضم إليهم عدد من مراكز الشرطة والقطاعات الأمنية الأخرى، كقطاع الدفاع المدنى فى محافظة أسيوط، جنوب البلاد. وسقط عدد من القتلى والجرحى فى صفوف الشرطة خلال مواجهات بعدة محافظات مصرية مع محتجين على نظام الرئيس محمد مرسى، أو خلال مهمات عمل فى تتبع المتهمين بجرائم جنائية. وينتشر الإضراب الحالى فى 13 محافظة مصرية على الأقل، بعضها يشارك فيه معظم أفراد الشرطة مثل الحال فى محافظتى بورسعيد والسويس؛ المطلتين على قناة السويس، وبعضها الآخر تشارك فيه مجموعة صغيرة من مراكز الشرطة؛ مثل الحال فى العاصمة القاهرة، ومدن فى جنوب البلاد كأسيوط وسوهاج والمنيا. ويقول المحتجون: إن دافعهم للإضراب هو رفضهم ل"الزج" بالشرطة فى الصراعات القائمة بين النظام الحاكم وبعض قوى المعارضة، واحتجاجًا على "ضعف تأمين" رجال الشرطة خلال أداء مهامهم؛ ما أدى لمقتل وإصابة عدد منهم فى الأسابيع الأخيرة، وللمطالبة بالحماية القانونية لهم من الملاحقة القضائية فى حال وقع قتلى أو جرحى خلال فض المظاهرات، بالإضافة إلى المطالبة برفع الرواتب. ومن مظاهر الاحتجاج رفض أفراد الأمن المركزى الذهاب إلى المناطق المضطربة لتأمين المنشآت الشرطية والتعامل مع المتظاهرين فى محافظات بورسعيد والإسماعيلية وسيناء وغيرها، وقيام أفراد أمن آخرين بإغلاق مراكز شرطية أمام الضباط والمواطنين كما حدث أمس الأول فى القاهرة. وفى تطور لافت صباح اليوم انسحبت قوات الأمن المركزى من مديرية الأمن فى محافظة بورسعيد الاستراتيجية، شمال شرق مصر، ومقر المحافظة، وحلت محلها قوات من الجيش. وفى محافظة الإسماعيلية المجاورة واصل رجال الأمن بمعسكر الأمن المركزى - المسئول عن إمداد 7 محافظات متجاورة بالجنود- إضرابهم، ورفضوا اليوم الخروج لتأمين المنشآت الشرطية والطرق الصحراوية . وقال مسئول أمنى بالإسماعيلية: إن الشرطة عندها ما يكفى لتأمين المنشآت الشرطية والحفاظ على استقرار الوضع؛ لأن الإضراب يشمل قطاع الأمن المركزى فقط. وتنتشر قوات الجيش بالقرب من المناطق الحيوية بمدينة الإسماعيلية – المقر الرئيسى لإدارة قناة السويس – لتأمين منشآت مرفق قناة السويس العالمى. وتتولى قوات الجيش تأمين المنشآت الحيوية، مثل مقر المحافظة والمجرى الملاحى لقناة السويس. وفى شبه جزيرة سيناء الواقعة على الحدود مع إسرائيل انسحبت قوات الشرطة من كافة الأكمنة الأمنية على بوابات المدن والطرق السريعة بعد ظهر اليوم. وفى محافظة الإسكندرية أغلق عدد من رجال الشرطة قسم شرطة محرم بك ظهر اليوم. وفى المقابل قال اللواء ناصر العبد، مدير إدارة البحث الجنائى: إن العديد من رجال الشرطة يقومون بأداء واجبهم فى الشارع بصورة طبيعية، والإضراب لم يؤثر على الوضع العام. وفى محاولة من قوات الشرطة لتهدئة الأوضاع مع المحتجين الذين خرجوا فى مظاهرات بعد ظهر الجمعة، اتفقت مع المحتجين على الابتعاد عن محيط مقر المحافظة الذى وفد إليه المحتجون للتظاهر، وعدم الاشتباك معهم فى مقابل عدم اقتحامه أو ارتكاب أعمال عنف، وهو ما تم بالفعل. ودعا محمد محفوظ، المساعد الأول لائتلاف " ضباط ولكن شرفاء"، رجال الشرطة إلى الامتناع عن تنفيذ الأوامر الخاصة بمواجهة المتظاهرين، لكنه رفض إضرابهم عن العمل فى حفظ الأمن العام. وفى البحر الأحمر قال حسن عبد ربه، المتحدث باسم ائتلاف أمناء وأفراد الشرطة بالمحافظة: إن أمام وزارة الداخلية 15 يومًا لتلبية مطالبهم، وإن لم يحدث سيتم التصعيد. وفى البحيرة انضمت قطاعات أخرى إلى إضراب الأمن المركزى، حيث انسحب أفراد الشرطة المكلفون بتأمين جميع الكنائس والأماكن الهامة، ومنها المحافظة ومديرية الأمن والأماكن الأثرية بعدد من مدن المحافظة. وأعلن مدير أمن البحيرة، اللواء محمد حبيب، عن عقد اجتماع عاجل مع ممثلين عن أفراد وضباط قوات الأمن اليوم للاطلاع على مطالبهم. وفى محافظة الغربية علق عدد من ضباط الشرطة إضرابهم بعد لقائهم بمدير الأمن، حاتم عثمان، إلا أن تشكيلات قطاع الأمن المركزى رفضت أداء مهامها، ما اضطر القيادة الأمنية للاستعانة بتشكيلات من محافظة المنوفية المجاورة. وقال مصدر أمنى مسئول: إنه لا يوجد قطاعات أخرى انضمت للإضراب اليوم والذى يقتصر الآن على الأمن المركزى. وعن الاستعدادات لغد السبت أشار المصدر إلى وجود خطة أمنية محكمة لحماية المنشآت والممتلكات العامة تحسبًا لاندلاع أعمال عنف. وفى محافظة الدقهلية المجاورة رفض اتحاد ائتلاف الأمن المركزى تعليق الإضراب، فيما قرر ائتلاف أمناء الشرطة تعليق الإضراب بمراكز طلخا وأول وثان ومركز المنصورة وقسم شرطة ميت غمر بندر ومركز، وذلك خلال يومى الجمعة والسبت؛ تحسبًا لوقوع أى أعمال عنف، مع استمرار الإضراب فى أقسام بلقاس وأجا والسنبلاوين والنجدة والترحيلات وشرطة المرافق والمرور. وخلت محافظة كفر الشيخ، شمالًا، اليوم، من مظاهر الإضراب، غير أن على بدوى، أمين اتحاد أمناء الشرطة بالمحافظة، قال: إن أفراد الشرطة سيدخلون فى اعتصام مفتوح غدًا السبت أمام مديرية الأمن. وواصل أمناء وأفراد الشرطة فى 4 أقسام للشرطة بمحافظة سوهاج، جنوبًا، الإضراب، ورفضوا كافة محاولات التهدئة من جانب القيادات الأمنية بالمحافظة. وفى القاهرة نظمت مجموعة من ضباط الأمن المركزى وقفة احتجاجية أمام مقر وزارة الداخلية لرفع المطالب الخاصة بإضراب الشرطة فى المحافظات. وكان الوضع مختلفًا فى محافظة القليوبية، حيث ساد الهدوء بين أفراد الشرطة، وقاموا بأداء واجباتهم بشكل طبيعى، عدا وجود احتجاجات طفيفة من أمناء الشرطة فى قسمى شرطة القناطر الخيرية والخانكة، لأمر مختلف، وهو الاحتجاج على سوء المعاملة من جانب مرءوسيهم. كما نجحت قيادات أمنية بالأقصر فى إقناع ضباط الشرطة بمديرية الأمن بفض اعتصامهم وإعادة فتحها بعد أن تمت الموافقة على زيادة مدة الإجازة إلى 13 يومًا بدلا من 10 أيام. وفى المنيا علق أمناء الشرطة إضرابهم الجزئى عن العمل فى عدد من الأقسام لتسيير العمل، فى حين ما زال إضراب قوات الأمن العام ساريًا بعد أن انضمت إليه أقسام النجدة والدفاع المدنى والحريق. ويثير اتساع نطاق إضراب الشرطة حالة من القلق فى الشارع المصرى، تخوفًا من وقوع البلاد فى حالة فراغ أمنى كتلك التى شهدتها إثر انسحاب الشرطة من الشوارع ومراكز الشرطة فى 28 يناير2011، المعروف إعلاميًّا ب"جمعة الغضب"، مع اتساع المظاهرات المطالبة بإسقاط الرئيس السابق حسنى مبارك فى ثورة 25 يناير. وفى المقابل تسعى قوات الجيش فى مدن قناة السويس الإستراتيجية (بورسعيد- السويس- الإسماعيلية) إلى معاونة الشرطة على حفظ الأمن، وتولت فى الساعات الأخيرة تأمين محيط مديرية الأمن ومقر المحافظة فى بورسعيد، وهما الموقعان اللذان تتركز فيهما المواجهات بين المحتجين المدنيين ورجال الشرطة. ويأتى هذا قبل يوم واحد من صدور الأحكام، غدًا السبت، على بقية المتهمين بقتل 74 من مشجعى النادى الأهلى "ألتراس أهلاوى" فيما عرف إعلاميًّا بأحداث "استاد بورسعيد". ويزيد من معدل القلق الشعبى التهديدات التى أطلقها "ألتراس أهلاوى" بشن أعمال عنف تستهدف منشآت شرطية ومرافق عامة إذا صدرت أحكام قضائية مخففة على بقية المتهمين، ومن بينهم 9 من أفراد الشرطة.