أكد الدكتور عبد المنعم السيد، مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستيراتيجية، أن التقسيم الإداري في مصر خضع لعقود طويلة إلى السلطة التقديرية التي لا تستند إلى ضوابط محددة وتخضع لعوامل سياسية، في حين تضاءلت الأهمية النسبية للاعتبارات الاقتصادية وعدالة توزيع الموارد، مما أدى إلى تفاقم العديد من المشاكل الهيكلية في الاقتصاد المصري كتباطؤ معدلات النمو وارتفاع معدلات البطالة، فضلا عن تنامي ظاهرة الفوارق الإقليمية في معدلات النمو وضعف كفاءة الخدمات العامة والاجتماعية. وأوضح في دراسة حصلت "فيتو" على نسخة منها أن علاج هذه المشكلات يتطلب القيام بتغيرات هيكلية في مراعاة البعد الجغرافي، وتضمين البعد المكاني في إستراتيجيات التنمية من خلال اعادة النظر في التقسيم الإداري الحالي للمحافظات. وأشارت الدراسة التي أعدها السيد إلى أن الإعلان مؤخرا عن إعادة ترسيم الحدود جاء تنفيذا لاستحقاقات دستورية وما تضمنه البرنامج الانتخابي للرئيس السيسي من رؤية واضحة لتنفيذ مخطط التنمية العمرانية لمصر 2052، وتبني فكرة الدكتور فاروق الباز بإنشاء واد جديد مواز للوادي الحالي، إضافة إلى إيجاد ظهير صحراوي ومنافذ ساحلية لكل محافظة مما سيدفع عجلة التنمية في المحافظات. ولفتت الدراسة إلى أن الاهتمام بالبعد المكاني للخطة، سيجنبنا الظواهر السلبية والمتمثلة في تنامي مشكلة الفوارق في معدلات النمو بين المحافظات، نتيجة اتجاه رءوس الأموال، والأيدي العاملة، والسكان لمحافظات تتوافر لديها الخدمات الرئيسية المختلفة، وفرص، وغيرها من العوامل التي تساعد على جذب الأنشطة الاقتصادية. واستطردت الدراسة: إن وزارة التخطيط قامت بتطوير منهجية اعداد خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية 2014-2015 بحيث ينبثق عنها خطة تنمية اقتصادية لكل إقليم وخطة تنمية اجتماعية لكل محافظة، مع التاكيد على البعد المكاني للمشروعات بما يحقق التنمية الاقتصادية الشاملة،لافتة إلى أن هذا التطوير ادي للوصول إلى توزيع ما يقارب 70% من المشروعات الاستثمارية بخطة العام المالي 2014-2015 جغرافيا مقارنة بنسبة 50% خلال العام المالي الماضي. واستعرضت الدراسة الصعوبات التي يتعرض لها التقسيم الإداري الحالي، وعلى رأسها اختلال التوازن في المساحة الجغرافية بين المحافظات، ومن الصعوبات أيضا وفقا للدراسة تزايد ظاهرة الهجرة الداخلية إلى العاصمة والمواني وبعض المدن الرئيسية، مما ادي إلى زيادة الازدحام وانخفاض مستوى الخدمات وتدهور البنية الأساسية، كذلك تأكل الرقعة الزراعية، وبالتالي تركز الأنشطة الاقتصادية في حيز ضيق من المساحة الكلية لمصر، الأمر الذي أضر تماما بالرقعة المنزرعة وادي إلى زيادة الفجوة الغذائية في العديد من المحاصيل، بالإضافة لاقتصار الحدود البحرية وحدود الجوار بالدول المجاورة على عدد قليل من المحافظات، وبالتالى تدنى مشروعات التنمية البحرية التي تعتمد على التكامل الاقتصادى لسكان هذه المحافظات مع الدول الاخرى. و أكدت الدراسة أنه تجنبا للمشاكل والصعوبات السابقة فقد استندت معايير اعادة ترسيم الحدود إلى محورين أساسيين وهما: خلق محور للتنمية للمحافظات التي تقع على شريط نهر النيل والبحرين الأحمر والمتوسط، والاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية للمحافظات الأخرى، وربطها بالمحافظات الفقيرة، من خلال شبكة طرق جديدة. وتعتمد الخريطة على التقسيم العرضي للمحافظات بما يعزز ما سيقدمه مشروع تنمية محور قناة السويس الوطنى العملاق من طفرة اقتصادية للمصريين، حيث سيتيح لكل محافظة منفذا بحريا وظهيرا صحراويا، بهدف استغلال المناطق التي تزخر بموارد طبيعية، فالبحر الأحمر كمجرى مائى يمكن استغلاله في إقامة الموانئ والأنشطة السياحية، والصحراء الشرقية في الصناعات التعدينية، أما الصحراء الغربية فيمكن استغلالها كمخزن للمياه الجوفية فأرضها صالحة للزراعة، وبالتالى تتحقق التنمية في تلك المناطق. وتوقعت الدراسة أن يحقق التقسيم الإداري الجديد عدد من المزايا على رأسها الحد من التباين التنموي بين المحافظات، وتحقيق العدالة في توزيع فرص العمل،بالإضافة لتدعيم علاقات التشابك الإقليمي من خلال ربط تنمية المناطق الصحراوية والساحلية ببقية أقاليم الجمهورية، والعمل على تنوع البيئة والموارد الطبيعية لكل محافظة بحيث تمتد حدود كل محافظة لتشمل قدر الإمكان حدود بحرية وزراعية وصحراوية، ويكون لكل محافظة ظهير صحراوى يسمح لها بالتمدد العمرانى مستقبلا للحفاظ على الرقعة الزراعية، مع تخصيص ميناء وحدود للمحافظات التي تقع على البحر. وأضافت أن التقسيم سيحد من الهجرة العكسية لسكان المحافظات القديمة التي تفتقر إلى المشروعات التنموية والاستثمارية، إلى جانب إقامة طرق طولية وعرضية سيزيد من فرص التنمية والاستثمار وتنشيط حركة رأس المال، وتشجيع تدفق صناعات جديدة، وتحسين البنى التحتية في المناطق المتخلفة، وتبدأ الدولة حاليًا بإنشاء 3200 كم كمرحلة أولى من شبكة الطرق للتدعيم اللوجيستي والتنقل بين المحافظات وسهولة النقل. وأوضحت أن التقسيم سيؤدي إلى تنشيط حركة التجارة من خلال السماح بوصول بعض المحافظات الحبيسة إلى شواطئ البحر الأحمر، مما سيزيد من عمليات التصدير ويفتح آفاقا جديدة للتنمية والاستثمار في مجالات الترانزيت والعمل البحرى،و من ناحية أخرى زيادة التكامل والاندماج مع الاقتصاد العالمي. وأوضحت الدراسة أن عملية إعادة ترسيم تواجهة عدد من التحديات على رأسها توفير مصادر تمويلية جديدة، كما أن تعظيم الجدوي الاقتصادية من هذه المشروعات يتطلب إقامة صناعات كبرى تتمتع بعلاقات ترابطية بدلًا من الاكتفاء باستخراج بعض منها وتصديرها كمواد خام، فضلا عن ضرورة توفير مشروعات للبنية الأساسية والخدمات العامة والاجتماعية، وإنشاء مؤسسات حكومية جديدة، وهوما يصعب توافره في ظل ارتفاع عجز الموازنة العامة للدولة، وانخفاض حجم الموازنة الاستثمارية، إلا أن توافر الإرادة السياسية الآن كفل الكثير من الحلول الاقتصادية التي تدعم هذه الحلول وهي على سبيل المثال،ترويج وتسويق المشروعات في هذه المحافظات. واستكملت الدراسة التحديات الاخري كصعوبة اجتذاب الاستثمارات وخاصة الأجنبية منها في ظل الضبابية التي يعيشها مناخ الاستثمار الآن، فعلى سبيل المثال هناك تخوفات بشان ما يثار حاليا من اعداد قانون جديد للاستثمار الموحد. وأكدت أنه على الرغم من تاكيد وزارة التخطيط على إدراج البعد المكاني في خطط التنمية، إلا أنه من الناحية التطبيقية غالبا ما ينصب اهتمام الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية على البعد الزمني للمشروعات، فعلى سبيل المثال فقد اقتصر توزيع الحزم التمويلية الإضافية في برنامج الخطة العاجلة لتنشيط الاقتصاد والتاسيس للعدالة الاجتماعية على البرامج وأبواب الموازنة العامة للدولة دون بيان البعد المكاني. وأوضحت الدراسة أن إعادة رسم الخريطة السكانية لمصر يستتبع زيادة الطلب على الخدمات الأساسية كالمياه والطاقة، والمرافق العامة وهو ما تفتقر اليه العديد من المحافظات القائمة بالفعل، فعلى سبيل المثال تضم محافظة أسيوط 50 منطقة صناعية لم يتم وضع مرافق إلا ب 25% فقط من مساحتها. كما يعاني نحو 75% من المساحة من عدم اكتمال أعمال المرافق. وأضافت أن المحافظات الحدودية كمحافظتي شبه جزيرة سيناء تتمتع بطبيعة خاصة تعظم من أهمية الاعتبارات الأمنية والاجتماعية عند إعادة ترسيم حدودها، مطالبة بضرورة تفعيل دور التشريعات والقوانين سواء في التطبيق أو المتابعة والرقابة لضمان استمرار التنمية العمرانية المتوازنة، والعمل على تطوير وتنمية الجهاز الإداري للدولة، وإعطاء المحافظات دور أكبر في رسم وتنفيذ ومتابعة السياسات العامة والخطط الاقتصادية للدولة،وضع رؤية شاملة لنظام التمويل، والتسويق للمشروعات المزمع إقامتها، تطوير نظام المتابعة المالية للإنفاق الفعلي للاستثمارات، والاستفادة من نتائج المتابعة في تصحيح قرارات التخطيط المختلفة، إعادة توزيع خريطة الاستثمارات وتوطين الصناعات مع تخصيص الجزء الأكبر للمناطق الأكثر حاجة استرشادا بخريطة استهداف الفقر، مع العمل على توفير الخدمات الأساسية والعمل على دعم شبكات الضمان الاجتماعي في المناطق المزمع إنشاؤها، وإعادة هيكلة أسلوب تنفيذ مشروعات البنية الأساسية ومشروعات الخدمات بمشاركة القطاع الخاص،تنشيط اليات التمويل العقاري لزيادة حركة النشاط العمراني.