أبرز أنشطة وفعاليات جامعة أسيوط خلال أسبوع    "التوعية السكانية وتحسين جودة الحياة" ندوة لمجمع إعلام الفيوم    رسالة عضو التحالف الوطنى تواصل أنشطتها الاجتماعية والتعليمية بعدد من المحافظات    البورصة المصرية تختتم تعاملات اليوم بربح 20 مليار جنيه    شركة المياه تكشف عن أسباب انسداد شبكات وخطوط الصرف الصحي في أسوان    مدبولى : إحياء فندق الكونتيننتال نموذج ناجح للشراكة مع القطاع الخاص العالمى بالحفاظ على التراث المعمارى    موسكو ترفض التعديلات الأوروبية والأوكرانية على خطة ترامب للسلام    ملعب "مولاى عبد الله" يتزين لاستضافة مباراة المغرب ضد جزر القمر.. صور    رئيس الإمارات يبحث مع نظيره الفرنسي تعزيز العلاقات    الأهلي يهنئ حسن مصطفى برئاسة الاتحاد الدولي لكرة اليد لولاية جديدة    تشكيل برشلونة لمواجهة فياريال في الدوري الإسباني    القيمة السوقية لمنتخبات أفريقيا في كان 2025    وزير الثقافة ومحافظ القاهرة يتفقدان مكتبة "نون السحار 2" تمهيدا لافتتاحها    المفتي: المؤسسة الدينية خَطُّ الدفاع الأول في مواجهة الحروب الفكرية    أمن الجيزة يفحص فيديو اقتحام عدد من الخيول فناء مدرسة بمنطقة بولاق    "الشهابي" يثير إشكالية حول أولوية الحديث.. ويرفض تعديل قانون الكهرباء    جنايات الإسكندرية تقضي بإعدام سائقين لخطف شاب وخطيبته والاعتداء عليها    انطلاق اليوم الأول للاختبارات التجريبية لمنصة الذكاء الاصطناعي اليابانية بالأزهر    إحالة أوراق قاتل زوجته أمام أبنائه إلى المفتي بالبحيرة    بحث الاستعدادات النهائية لاحتفالية اليوبيل الذهبي لجامعة حلوان    رئيس الوزراء يتابع مع وزير الكهرباء الموقف التنفيذى لمشروعات الطاقة المتجددة    دراما بوكس | المسلسلات المؤجلة بعد رمضان 2026 .. وقصة آسر ياسين ودينا الشربيني مع الصدمات النفسية    نصيحة للأمهات، احذري من تأثير ضغط الدراسة على علاقتك مع أبنائك    إيمى سمير غانم تكشف كواليس اختيار أسماء أبنائها مع حسن الرداد    الداخلية تكشف حقيقة فيديو محاولة سرقة شخص بالسيدة زينب: خلافات عائلية السبب    اتحاد شركات التأمين: معالجة فجوات الحماية التأمينية تتطلب تعاونًا بين شركات التأمين والحكومات والمجتمع المدني    برلمانية المؤتمر: تعديلات قانون الكهرباء خطوة ضرورية لحماية المرفق    عراقجي: مستعدون لإبرام اتفاق "عادل ومتوازن" بشأن برنامجنا النووي    مراسل القاهرة الإخبارية من غزة: القطاع يعيش على وقع الأزمات في الأيام الأخيرة    مدير فرع الرعاية الصحية بالإسماعيلية يفاجئ مستشفى فايد (صور)    الشرعية الشعبية للانتخابات    ضبط 3 محطات وقود بالبحيرة لتجميع وبيع 47 ألف لتر مواد بترولية    محافظ المنوفية ورئيس الجامعة يفتتحان عدد من المنشآت الطبية الجديدة بمستشفى الطوارئ    ليلة استثنائية في مهرجان القاهرة للفيلم القصير: تكريم عبير عواد واحتفاء بمسيرة عباس صابر    تحرك عاجل من وزير العمل بعد فيديو الأم التي عرضت أولادها للبيع    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 21ديسمبر 2025 فى المنيا    إصابة 8 أشخاص إثر حادث انقلاب ميكروباص في العاشر من رمضان    محافظ أسيوط: استمرار تدريبات المشروع القومي للموهبة الحركية لاكتشاف المواهب الرياضية    محافظة الجيزة توضح حقيقة ما أثير بشأن وجود إزالات أو نزع ملكيات لإنشاء طريق الإخلاص    حملة للمتابعة الطبية المنزلية لأصحاب الأمراض المزمنة وكبار السن وذوي الهمم.. مجانًا    وزير الخارجية يبحث مع نظيريه الجزائري والتونسي تطورات الأوضاع في ليبيا    حقيقة تأثر رؤية شهر رمضان باكتمال أو نقص الشهور السابقة.. القومي يوضح    فى مباحثاته مع مسرور بارزانى.. الرئيس السيسى يؤكد دعم مصر الكامل للعراق الشقيق ولوحدة وسلامة أراضيه ومساندته فى مواجهة التحديات والإرهاب.. ويدعو حكومة كردستان للاستفادة من الشركات المصرية فى تنفيذ المشروعات    فضل العمرة فى شهر رجب.. دار الإفتاء توضح    وزير الخارجية يؤكد مجددا التزام مصر بدعم جهود تعزيز الأمن والاستقرار في الصومال والقرن الأفريقي    وزير الرى : متابعة موقف إيراد النهر والحالة الهيدرولوجية وإجراءات تشغيل السد العالي وإدارة المنظومة المائية    شهر رجب .. مركز الأزهر العالمى للفتوى يوضح خصائص الأشهر الحرم    مانشستر يونايتد في اختبار صعب أمام أستون فيلا ب البريميرليج    محافظ القاهرة جدول امتحانات الفصل الدراسي الأول للعام الدراسي    سياح العالم يستمتعون بتعامد الشمس على مقصورة قدس الأقداس بمعابد الكرنك.. صور    انطلاق مهرجان التحطيب بالأقصر على المسرح المكشوف بساحة سيدي أبو الحجاج    الصحة: فحص أكثر من 20 مليون مواطن في مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة    أمم إفريقيا – المغرب.. هل يتكرر إنجاز بابا؟    حبس المتهم بقتل زميله وتقطيع جثمانه إلى أربعة أجزاء وإخفائها داخل صندوق قمامة بالإسكندرية    بعد رؤية هلال رجب.. ما هو موعد شهر شعبان ؟    الإفتاء: الدعاء في أول ليلة من رجب مستحب ومرجو القبول    بركلة جزاء قاتلة.. أرسنال يهزم إيفرتون ويعود لاعتلاء صدارة البريميرليج    قمة إنجليزية نارية.. ليفربول يحل ضيفًا على توتنهام في الجولة 17 من البريميرليج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



« السعدنى ».. سفيرنا إلى المصاطب
نشر في فيتو يوم 18 - 10 - 2014

هو شيخ الساخرين، وعمدة الظرفاء، كلماته كانت أقسى من كرباج يلسع بها ظهور من ينتقدهم ويعارضهم، لم يخش سلطانا ولا حاكما، وكان ثمن ذلك باهظا، ولكن سيرة محمود السعدنى بقيت مضيئة حتى بعد رحيله، فمثل السعدنى، الذي وصفه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ب"سفيرنا إلى المصاطب"، لا يُنسى.
فقال عنه الروائي خيري شلبي: "خلق الله محمود السعدنى على هيئة بشر ولكن بمزاج الفاكهة والورود والرياحين، وهو الوحيد الذي جمع بين موهبة الكتابة والخطاب الشفاهى في اتساق تام وتوازن خلاق.. ولهذا لم يضع من عمره برهة واحدة في الفراغ، استطاع أن يفيد الحياة والإنسانية بكل زفرة من زفراته".
نجومية "السعدني" لم يصنعها بين يوما وليلة، ولم يكن طريقه مفروشا بالورود، فعاش أكحل اللحظات، وألمعها، ورغم ذلك عاش ومات راضيا، سعيدا بحياته بكل ما فيها لأنها تعبر عنه هو.
قال في الجزء الأول من مذكرات "الولد الشقي":" لو أننى عدت من جديد لاخترت حياتى كما عشتها وبالتفاصيل، وتمسكت بأحزانها كما أفراحها، لكن أمنيتى التي مازلت أحلم بها هي العثور على قطعة أرض في محافظتى المنوفية، وتحديدا فدان أرض أقيم عليه بيتا وأطلق فيه عددا من أسراب البط والأوز وأزرع حوله عيدان الملوخية، وأضع على سطحه 10 بلاليص من الجبنة، وأرتدى جلابية وأمشى حافى القدمين، ويكون لى عشرون من الأولاد، وأقيم جوار البيت قبرا، لأننى أخشى الوحدة في مقابر بعيدة، وأرجو ألا أموت قبل سن التسعين، قبل أن أعيش في هذا البيت». إلا أن الموت حال دون أن يحقق أمنيته وباغته وكان عمره حينئذ 82 عاما بعد صراع مع المرض.
أضاف "السعدني": رغم الظلام الذي اكتنف حياتي، ورغم البؤس الذي كان دليلي وخليلي، إلا أنني لست آسفًا على شئ، فلقد كانت تلك الأيام حياتي، ومن عين تلك الأيام، ومن رحيق تلك الليالي خرج إلى الوجود ذلك الشيء الذي هو أنا".
نشأ "السعدني" في محافظة الجيزة إلا أن جدوده من محافظة المنوفية، لذلك اعتادي السفر لجده هناك، وهى الأجواء التي جعلت كتاباته بطعم الريف، يعبر عن الواقع بكتابة متفرده تجمع ما بين العامية والفصحي، وأصبح لسان حال الفلاحين، حتى قال عنه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر: "السعدني سفيرنا إلى المصاطب".
عمل السعدنى في بدايات حياته الصحفيه في عدد من الصحف والمجلات الصغيرة التي كانت تصدر في شارع محمد على بالقاهرة، إلا أن بدايته الحقيقية تعتبربمجلة "الكشكول" التي كان يصدرها مأمون الشناوي حتى إغلاقها، ثم عمل بالقطعة ببعض الجرائد مثل: جريدة "المصري" لسان حال حزب الوفد وعمل أيضا في دار الهلال، وأصدر مع رسام الكاريكاتير طوغان مجلة هزلية أغلقت بعد أعداد قليلة.
رغم تأييد "السعدنى" لثورة 52، وحبه لعبدالنصر، إلا أن هذه الفترة كانت بدايه لتعرفه على الاعتقال ظلما، وأسس فيها حزبه الأشهر "زمش"، كما أنه ذاق مرارة الفصل من العمل لغضب "السادات" من سخريته اللاذعة.
عمل "السعدني" بعد الثورة في جريدة الجمهورية التي أصدرها مجلس قيادة الثورة وكان رئيس مجلس إدارتها أنور السادات ورئيس تحريرها كامل الشناوي، وهى الوظيفة التي اعتبر بها "السعدنى" أن الحظ ابتسم له، خاصة أنه جلس إلى مكتب شاعرنا بيرم التونسى.
حذره "بيرم" تلميذه النجيب من أنه إذا التزم بهذا الأسلوب في السخرية: "ستكون حياتك في مهب الريح، وستكون أيامك أسود من الزيتون بالورنيش، ولياليك ستصبح أزرق من هدوم مصبوغة بالنيلة لأنه لا يغيظ المسئول في بلدنا إلا الأسلوب الساخر الذي يهتك ستره ويكشف حقيقته".
ولان "السعدنى" لم يعمل بنصيحة "بيرم" فبدأ يعانى أولا في عمله حتى انتهى به إلى المعتقل، فبعد تولي السادات منصب رئاسة البرلمان المصري، تم الاستغناء عن خدمات السعدني من جريدة الثورة أسوة بالعديد من زملائه منهم بيرم التونسي وعبد الرحمن الخميسي، فانتقل لاحقا للعمل مديرا لتحرير مجلة روز اليوسف عندما كان إحسان عبد القدوس رئيس التحرير.
أما سبب دخوله المعتقل، فأثناء زيارة صحفية له إلى سوريا قبيل الوحدة مع مصر، طلب أعضاء الحزب الشيوعي السوري من السعدني توصيل رسالة مغلقة للرئيس جمال عبد الناصر فقام بتسليمها لأنور السادات دون أن يعلم محتواها، وكان في الرسالة تهديد لعبد الناصر، لذا تم إلقاء القبض عليه وسجن نحو عامين.
يتحدث "السعدني" في مذكراته عن هذه الواقعة موضحا أنه تلفت حوله فوجد الشيوعيين والوفديين والإخوان المسلمين والماركسيين، فاستغرب أن كل السجناء ينتمون لأحزاب سياسية وهو وحيد دون حزب فقرر إنشاء وإشهار حزب ( زمش ) وهو في السجن وحين كثر الحديث في أوساط السجناء عن ( زمش ) استدعاه مأمور السجن فذهب إليه وهو منكوش الشعر مجعد اللحية وثيابه متسخة وممزقة ويرتدي حذاء بسيطا.
وما أن دخل عليه، حتى سأله المأمور:
-يعني ايه حزب ( زمش ) يا روح أمك؟
-فرد عليه السعدني مع ابتسامة:
زمش تعني اختصار ل: زي ما انت شايف"
فضحك مأمور السجن وتركه يذهب.
وبعد أن أفرج عنه عاد ليعمل في روز اليوسف بعد أن أممت ثم تولي رئاسة تحرير مجلة صباح الخير، وانضم إلى التنظيم الطليعي وكان له في تلك الفترة نفوذ كبير.
" نحن لا ننتخب حكامنا، ولا نختارهم، ولكنهم يحطون على رؤوسنا كما المصيبة، وينزلون بنا كما الكارثة، ويجلسون على الكراسي كما المآسي، ولا فكاك منهم إلا بعمك المنقذ عزرائيل، نحن أكثر مخاليق الله إجراءً للانتخابات ونتائجها دائمًا معروفة، ولدينا قوانين شتى الطوارئ، الاشتباه، التحفظ، وفى السجون مكان لكل مواطن ومن تضيق به السجون تتسع له المقابر»..تصف تلك السطور علاقة "السعدنى" بالحكام كما ذكرها في في كتابه "حمار من الشرق".
ويبدو أنه لم يكن هناك أي حظ له مع الحكام، فلاقى "السعدنى" أشد أنواع التنكيل في عهد الرئيس السادات ومنع من ذكر اسمه على صفحات الجرائد ودخل السجن.
بعد وفاة عبدالناصر حدث صراع على السلطة بين الرئيس أنور السادات وعدد من المسؤولين المحسوبين على التيار الناصري مثل شعراوي جمعه وسامي شرف ومحمود فوزي وغيرهم.
انتهى الصراع باستقالة هؤلاء المسؤلين واعتقال السادات لهم وتقديمهم للمحاكمة بتهمة محاولة الانقلاب وكان اسم محمود السعدني من ضمن أسماء المشاركين في هذا الانقلاب وتمت محاكمته أمام "محكمة الثورة" وأدين وسجن.
حاول كثيرون التوسط للسعدنى،منهم الرئيس الليبى الراحل معمر القذافي، إلا أن السادات رفض وساطته وقال "أن السعدني قد أطلق النكات على وعلى أهل بيتي ويجب أن يتم تأديبه ولكني لن أفرط في عقابه".
بعد قرابة العامين في السجن أفرج عن السعدني ولكن صدر قرار جمهوري بفصله من "صباح الخير" ومنعه من الكتابة بل ومنع ظهور اسمه في أي جريدة مصرية حتى في صفحة الوفيات.
في هذه الأثناء تلقى السعدنى عروضا لوظائف أخرى ولكنه رفض وقال مقولته الشهيرة: "سأعيش صحفيًا، وأموت صحفيًا، وسأحشر يوم القيامة في زمرة الصحفيين".
وبعد فترة من المعاناة قرر السعدني مغادرة مصر والعمل في الخارج.
"فنحن في الواقع لا نخرج من بلادنا ونعيش في الخارج ولكننا نهاجر إلى الخارج ونعيش في بلادنا. نطبخ طعامنا الذي تعودنا عليه ونبحث عن الدخان الذي أعتدنا تدخينه ونتحدث في نفس المواضيع التي كنا بدأناها في بلادنا ولم نحسم النقاش فيها بعد.." هكذا عبر "السعدنى" بمراره مصري أرغم على مغادرة بلاده، لم يترك له الحكام اختيارآخر، ليغادر بجسده، وتبقي روحه وعقله وشغله الشاغل متعلقا بوطنه.
غادر السعدني مصر متوجهًا إلى بيروت حيث استطاع الكتابة بصعوبة في جريدة "السفير" وبأجر يقل عن راتب صحفي مبتدئ، بسبب خوف أصحاب الدور الصحفية من غضب السادات يومئذ.
قبل أندلاع الحرب الأهلية غادر السعدني إلى ليبيا للقاء القذافي الذي عرض عليه إنشاء جريدة أو مجلة له في بيروت إلا أن السعدني رفض ذلك خوفًا من اغتياله على يد تجار الصحف اللبنانيين الذين سيرفضون بالتأكيد هذا الوافد الجديد والذي سيعد تهديدًا لتجارتهم الرائجة.
وأثناء الحوار بينه وبين "القذافي" وبدون قصد، سخر السعدني من جريدة القذافي الأثيرة "الفجر الجديد" ونعتها بال"الفقر الجديد" عندما عرض عليه القذافي الكتابة فيها وانتهى لقائه معه بدون نتيجة.
عندما عرض "السعدنى" على القذافى إصدار مجلة 23 يوليو من لندن لم يبد الخير حماسا لإصدارها، بل سخر من فكرة إصدارها هناك كما لم يرق له إصدار مجلة ساخرة.
في عام 1976 وصل السعدني إلى أبوظبي للعمل كمسئول عن المسرح المدرسي في وزارة التربية والتعليم في الإمارات، ويبدو أنه لم ترق له الفكرة، لذا قبل بالعرض الذي تقدم به عبيد المزروعي وهو إدارة تحرير جريدة الفجر الإماراتية.
كان العرض مقامرة سياسية جازف بها عبيد المزروعي خاصة أن السعدني وضع شروطا مهنية قاسية أهمها: عدم التدخل في عمله وهو الشرط الذي يبدو أنه تسبب بعد أقل من أربعة أشهر بمصادرة أحد أعداد جريدة الفجر من الأسواق بسبب مانشيت أغضب السفارة الإيرانية في أبوظبي وكان إيران يومها تطالب بالإمارات كلها وتعتبرها من "ملحقيات إيران".
لذا لم تغفر سفارة إيران للسعدني رفعه شعار (جريدة الفجر جريدة العرب في الخليج العربى) وطالبت السفارة الإيرانية صراحة بحذف صفة "العربي" عن الخليج لأنه (خليج فارسي) كما يقولون.
تعاقد محمود السعدني مع منير عامر من مجلة "صباح الخير" القاهرية، ليتولى وظيفة سكرتير التحرير وليدخل إلى صحافة الإمارات مدرسة صحافية مصرية جديدة هي "مدرسة روزاليوسف" بكل ما تتميز به من نقد مباشر وتركيز على الهوية القومية والابتعاد قدر الإمكان عن التأثير المباشر للحاكم وصانع القرار.
بعد ضغوط إيرانية على حكومة الإمارت اضطر السعدني إلى مغادرة أبوظبي إلى الكويت حيث عمل في جريدة السياسة الكويتية مع الصحفي أحمد الجار الله ولكن تلك الضغوط لاحقته هناك أيضًا فغادر إلى العراق ليواجه ضغوطا من نوع جديد، وهي ممارسات الموظفين العراقيين المسؤولين في مكتب مصر بالمخابرات العراقية الذين مارسوا ضغوطًا كبيرة عليه لإخضاعه فكان قراره بعد لقاء مع نائب الرئيس العراقي في ذلك الوقت صدام حسن بمغادرة العراق إلى لندن.
في لندن تمكن "السعدنى" من تحقيق حلمه بإصدار مجلة 23 يوليو الساخرة، إلا أن التضييق عليها ظل يلاحقه من الحكام العرب، حتى إنهار حلمه أمام عينيه وتوقفت عن الصدور.
فبتمويل غير معلن من حاكم الشارقة، تمكن السعدني بالاشتراك مع محمود نور الدين- ضابط المخابرات المصري المنشق على السادات- والكاتب الصحفي فهمي حسين مدير تحرير روز اليوسف الأسبق ورئيس تحرير وكالة الأنباء الفلسطينية وفنان الكاريكاتير صلاح الليثي وآخرين من إصدار مجلة 23 يوليو في لندن، وكانت أول مجلة عربية تصدر هناك وحققت نجاحًا كبيرًا في الوطن العربي وكانت تهرب إلى مصر سرًا، والتزمت المجلة بالخط الناصري وكان السعدني يتوقع أن تلقى المجلة دعمًا من الأنظمة العربية الرسمية إلا أن ذلك لم يحدث، وحوصرت المجلة ماليًا من أنظمة دول ترفع شعارات عروبية مثل: العراق وليبيا وسوريا، وعلى حد تعبير السعدني "كان يجب على أن أرفع أي شعار إلا 23 يوليو لأحظى بالدعم". وإنهارت 23 يوليو وتوقفت عن الصدور.
عاد السعدني إلى مصر بعد اغتيال السادات بفترة واستقبله الرئيس مبارك في القصر الجمهوري بمصر الجديدة ليطوي بذلك صفحة طويلة من الصراع مع النظام في مصر.
ظل "السعدني" بإطلالته المميزة علينا وكتاباته الساخره، مصارعا المرض حتى غلبه، واستطاع وحده أن يوقف قلم لم يستطع السجن أو المنفى التغلب عليه.
في عام 2006 اعتزل السعدنى الكتابة، ليدخل في حرب من نوع آخر سلاحها الإرداة، فظل يحارب المرض حتى انتصر عدوه وفاضت روحه إلى باريها في 2010.
توفى السعدنى راضيا عن كل ما عاشه، يري نفسه محظوظا فهو من قال يوما: "كنت محظوظًا لأبعد حد حين أتيحت لي الفرصة التعرف على عدد من شخصيات العصر كل واحد منهم كان دنيا كبيرة وعالمًا بأسره..تعرفت إلى مأمون الشناوي ومنه تعلمت النكتة وفن السخرية وهو كاتب ساخر لو اتيحت له الفرصة لكان اوسكار وايلد جديدا، كما تعرفت على نجيب الريحاني في آخر حياته وعرض على الاشتغال في التمثيل ولو بقي أعوامًا أخرى على قيد الحياة فلربما أصبحت ممثلًا يشار له بالحذاء،
وعرفت بيرم التونسي وعبقري النغم الشيخ محمد رفعت والشيخ زكريا أحمد وتحفة عصره كامل الشناوي، وذقت كل أنواع الحياة وعشت أيامًا طويلة في هيلتون مدريد بإسبانيا ونمت أيامًا في حدائق القاهرة وأنفقت مائة جنيه في ليلة وقضيت عدة أيام أبحث عن قرش صاغ واحد، وقابلت عددًا كبيرًا من رؤساء الجمهوريات وصادقت عساكر بوليس وعمال بناء ومكوجية، نمت على شاطيء بحيرة جنيف وفي فندق الصخرة في جبل طارق لكن لا يزال أجمل مكان أحن إليه هو قريتي في المنوفية".
رحل جسد السعدنى عنا، ولكنه ترك إرثا كبيرا من الكتب منها، «الظرفاء والمضحكون» الذي تناول فيه عددا من ممثلى الكوميديا، ومنها أيضا «حكايات قهوة كتكوت» و«أمريكا يا ويكا» و«مصر من تاني» و«الموكوس في بلاد الفلوس» و«الولد الشقى في السجن» و«حمار من الشرق» و«بلاد تشيل وبلاد تحط» وسوف تظل معينا لا ينضب لكل من أراد أن يضحك ويسخر من واقع لا يتغير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.