كشفت النتائج شبه النهائية للاستفتاء على الدستور الجديد، بالمحافظات ال10 التي جرى بها مطلع الأسبوع الجاري، حقيقة الصراع بين أنصار التيار الإسلامي، والمعارضة الرافضة لمنهج تلك الجماعات، ورغبتها في السيطرة على مفاصل البلاد. فالتحليل المنطقي للنتائج، يؤكد حقيقة الغرور الذي أصاب الإسلاميين، خاصةً جماعة الإخوان، التي أكد قادتها طوال الفترة الماضية ثقتهم بأن نسبة الموافقة ستتجاوز ال 80%، في حين كانت الصدمة صباح الأحد الماضي، حينما أعلنوا هم أنفسهم أن نسبة المصوتين ب"نعم" بلغت 57% فقط. حينها خرج قائد التصريحات "الوهمية" عصام العريان، ليطالب أبناء جماعته بدراسة سلبيات وإيجابيات المرحلة الأولى من الاستفتاء، دون أن يبرر للشعب أسباب غرور الإخوان، وضجيجهم خلال الفترة الماضية بأن الشعب سيصوت باكتساح على مشروع الدستور الجديد. جاءت أغلب المحافظات لتؤكد عدم وجود توافق بشأن دستور البلاد، وإصابة المواطنين بحيرة شديدة ما بين تصريحات المعارضة وموقفها الرافض لهيمنة الإسلاميين، ومن جهة أخرى خوف الناخب من الزج بالدين في الاستفتاء. تصدرت محافظتا الغربيةوالقاهرة، قائمة الرافضين للدستور الجديد، وواصلوا رفض المشروع الإخواني، مثلما حدث في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، حيث كانتا أيضاً أقل المحافظات التي دعمت الرئيس مرسي، ووقفت بقوة بجانب المرشح السابق، أحمد شفيق. بلغت نسبة من قالوا "لا" في القاهرة، نحو 57%، بينما صوت بنعم 43%، وفي الغربية صوت 52% ب"لا"، مما يؤكد لغز المعركة، وصعوبة المواجهة التي باتت شبه محسومة للمعارضة خلال السنوات المقبلة. الشرقية باعت نفسها ل"مرسي" ساهم وجود الرئيس مرسي على كرسى الحكم، في تحول شديد للخريطة الانتخابية بالشرقية – محافظة مرسي - حيث بلغت نسبة التصويت ب "نعم" 65%، مقابل 35% لأنصار "لا"، في حين أن المحافظة ساندت بقوة الفريق أحمد شفيق في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وأعلنت موقفها صراحة برفض الدعم الإخواني. فمنذ نجاح "مرسي" واعتلائه لسدة الحكم، بدأت حرب مضادة في معقله بمحافظة الشرقية، عندما تلاقت رغبات الفلول والجهات المختلفة لإسقاطه، وكانت الحركات الثورية هي الواجهة الحقيقية للصراع في عدد من مراكز المحافظة، وفي مقدمتها "ههيا" مسقط رأس رئيس الجمهورية. ويأتي المستشار علي مصيلحي، وزير التضامن السابق، علي رأس المحرضين - علي حد قول المهندس سعيد مرسي شقيق الرئيس - الذي قال "هذه هي الفرصة الأخيرة للفلول بعدما فشلت كل مساعيهم خلال المرحلة السابقة لإسقاط الرئيس" وأشار سعيد مرسي، إلى أن طلعت السويدي، رجل الأعمال المحسوب على النظام السابق، حاول جاهداً الوقوف في وجه الرئيس وجماعته، من خلال حشد الشباب وتمويلهم للهجوم علي مقار الإخوان وحرقها، وتحريضه لأصحاب العمارات التي تقع بها المقار لمطالبة الاخوان بإخلائها، حفاظا علي سلامة المواطنين والسكان، واستئجاره هذه الشقق بمبالغ خيالية. وفي مراكز منيا القمح وأبو حماد ومشتول السوق، كانت التحركات الأبرز من قبل العائلات الكبيرة، والتي تأثرت مصالحها بتولي الإخوان الحكم، فحرضت عائلتا أباظة وربيع على التظاهر أمام منزل الرئيس ، الكائن بمنطقة فلل الجامعة بدائرة قسم ثان الزقازيق، محاولة استفزاز قوات الشرطة أكثر من مرة. "الدقهلية" تنضم لجبهة الإخوان لم تثبت محافظة الدقهلية على موقفها الذى اتخذته تجاه "مرسي" أثناء الانتخابات الرئاسية، حيث صوت حينها لصالح شفيق نحو مليون و51 ألف صوت، بفارق 200 ألف صوت على الرئيس الحالي. وعلى غير المتوقع خرجت نتيجة الاستفتاء على الدستور بموافقة 55% من إجمالي أصوات الناخبين، مقابل 45% رافضين للدستور. ورغم صدمة المعارضين من النتيجة غير المتوقعة، إلا أن كواليس يوم الاستفتاء أكدت تلك النتيجة، خاصةً مع الإقبال الشديد على صناديق الاستفتاء، مقارنة بانتخابات الرئاسة. القضاة كان موقفهم محيراً ولأول مرة، حيث تغيب أغلبهم عن اللجان، ومن حضر جاء بشكل كوميدى لتعطيل سير عملية التصويت، إلى جانب إغلاق اللجان لعدة ساعات، لأسباب مختلفة منها الصلاة، وتناول الطعام والشراب، فضلاً عن ضبط عدد من الموظفين ممن انتحلوا صفة قاضٍ، كما تقمص سكرتارية النيابة دور المستشارين ورؤساء اللجان بعد تغيبهم عن المشاركة والإشراف. محافظات الصعيد "ملاكي" للإسلاميين لعبت الجماعات الجهادية، وأنصار الفكر السلفي، إلى جانب الجماعة الإسلامية وحزبها البناء والتنمية، دوراً مهماً في استمرار تأييد محافظات الصعيد لجماعة الإخوان بصفة خاصة، والإسلاميين عامةً. جاءت النتائج شبه النهائية للاستفتاء على الدستور، لتؤكد أغلبية كاسحة، وغير متوقعة أيضاً لأنصار التصويت لصالح "نعم"، حيث تجاوز متوسط الموافقة نحو 60% من إجمالي محافظات المرحلة الأولى بالصعيد. ففي أسيوط بلغت نسبة التصويت ب"نعم" نحو 79%، مقابل 21% "لا"، وهي نفس النسبة أيضاً في محافظة سوهاج، أما شمال سيناء فوافق على الدستور 78%، مقابل 22%، وانخفضت النسبة في جنوبسيناء إلى 63% صوتوا ب "نعم"، مقابل 37% "لا"، وفي أسوان بلغت نسبة الموافقة 76%، مقابل 24%. لعبت مؤسسة الرئاسة، دوراً كبيراً في الاستفتاء علي الدستور بمحافظة شمال سيناء، خاصة بالمناطق والقري الحدودية، بعدما أبرمت صفقة مع الجماعات الجهادية، والتي بمقتضاها أوقفت الأخيرة عملياتها في سيناء قبل فترة من الاستفتاء، ليتمكن الناخبون من الخروج والإدلاء بأصواتهم دون خوف، مقابل عدم ملاحقتهم أمنياً. الصفقة تضمنت أيضاً، استئناف الجماعات الجهادية لنشاطها عقب الاستفتاء علي الدستور، بهدف إشغال الرأي العام، وتحريك الجيش في سيناء، كي لايفكر في خوض العمل السياسي مرة أخرى، خاصةً بعد الأزمة الأخيرة التي أثارتها دعوة وزير الدفاع، القوى السياسية للحوار الوطني." لم تحدد محافظة الاسكندرية، موقفها من الانتماء لأي من المعسكرين المتنافسين – المعارضة والإسلاميين – حيث لا تزال نتيجة المعركة حائرة ومتأرجحة بين الطرفين، خاصةً بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والتي حصل فيها الفريق شفيق على أعلى الأصوات، رغم وجود الثنائي المنتمي للتيار الإسلامي، عبدالمنعم أبوالفتوح ومحمد مرسي. وفي الاستفتاء على الدستور، جاءت النتيجة متقاربة إلى حد كبير، حيث لعب التيار السلفي الذي يتميز بالحشد، خاصةً في معقله بالاسكندرية، دوراً بارزاً في تصويت 57% من الناخبين ب"نعم" مقابل 43%، لتبتعد المحافظة مؤقتاً عن سيطرة المعارضة، في انتظار جولة جديدة من المعركة، في الانتخابات البرلمانية المقبلة.