مصطلح الأمن القومى عرف بعدة مفاهيم على مر الزمان لتغير المؤثرات والعوامل التي يمكن أن تعتبر تهديدًا للدولة، وطور المفكرون تعريفه بما يتناسب مع ظروف كل دولة، ما أدى إلى ظهور عدة مفاهيم للأمن القومي، تختلف من دولة لأخرى ومن مؤرخ لآخر، لكن في معظمها تركزت على القوة العسكرية باعتبارها سلاح الأمن، وتلاها الاقتصاد كونه الأمن الحقيقى لكل مواطن، وأخيرًا التنمية باعتبارها حامى حمى البلاد ضد أي مكروه. ويدور تعريف الكاتب الأمريكى والترليبمان «1974-1889» أيضا في القوة والإطار العسكري، قائلا «الدولة تكون آمنة، عندما لا تضطر للتضحية بمصالحها المشروعة لكى تتجنب الحرب؛ وتكون قادرة على حماية تلك المصالح، وأن أمن الدولة يجب أن يكون مساويًا للقوة العسكرية والأمن العسكري إضافة إلى إمكانية مقاومة الهجوم المسلح والتغلب عليه». وكذلك تعريف أرنولد ولفيرز «خبير العلاقات الدولية 1892-1968»: «الأمن الوطنى يعنى حماية القيم، التي سبق اكتسابها وهو يزيد وينقص حسب قدرة الدولة على ردع الهجوم، أو التغلب عليه»، ويشبه هذا التعريف ما سبقه، في الاعتماد على القوة العسكرية، لكنه يشير إلى أنه يمكن ردع الخصم بامتلاك القوة دون الدخول في صراع مسلح معه، مشيرا أيضا إلى أن الأمن الوطنى ومفهومه متغير طبقا لقدرة الدولة على الأداء، وهى نقطة مهمة في الوصول إلى مفهوم جيد. غير أن تعريف فريدريك هارتمان «المفكر الأمريكى 1908-1991»، «الأمن هو محصلة المصالح القومية الحيوية للدولة» أكثر مرونة، لشموله على المصالح الوطنية والحيوية معا، في محصلة لتفاعلهما لِتُكَوينْ أمن الدولة، ودون تحديد لها إذ هي من المتغيرات الدائمة، وقد تختلف من موقع لآخر، أو من عصر لآخر كذلك، كما أنه لم يشر إلى القوة العسكرية، باعتبار المصلحة الدفاعية إحدى المصالح الوطنية الحيوية. وفى اعتقاد وزير الخارجية الأمريكى الأسبق والسياسي الأشهر هنرى كيسنجر «الأمن هو التصرفات التي يسعى المجتمع عن طريقها إلى حفظ حقه في البقاء، ويشير هذا التعريف مباشرة، إلى استخدام عناصر القوة المختلفة، وليس العسكرية فقط، بلا توضيح لشرعية تلك التصرفات، أو تحديد لتوقيت استخدامها، مما يترك المفهوم مفتوحا لتصرفات عدوانية، ولاشك أنه من منطلق تمتع الدولة، التي ينتمى إليها كيسنجر، بالعديد من عناصر القوة، التي تتيح لها القيام بالتصرفات المشار إليها في التعريف، مع ضمان نجاحها من دون أن تضع في الاعتبار إمكانات الآخرين لحفظ حقهم في البقاء، ويفسر بعضهم هذا التعريف أنه باختصار «الغاية تبرر الوسيلة». ومن تعريفات الأمن القومى عند الأمريكان أيضا ما قاله الكاتب والمفكر تريجر كروننبرج «تشكل القيم الوطنية الحيوية جوهر سياسة الأمن الوطني، ويتحدد الأمن بأنه، ذلك الجزء من سياسة الحكومة، الذي يستهدف إيجاد شروط سياسية دولية ووطنية ملائمة لحماية، أو توسع القيم الحيوية ضد الأعداء الحاليين أو المحتملين»، وفيه تفضيل الجانب العسكري على غيره، وهو ما يعنيه بالقيم الحيوية، التي يجب الدفاع عنها. وينضم إلى نفس القافلة التي ترد التعريف إلى مفهوم القوة، الذي يجب في إطاره أن تكون الدولة، أكثر قوة من جيرانها وخصومها، أو منافسيها خارجيا، تعريف بركويتز ويرك «الأمن الوطنى يعنى حماية الدولة، من الخطر الخارجي». وفى المقابل هناك اتجاه ثانٍ يعتبر الجانب الاقتصادى هو الأكثر فاعلية في تحقيق الأمن القومي، ويمثله تعريف لورنس كروز، والذي قال «الأمن هو غياب التهديد بالحرمان الشديد من الرفاهية الاقتصادية»، ويعود هذا التعريف إلى مفهوم القوة والتهديد بالحرمان الشديد من الرفاهية، في مفهومها المادى المحسوس، وهو الجانب الاقتصادي، مشيرا إلى أهمية القوة الاقتصادية كركيزة رئيسية للأمن الوطني. ومن مؤيدى هذا الاتجاه هولسن ويلبوك، بتعريفه «الأمن هو الأهداف التي تسعى الدولة لتحقيقها من خلال السياسات والبرامج، والعمل على توسيع نفوذها في الخارج، أو محاولة التأثير على سلوك الدول الأخرى أو تغييره»، وعلى الرغم من أن هذا التعبير في جزئه الأخير، يعود إلى حالة العدوانية بالتوسع والتأثير على سلوك الآخرين وتغييره، إلا أنه يضع مفهوما جديدا عما سبقه، وهو ضرورة السعى إلى تحقيق الأهداف، التي هي في مفهومها تعادل الأمن، من خلال التخطيط ووضع السياسات والبرامج والعمل على تنفيذها. وبين القوة العسكرية والاقتصاد، هناك اتجاه ثالث يعتبر التنمية بصفة عامة هي أساس الأمن القومي، ويمثل هذا الفكر تعريف وزير الدفاعى الأمريكى سابقا روبرت ماكنمارا «الأمن عبارة عن التنمية، ومن دون التنمية لا يمكن أن يوجد أمن، والدول التي لا تنمو في الواقع، لا يمكن، ببساطة، أن تظل آمنة». ماكنمارا وهو رجل اقتصادى وسياسي أيضا، عبر بتعريفه هذا عن مفهومه للأمن الوطني، بكلمة واحدة شاملة، هي «التنمية» والتي تشمل أبعادا كثيرة، فهى تنمية عسكرية واقتصادية واجتماعية، وتنمية للموارد وللدولة والمجتمع، وللعلاقات الخارجية والسياسة الداخلية، كما أنه لفت النظر إلى أن التنمية تعنى في مضمونها، أيضا، استمرار الحياة، وهو ما كان يؤكد عليه الآخرون، ويخصونه بالتعريف، وربط ماكنمارا بين التنمية والقدرة على النمو والأمان. ومن جانبه، يرى اللواء علاء عز الدين - رئيس مركز الدراسات الإستراتيجية بالقوات المسلحة- أن مفهوم الأمن القومى تطور مع الزمن، فقديما كان يقصد به القوة العسكرية فقط وقدرتها على حماية الحدود، ثم أضيف لهذا المفهوم أبعاد أخرى من أمن اجتماعى واقتصادي، وأيضا إنسانى والذي يعد أسمى أنواع الأمن لأنه يحقق متطلبات حياة الإنسان برفاهية وكرامة وحرية، وما إلى ذلك من مفاهيم تضمن للإنسان حقوقه في حياة كريمة، لذلك أصبح من ضمن مفاهيم الأمن القومى قدرة الدولة على تحقيق الرفاهية لشعبها وتحقيق التنمية والحفاظ على كيانها وحق البقاء، وهكذا تطور المفهوم طبقا لمفكرين كثيرين. عز الدين أضاف أن أحدث هذه المفاهيم والذي سوف يعتمد قريبا هو «قدرة الدولة على حفظ كيانها وحقها في البقاء ضد أي تهديد حاليا أو مستقبلا، داخليا كان أو خارجيا في ظل منظومة من القيم وحد أدنى من التآلف الاجتماعى والسياسي والاقتصادى والعسكري وقاعدة علمية وتكنولوجيا ذاتية، بما يمكنها من التأثير في البيئة العالمية والإقليمية للحفاظ على مكتسبات الشعب وتحقيق التقدم والرفاهية»، معتبرًا أن هذا أشمل مفاهيم الأمن القومي، كونه يمس القيم والأخلاقيات كدين وعقائد وأيديولوجيات، وكذلك يمس الوحدة الوطنية عبر التآلف بين مختلف الأديان والمذاهب، وأيضا التآلف بين الكبار والصغار، وحضر وبدو وريف، ورجال ونساء، أي كل ما هو مختلف في الوطن الواحد لا بد أن يكون بينهم تآلف اجتماعي، والذي يؤدى بدوره إلى وحدة وطنية، كذلك يمس أيضا السياسة الاقتصادية عن طريق نمو اقتصادى قوى قائم على الاعتماد على الذات بشكل كبير، ويهدف المفهوم أيضا إلى قوة عسكرية ذاتية وإن كان يمكن الاعتماد على التعامل مع الأشقاء وقت الخطر، وقاعدة علمية وتكنولوجية لأنها أساس تطوير المجتمعات. غير أن الدكتور فخرى الفقى - المستشار السابق بصندوق النقد الدولى - أوضح أن مفهوم الأمن القومى من الناحية الاقتصادية يعنى ضمان مستوى معيشى كريم لكل فرد من أفراد المجتمع؛ وهذا لن يتحقق إلا بتحقيق التنمية المستدامة بأبعادها المختلفة وبمعدلات نمو حقيقى مرتفعة لفترات ثبات طويلة، وأن يتم توزيع ثمار هذا النمو بصورة عادلة، أو أن تحقق التنمية العدالة الاجتماعية، وأيضا أن يكون صديقا للبيئة، بمعنى أن نتقدم اقتصاديا دون أن نؤثر في البيئة من زيادة تلوث وغيرها مما يضر بحياة الفرد، ويندرج تحت مفهوم الأمن القومى الاقتصادى - وفقا للدكتور الفقى - بعض المعايير التي لا بد لها أن تتحقق، وأهمها توفير الأمن الغذائى والأساسى للمواطن «الطعام والمياه والمسكن»، وأمن علاقات اقتصادية متوازنة مع العالم الخارجى دون الوقوع تحت هيمنة الدول الكبرى اقتصاديا بما يضر وضع الدولة الاقتصادي، وأيضا توفير مصادر للطاقة بصورة دائمة ومضمونة سواء من الداخل أو الخارج والدفاع عنها، فهى أساس تحريك عجلة الإنتاج كلها في العالم، فمثلا كان تدخل أمريكا في حرب العراق والكويت بهدف حماية مصادر الطاقة التي تعتمد عليها في المنطقة لأن ضياع مصادر الطاقة يهدد أمنها القومي.