صفة الساخنة التى شهدتها جلسة مجلس الشعب صباح الأحد الماضى والتى تضمنت هجوما حادا من الحكومة والتوجيه بسحب الثقة منها كانت مجرد مسرحية رتب لها الإخوان والجنزورى. فبعد انسحاب الحكومة من البرلمان ومقاطعة الجلسة المسائية يوم الأحد تغير الوضع تماما فى صباح اليوم التالى حيث قاد نواب الحرية والعدالة حملة تهدئة غير مباشرة تجاه الحكومة وهو ما ظهر فى اجتماعات اللجان التى شهدت نغمة معارضة قادته تجاه الحكومة. وتنفرد «فيتو» فى السطور التالية بتفاصيل صفقة بين الإخوان والدكتور كمال الجنزورى رئيس الوزراء حيث تم عقد لقاء سرى بين ثلاثة من قيادات الجماعة والجنزورى فى القرية الذكية قبل جلسة الأحد التى شهدت مناقشات ساخنة حول سحب الثقة. فى تلك الجلسة السرية, كشفت قيادات الإخوان عن سبب تصعيدهم وترويجهم للحملة التى استهدفت إسقاط الحكومة على خلفية هروب المتهمين الأمريكيين فى قضية التمويل الأجنبي عبر مطار القاهرة, حيث عرض أحدهم على الجنزورى أن يفدى الأخير رقبة حكومته بإجراء تعديل وزاري سريع بإقالة ستة وزراء من الحكومة الحالية واستبدالهم بنصف دستة وزراء جدد على أن يكون ثلثاهم من المنتمين لحزب الحرية والعدالة, واقترح اسم خيرت الشاطر لتولى منصب نائب رئيس الحكومة للشئون الاقتصادية, مقابل حقيبتين وزارتين لباقي الأحزاب التى لها نصيب فى البرلمان, خاصة «النور» السلفي. هنا اعترض الجنزورى, قائلا إن أي تعديل وزاري فى الوقت الراهن, وقبل إجراء الانتخابات الرئاسية, سيكون أشبه بالمستحيل, وعرض الجنزورى أن يستعين بكوادر إخوانية شابة فى مناصب نواب ومساعدي وزراء, على أن يتمتعوا بصلاحيات واختصاصات معينة, وليكونوا وزراء المستقبل القريب. ثلاثي الإخوان لم يرفض اقتراح الجنزورى, غير أنهم لم يروه كافيا لهروب رئيس الحكومة من مقصلة سحب الثقة, التى نصبوها, غير أنهم انتهزوا الفرصة لفرض بعض الشروط ومنها تعيين رؤساء جدد من المنتمين للجماعة على رؤوس الأجهزة الرقابية ومنها الجهاز المركزي للمحاسبات والرقابة الإدارية. أحد الحضور طلب إقصاء اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية, وطرح اسم اللواء عباس مخيمر, رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس الشعب بديلا له, وهو الأمر الذي أثار حفيظة الجنزورى لكون مخيمر رجلا عسكريا ولا علاقة له بالداخلية, وهنا قال صاحب الاقتراح إن الأمر يمكن تمريره بدعوى إعادة هيكلة الداخلية وأن تعيين رئيس لجنة الدفاع يأتي من باب تلبية رغبات قطاع عريض من المواطنين بأن يتولى الداخلية شخصية عسكرية أو مدنية بعيدا عن قيادات الشرطة المحسوبين على حبيب العادلى وزير الداخلية الأسبق! الدكتور عبد الفضيل القوصى, وزير الأوقاف, كان أحد الوزراء الذين ذكروا بالاسم فى تلك الجلسة, فالجماعة تراه «عدوا» لها, وإن لم يحدد أي من المجتمعين اسما بديلا لخلافة القوصى فى «الأوقاف». المثير أن مؤسسة الأزهر هي الأخرى لم تسلم فى تلك الجلسة, حيث طالب الثلاثي أن يكون للإخوان دور فى اختيار شيخ الأزهر, بإعادة النظر فى قانون «الأزهر», بل ووصل الأمر بهم إلى المطالبة بمراعاة ما أسموه بدور جماعة الإخوان ورموزها فى الحياة السياسية, عند إجراء تعديلات بالمناهج الدراسية لمختلف المراحل التعليمية, خاصة الابتدائية والإعدادية! بعد انتهاء ثلاثي الجماعة من سرد قائمة مطالبهم لتمرير جلسات «الشعب» بردا وسلاما على الجنزورى, أبدى رئيس الوزراء تفهما وعدم ممانعة, مؤكدا إمكانية تحقيق بعضها, وليس جميعها, غير أنه ألقى بإشارة بأن سحب الثقة من حكومته ليست بالأمر اليسير فى ظل رفض نواب حزب النور بمجلس الشعب – وفقا لكلام الجنزورى – لمسألة سحب الثقة. جدير بالذكر أن هناك تيارين داخل الجماعة, أولهما يرفض سحب الثقة من الحكومة في الوقت الحالي والثاني يرى ضرورة انتهاز الفرصة بتشكيل حكومة جديدة يكون للإخوان الغالبية فيها, ويعد الدكتور أحمد فهمي, رئيس مجلس الشورى, هو أحد المعارضين لفكرة سحب الثقة من الحكومة, على عكس التيار الذي يقوده كل من الدكتور سعد الكتاتنى, رئيس مجلس الشعب وحسين إبراهيم رئيس الهيئة البرلمانية لحزب «الحرية والعدالة», حيث يرى فهمي أن سحب الثقة من حكومة الجنزورى قد يستغرق ثلاثة أشهر, وهو ما قد يزيد الأوضاع سوءا ويضع الإخوان فى موقف لا يحسدون عليه قبل انتخاب رئيس للجمهورية يتحمل المسئولية السياسية بدلا من الجماعة التى تتآكل شعبيتها يوما بعد آخر, على أساس أنهم القوى المسيطرة على البرلمان, والذي ينظر له الشارع على أنه الدولة ذاتها.