أسئلة كثيرة تدور حول مغزى الهجوم الذى قام به المجلس العسكرى على منظمات المجتمع المدنى فى مصر، والذى لم يحدث من قبل حتى فى عز جبروت مبارك، وهل المجلس وصل إلى هذه الدرجة فى علاقاته مع أمريكا حتى يحتجز مجموعة من النشطاء الأمريكيين بما فيهم ابن وزير النقل الأمريكى راى لحود الذى يدير المعهد الجمهورى بالقاهرة ؟ علاوة على التنكيل بعدد من منظمات المجتمع المدنى المصرية الأكثر نشاطا ودفاعا عن الدولة المدنية. دعنا نقر بحقيقة لمستها فى كل من قابلتهم فى واشنطن، بما فى ذلك أعضاء الكونجرس المتشددون تجاه مصر، وهى حرص الجميع على مدى أهمية العلاقات المصرية الأمريكية لمصالح أمريكا فى الشرق الأوسط ، والتى بدا أن الطرف الأمريكى هو الأكثر حرصا عليها من الطرف المصرى. المسألة الأخرى أن تشدد المجلس العسكرى تجاه منظمات المجتمع المدنى يسهل اندفاع الولاياتالمتحدة لتعميق علاقاتها مع الإخوان المسلمين. فى تقديرى أن صدام المجلس مع المجتمع المدنى يعود إلى عدة أمور: أولا: تحريات جهاز المخابرات المصرية حول أسباب الثورة حيث توصلت إلى خطورة المجتمع المدنى النشط على النظام السياسى، وأنها راكمت ثقافة مدنية وحقوقية على مدى عقود كانت من الأسباب الرئيسية فى اندلاع ثورة 25 يناير. ثانيا: فى السنوات الأخيرة من حكم مبارك، وامتد ذلك إلى ما بعد الثورة، بات الخوف الأكبر على النظام يأتى من الداخل، وليس من الخارج،ومن هذا المنطق يقول المجلس ماذا ستفيدنى العلاقات مع أمريكا أو أوروبا إذا كانت فى النهاية تساعد منظمات تشكل التهديد الأساسى لوجودى السياسى ذاته؟. ثالثا: رغم أن المنظمات غير الحكومية محكومة بقوانين ولوائح صارمة ومراقبة من قبل أجهزة الدولة الأمنية المختلفة ، وكل أنشطتها علنية، ولا تتسلم أى معونات إلا بموافقات خاصة، إلا أن كل ذلك لم يعد يكفى، وكأن لسان حال النظام يقول نعم نعرف كل شيء عنها، ولكن فى النهاية هذا النشاط خطر علينا سواء علمنا به أم لم نعلم،لقد كانت الفلسفة وراء السماح لهم بالنشاط هو التنفيس، ولكن هذا التنفيس ذاته خلق ثورة غضب، ومن ثم هذه المنظمات تشكل عدوا لنا. رابعا: ارتفاع نبرة نقد بعض هذه المنظمات للمجلس العسكرى، وصدى ذلك السلبى فى الخارج. خامسا: إن هذه المنظمات النشطة والفاعلة هى غالبا تحت إدارة اليسار المصرى والليبراليين، وهؤلاء يشكلون قلب الثورة النابض، وهم يؤمنون بضرورة استمرار الثورة، وعليه صنفهم المجلس العسكرى كأعداء. سادسا: إن هجوم الإخوان أيضا على هذه المنظمات له دوافعه المعروفة، فهؤلاء هم دعاة الدولة المدنية، وهم بهذا يقفون ضد مشروع الإخوان للدولة الدينية، وهم الذين ساهموا فى تثوير المجتمع ضد نظام مبارك، وهم مستعدون لنفس العمل لو استبد الإخوان بالحكم، ولهذا من الأفضل من وجهة نظر الإخوان الإطاحة بهم مبكرا. سابعا: إن المجلس العسكرى كان حريصا على ال 1.3 مليار دولار التى تأتى للجيش من أمريكا سنويا عندما كان المجلس مسئولا عن الجيش فقط، ولكن المجلس تحت يديه موارد مصر كلها حاليا، ولن يضيره فقدان هذا المبلغ ،لأن الموارد أكثر، والمنافع أكبر والغنيمة كبيرة. ثامنا: تشكل علاقة الأمريكيين بالإخوان أيضا نقطة حاسمة فى هذا الموضوع، لقد تحالف المجلس العسكرى مع الإسلاميين لحماية ظهره فى الشارع من الثوار، وفى نفس الوقت اتخذ دور الراعى الرسمى والوكيل الحصرى لتقديمهم إلى الأمريكان، ولكن أمريكا تجاوزت المجلس وفتحت حوار واسعا وسريا مع الإخوان مما همش المجلس، وزاد من هواجسه تجاه مخطط الامريكان. تاسعا: معظم الانتقادات الأمريكية الرسمية تصب تجاه المجلس العسكرى مع انتقادات خفيفة للإسلاميين، ربما يعود ذلك إلى أن المجلس العسكرى هو الذى يدير الفترة الانتقالية، ولكن المجلس فسرها على خطة أمريكا لإحلال الإسلاميين بدلا منه. عاشرا: يشعر المجلس بأن أمريكا تخلت عن حليفها حسنى مبارك بسهولة ، وهى ليس لها أمان، ولهذا ربما يخطط المجلس عندما تتأزم الأمور إلي السعى لبطولة جماهيرية كما فعل عبد الناصر متخذا من العداء لأمريكا طريقا نحو زيادة شعبيته تمهيدا للانفراد بالسلطة.