على أعتاب مدينة الغريب, يقف ملاك الموت, مرفرفا بجناحيه, رافعا لافتة كتب عليها « هنا السويس الداخل مفقود و الخارج مولود».. مفارقة مدهشة.. قناة السويس باب رزق لكثير من المصريين يربطهم بالحياة, وهى أيضا مصدر رئيسي لكثير من الأمراض التى تقطع أسباب بقائهم على قيد الحياة و تهدد بفناء الثروة السمكية بالبحر الأحمر كله لمرور 85% من السفن بها دون الكشف عليها و التأكد من عدم حملها مواد إشعاعية خطرة!! في زيارة إلي قناة السويس رصدت «فيتو» إلقاء آلاف الأمتار المكعبة من مياه الصرف الصناعي الملوثة ومخلفات السفن العابرة, يوميا إلى الممر المائي الأهم في العالم, فتتحول إلى سموم قاتلة تصل للإنسان عبر أسماك القناة ومياهها والهواء المار عليها ليشبع بأسرار الموت.. و لتنضم السويس لقائمة مدن تصنيع الموت في مصر. مع الاعتراف باستحالة الاستغناء عن قناة السويس كمصدر رئيسي للدخل القومي المصرى, بلغت عائداتها فى عام 2011 أكثر من 5.22 مليار جنيه, يبقى الحفاظ على صحة مواطني المحافظة و باقي مدن القناة على رأس الأولويات والضروريات, ما يستدعى إعادة النظر في إجراءات مرور سفن النقل و حاملات الطائرات والعابرات الحربية بالقناة, فضلا عن تلك السفن المحملة بمواد نووية أو تعمل بالطاقة النووية لخطورتها على صحة العاملين بالقناة وسكان المحافظات التي تمر بها. معلومات خطيرة وخلال زيارتها حصلت «فيتو» من مصادر ذات صلة بقناة السويس علي معلومات خطيرة تؤكد وجود تسريبات إشعاعية نووية جراء مرور سفن تعمل بالطاقة النووية أو تحمل شحنات تحتوى على مواد إشعاعية غاية في الخطورة, والمفاجأة أو بالأحرى الكارثة الأكبر كانت في إشارة بعض المصادر إلى الإهمال البين من قبل إدارة القناة فيما يتعلق بفحص السفن العابرة والتأكد من عدم خطورة مرورها بالقناة وما تحويه من مواد قد تكون سببا فى إنهاء حياة ملايين البشر, ويتجسد هذا الإهمال فى عدم الاهتمام بالتأكد مما تحمله السفن العابرة بقدر الاهتمام بسلامة الإجراءات و الأوراق! ولأن المعلومات مقلقة وخطيرة بما يكفي فقد توجهت «فيتو» إلي الدكتور علي أبو المعاطي أستاذ الكيمياء والطاقة النووية بكلية العلوم جامعة قناة السويس وسألته عن مدي صدق هذه المعلومات فقال:مخلفات مصانع الأسمدة التي تصرف في خليج السويس تقدر بحوالي 10 آلاف متر مكعب يوميا وتكمن خطورة هذه المخلفات في احتوائها علي بعض المركبات الضارة بالكائنات البحرية الحية في الخليج فمركبات الفوسفات تعتبر من أكثر المواد الملوثة للبيئة المائية والتي يمكن أن تنتقل إلي الإنسان عن طريق الأسماك مسببة أضراراً بالغة بصحة الإنسان. أكثر من هذا أكد أبو المعاطي أن خطورة زيادة مركبات النيترات المنصرفة في الماء تكمن في أن جزءا منها يتحول إلي أيون النيتريت والذي يسبب أنواعا حادة من التسمم يمكن أن ينتقل إلي الإنسان من خلال سلسلة الغذاء في البيئة المائية. إشعاع .. وتلوث نووى منزعجا, حذر أستاذ الكيمياء من « 100 ألف متر مكعب هي كمية مياه الصرف الصحي التي تصرف في خليج السويس والتي تحتوي علي المياه والفضلات التي تتجمع نتيجة الاستخدامات المنزلية والآدمية والمياه وتلك المستخدمة في بعض الورش والجراجات ومحطات البنزين وأيضا بعض المصانع التي تلقي بمخلفاتها في شبكات الصرف الصحي مثل مصانع الأسمدة كذلك الصرف الصحي للسفن العابرة للقناة. مواصلا قذائفه, يضيف الدكتور أبو المعاطى: رغم أن عمليات معالجة الصرف الصحي تخفف كثيراً من الآثار التي تحدثها في البيئة المائية إلا أن عمليات التنقية لا تستطيع تنقية مياه الصرف الصحي من المواد الذائبة فيها مثل مركبات الفوسفات ومركبات النترات وغيرها من المركبات الكيمائية, بالإضافة إلي التلوث النووي الذي يحدث نتيجة نقل شحنات مشعة أو وقود نووي خاصة مع تزايد عمليات نقل الوقود النووي من بعض دول أوروبا إلي بعض دول آسيا في الفترة الأخيرة عبر قناة السويس، بالإضافة إلي ناقلات البترول والشحن والنقل الأخرى أحد أهم مصادر التلوث. مستطردا, يقول الدكتور أبو المعاطي: وكذلك عندما تلقي بعض المعامل الكيماوية نفاياتها وفضلاتها إلي المياه البحرية وتقوم التيارات المائية بسبب المد والجزر أو نتيجة دخول مياه الأنهار الجارية إلي البحار لنقل المياه الملوثة بالرصاص وغيره إلي مكان آخر ويتركز الرصاص في الأنسجة اللحمية للأسماك والأحياء المائية ومنها ينتقل إلي الإنسان مما يسبب حوادث التسمم بالرصاص التي تسبب الموت البطيء وللرصاص تأثير مباشر علي المخ ويسبب الشلل النصفي وانسداد الحنجرة. أما المفاجأة الأخطر فيفجرها الدكتور أبو المعاطي, كاشفا عن أن « قرابة 85% من السفن العابرة لقناة السويس, تمر دون الكشف عليها وعلى محتواها, لعدم توافر جهاز»pencil dosimeter» الذى يكشف عن المواد المشعة, ما يعنى سهولة مرور أو بالأحرى تمرير, مواد نووية خطرة عبر القناة سواء لداخل مصر أو لدول أخرى. روتين قاتل أحمد فارس, موظف بالجمارك, قال ل«فيتو» المشكلة أن كل الموظفين بميناء قناة السويس يعملون وفقا لروتين قاتل, ولا يهمهم سوى التأكد من استيفاء أوراق الشحنة دون التعليق على محتواها, فما دامت الأوراق سليمة إذا كله سليم»! الكلام ذاته كرره أحد الوكلاء بالميناء -رفض ذكر اسمه فقال ل»فيتو»: عمليات التفتيش على الحاويات و السفن تحدث بشكل صوري, و المفتشون لا يهتمون سوى بالأوراق والمستندات, بل يمكن القول بأن الأطباء وخبراء الأمان النووي يثقون فى الأجانب والتزامهم بالمعايير البيئية!! أما الدكتور زكى تادرس, أستاذ علوم البحار بجامعة قناة السويس, فيشير ل«فيتو» إلى إنشاء الدولة محطة لمعالجة المخلفات الصناعية السائلة بتكلفة 83 مليون جنيه كمرحلة أولي بهدف إعادة صرف ثلاثة آلاف متر مكعب من المخلفات الصناعية السائلة والصلبة التي تصرفها المنشآت الصناعية الواقعة بمنطقة شمال غرب خليج السويس مثل مصانع الحديد والصلب والأسمنت والزيوت والمواد الكيماوية إلا أنه كان من المفترض أن تقوم المحطة بتكرار معالجة مياه الصرف الصناعي مرة أخري بعد معالجتها داخل المصانع حتى تصل إلي الحد المسموح به صحيا لإلقائها في عمق البحر علي بعد 500 متر عبر مواسير تحت الأرض إلا أن ذلك لا يتم إذ تضرب المحطة عرض الحائط بقوانين البيئة المنصوص عليها واكتفت بإلقاء الصرف علي الشواطئ دون مواسيرها داخل البحر. مؤكدا: المحطة لا تعمل ولم يتم إصلاحها والمصانع المحيطة لا تقوم بعملية المعالجة لمخلفاتها الصناعية السائلة التي تحتوي علي تركيبات عالية من الميكروبات والنترات والفوسفات والمبيدات والمواد المعدنية الثقيلة مثل الحديد والنحاس والقصدير والمنجنيز والألومونيوم لذلك يتم إلقاؤها مباشرة في مياه خليج السويس عبر مجري مائي كان مخصصا من قبل للسيول وتم إلغاؤه وتحويله إلي مجري للصرف الصناعي غير المعالج وصبه في مياه البحر مما يؤدي إلي تلوث مياه البحر ويمثل ضررا جسيما علي الثروة السمكية ويسبب الإصابة بالسرطان علي المدى البعيد وتشويه الأجنة والتخلف العقلي. بكرى أبو الحسن, نقيب الصيادين بالسويس, أوضح ل»فيتو» أن المخلفات الصناعية السائلة غير المعالجة أدت إلي تسمم الأسماك بسبب تلوث مياه البحر لافتا إلي أن المنطقة تقع مباشرة علي خليج السويس وكانت غنية بالأسماك وتعد مناخا ًجيداً لتكاثر الزريعة السمكية لتميز مياهها بالدفء. استثمارات ملوثة بينما قال ل«فيتو» أبو الوفا بشير, مستشار البيئة بالمحافظة إن رموز النظام السابق أمثال أحمد عز, أمين تنظيم الحزب الوطني المنحل, وسجين طرة الحالي, وغيره من رجال الأعمال استولوا علي أراض بالملايين وجلبوا استثمارات جميعها ملوثة للبيئة مثل مصانع الأسمنت و حديد وصلب و البتروكيماويات, جميعها أنشطة تفككت في أوروبا وجلبوها للسويس وتصيب الجميع بالسرطان والتحجر الرئوي نتيجة إلقاء المخلفات و البتروكيماويات في المياه وخارج نطاق المصانع. لافتا إلى ضرورة الانتهاء من تشغيل مدفن المواد الخطرة بوادي حجول بالسويس لعدم اللجوء إلي مدفن الإسكندرية الذي كلف المحافظة كثيراً بالإضافة إلي خطورة نقل المواد من السويس إلي الإسكندرية. على الجانب الآخر, قلل اللواء بحري عبد القادر جاب الله رئيس هيئة موانئ البحر الأحمر, من خطورة الوضع, مؤكدا ل«فيتو» أن قناة السويس لديها الآلية التي تمكنها من الكشف عن المواد المشعة والنووية الخطرة, مشيرا إلى أن مرور السفن المحملة بمواد مشعة والسفن الحربية التي تعمل بالطاقة النووية لا يمثل خطرا على البيئة والحياة بشكل عام مادامت تلتزم بالاشتراطات وتعليمات السلامة البحرية والبيئية. ومؤكدا على قيام الهيئة بدورها, قال جاب الله إن أية سفينة تعبر القناة لا يمكنها المرور قبل الحصول على شهادة من الهيئة تقضى بعدم الخطورة من عبورها القناة., خاصة أن محطات الرصد تنتشر بطول الممر المائي. شحنة مسرطنة يشار إلي أن واقعة إدخال شحنة مبيدات حشرية مسرطنة لا تزال عالقة بأذهان أهالى السويس والتي جلبها أحد رجال الأعمال من فرنسا إلى ميناء الأدبية بالسويس, قبل اكتشاف الأمر, وهروب رجل الأعمال بعد إرساله جزءا من الشحنة إلى السنغال, لتقرر حكومة الدكتور نظيف فى عام 2010 الاستعانة بشركة «لافارج» الفرنسية لإعدام الشحنة الخطيرة بالعين السخنة, غير أن الشركة رفضت لخطورة الأمر على صحة العاملين, وظل الأمر على ما هو عليه الى أن طلبت هيئة الطاقة النووية تقريرا عن الشحنة من إدارة الميناء الذى تقبع فيه المواد الخطرة منذ قرابة 13 عاماُ, قبل أن ترفع التقرير للمجلس الأعلى للقوات المسلحة, بينما تصاعدت حدة اعتراضات واحتجاجات العاملين بالميناء خوفا على أرواحهم. وكانت شركات الاسمنت بخليج السويس و المنطقة الصناعية بميناء الأدبية رفضت إعدام الشحنة المسرطنة بالميناء, بعد رفع هيئة موانئ البحر الأحمر تقريرا يوصى بذلك, خاصة أن وزارة البيئة سبق ورفضت نقل الحاويات إلى المدفن الصحي بالإسكندرية, لما يمثله ذلك من خطورة على البيئة, مطالبا شركة «لافارج» بحرق الشحنة فى أفرانها العالية, غير أن الشركة أيضا رفضت لخطورة الوضع. وجدير بالذكر أن صرخة تحذير أطلقها العالم المصرى الدكتور محمد حسن موسى الخبير والمحاضر بمنظمات الأممالمتحدة والأمين العام للاتحاد العربي للموانئ البحرية العربية سابقاً، من خلال دراسة بعنوان «قناة السويس والنفايات النووية»مؤكدا أن القضية ليست بالجديدة، بل بدأت منذ عام 1981، فمرور السفن الحربية والتجارية المسيرة بدفع محركات الطاقة النووية يؤدي إلى تسرب جزء من النفايات الإشعاعية من نواتج تشغيل المفاعلات المستخدمة في تسييرها بالطاقة النووية.