حين انتهت نتيجة انتخابات مجلس الشعب بفوز جماعة الإخوان المسلمين، أو بمعنى آخر حزب «الحرية والعدالة» بأكثرية المقاعد، وجاء تالياً له حزب «النور» السلفى، قبلنا -باعتبارنا نؤمن حقاً بالديمقراطية- نتيجة الصندوق وضعاً في الاعتبار أنها كانت انتخابات نزيهة وشفافة، ماعدا بعض التجاوزات. ثم جاءت نتيجة انتخابات مجلس الشورى، التي اكتشفنا في ضوئها أن جماهير المصريين ترفض وجوده أصلاً، بحكم تدنى معدلات التصويت الذي انصرف عنه الناس، وإذا بالنتيجة تضيف إلى رصيد جماعة الإخوان المسلمين التي هيمنت على المجلس. قبولنا نتائج الانتخابات ف ي كلا المجلسين يعبر عن احترامنا لآليات الديمقراطية، وأبرزها الانتخابات الدورية النزيهة للمجالس النيابية، والانتخابات المفتوحة لرئاسة الجمهورية لكل مصري يحصل على عدد الأصوات المؤيدة التي تثبت أنه - فى المقام الأول- شخصية قومية وليس مجرد نكرة سياسية أقحم نفسه زوراً وبهتاناً في سياق انتخابات رئيس الجمهورية، وهى أرفع المناصب السياسية قاطبة في أي نظام سياسي ديمقراطي. وهذا المنصب يقتضى من صاحبه أن يكون رجل دولة لديه خبرات سابقة، أو أنه شخصية سياسية بارزة لها تاريخ معروف. غير أنه بالإضافة إلى آليات الديمقراطية ينبغي- كما أكدنا عدة مرات- على ضرورة احترام قيم الديمقراطية، وأبرزها إعلاء مبدأ احترام تداول السلطة، وعدم احتكار القرارات السياسية، والإيمان بالحوار الذي هو جوهر الديمقراطية، والسعي إلى الحلول الوسط التي يتم التوافق عليها بين جميع الفصائل السياسية، أكثرية كانت أو أقلية. وقد استمعنا بتمعن للخطابات السياسية التي أطلقها كل من الدكتور «محمد مرسى» رئيس حزب «الحرية والعدالة»، والدكتور «الكتاتني» رئيس مجلس الشعب فوجدناها متزنة حقاً، لأنها نصت على عدم احتكار السلطة والحرص على التوافق السياسي من خلال الحوار. ولذلك أعلنا ترحيبنا بهذا الاتجاه الديمقراطي المحمود، على أساس أن الأفعال الملموسة هي التي ستثبت صدق الأقوال. غير أنه سرعان ما كشفت جماعة «الإخوان المسلمين» النقاب عن وجهها الحقيقي، حين صرح قادة حزب «الحرية والعدالة» أنهم جاهزون لتشكيل وزارة إخوانية بعد سحب الثقة من وزارة الدكتور «الجنزورى»، والتى كالوا لها عديداً من الاتهامات الباطلة! وأبرز هذه الاتهامات أنها لم تحل المشكلات المعلقة، وكأنها كان يمكن في بضعة أشهر مضت على تشكيلها حل مشكلة البطالة والفقر وأيضاً العدالة الاجتماعية! وهذه في الواقع أوهام سياسية باطلة، لأن أي وزارة مهما كان تشكيلها لا تستطيع في المدى القصير إنجاز حلول فعالة لهذه المشكلات الجسيمة. وخطورة هذه النزعة أنها مؤشر على رغبة عارمة لجماعة «الإخوان المسلمين» على الهيمنة السياسية المطلقة على السلطة التشريعية من جانب، وعلى السلطة التنفيذية من جانب آخر. وقادتها -كما نشر مؤخراً- يخططون لكي يختاروا مرشحاً لرئاسة الجمهورية خارج طابور المرشحين المحتملين، حتى تكتمل للجماعة دورة السيطرة الكاملة على مجمل النظام السياسي المصري. وإذا أضفنا إلى ذلك ما صرحوا به من رأى في تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور من 40 عضواً من مجلسي الشعب والشورى، فمعنى ذلك أنهم يريدون الهيمنة على صياغة الدستور، والذى إن حدث ذلك فلا يمكن أن يعبر عن إرادة الشعب المصري. سقط إذن شعار «المشاركة لا المغالبة» الذي رفعته جماعة «الإخوان المسلمين». وثبت -كما صرح بعض الفقهاء الدستوريين- أن الجماعة تريد جر الدولة المدنية لتصبح «دولة» دينية بالكامل. ويستكمل حزب «النور السلفي» هذا السيناريو بنزعاته المتطرفة التي عبر عنها أحد أعضاء مجلس الشعب في لجنة التعليم، وهو ضرورة إلغاء تعليم اللغة الإنجليزية، أو كما عبر أعضاء آخرون بفرض الصلاة في المدارس أثناء اليوم الدراسي، ما من شأنه أن يربك العملية التعليمية كلها. لقد وضعت الأحزاب الدينية في محك الاختبار التاريخي، وها هي جماعة «الإخوان المسلمين» -بحكم غلبة الحماقة السياسية على التفكير الرشيد العقلاني- تتقدم بسرعة لتصعد إلى الهاوية مصطحبة معها حزب «النور» السلفي بنزعاته الدينية المتشددة المفارقة لروح العصر. لقد كانت جماعة «الإخوان المسلمين» ترفع قبل الثورة شعار «الإسلام هو الحل»، ويبدو أنها من خلال المراوغة السياسية ترفع الآن شعار أن «الدولة الدينية» هي الحل! وسيثبت التاريخ أن هذا المسعى الخائب لن يتاح له التحقق، لأن الدولة الدينية أياً كانت صورتها هي النموذج الممثل للدول الفاشلة!