كتب : بهاء الدين محمد العلاقات المصرية الأمريكية غاية في الأهمية، وبخاصة في المرحلة الإنتقالية، ليس لأن الولاياتالمتحدة يمكنها التأثير علي الثورة فحسب، ولكن أيضا لأن الدولتين تربطهم علاقات إستراتيجية متشعبة تتعلق بالأمن الوطني والغذائي المصري وبالمساعدات العسكرية والإقتصادية بالإضافة إلي الديون. وفي سياق الحديث عن المساعدات الأمريكية/ الأجنية، أقنعت هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية، الكونجرس بإلغاء مليار دولار من الديون المصرية، وسعت إلي تقديم 65 مليون كمعونة إقتصادية لتعزيز الديمقراطية (بما فيها دعم الأحزاب السياسية)، 100 مليون كمساعدات إقتصادية. وفي حين رحبت مصر بالمساعدات الإقتصادية وبتخفيض الديون، أعلنت رفضها الغاضب لتقديم مساعدات للأحزاب الجديدة؛ لأنه أمر داخلي ويتعارض مع القوانين المصرية. كما رفضت مصر عرض بقيمة 3 مليار دولار مقدم من صندوق النقد الدولي وعرض بمليار دولار من البنك الدولي؛ لأن تلك المساعدات تتطلب إصلاح إقتصادي وتعزيز الشفافية.
في مقالة بصحيفة "لوس أنجلوس تايمز" تحت عنوان"جهود الولاياتالمتحدة المؤيدة للديمقراطية ينظر إليها بطريقة خاطئة في مصر" بتارخ 10 أغسطس 2011، أكدت الصحيفة أن جهود الولايات المستمرة لتعزيز الإصلاحات الديمقراطية فى مصر «ينظر إليها بشكل خاطئ». وخلقت إضطراب في علاقات واشنطن بأحد أقرب حلفاءها في العالم العربي، وأشارت إلى أن المجلس العسكرى صور الجماعات التى تحصل على التمويل الأمريكى وكأنها تعمل لحساب حكومة أجنبية. وأن المجلس خاض معركة وراء الكواليس عدة شهور، لمنع واشنطن من اعطاء الأموال إلى الجماعات المؤيدة للديمقراطية خارج نطاق الإشراف المباشر للحكومة المصرية.
وذكرت المقالة إنعكاسات وتداعيات هذا الملف –التمويل الأمريكي- علي العلاقات المصرية- الأمريكية، فمن تداعياته، التأثير السلبي علي العلاقات الثنائية، وتقويض التأثير الأمريكي، وتصاعد نبرة العداء تجاه أمريكا في الخطاب السياسي المصري، وقلق مصر تجاه النوايا الأمريكية المتعلقة بمنح 1.3 مليار دولار كمساعدات عسكرية، وأن نسبة تأييد أو قبول الرأي العام المصري للولايات المتحدة –وفقا لإستطلاع مؤسسة زغبي الدولية- وصل إلي 5 % اي أقل من مثيلة أثناء ولاية جورج بوش. ومن تداعيات "الأزمة" أيضا، قيام المجلس العسكري بتبني سياسة خارجية مستقلة أكثر مما سبق، وإستعداده لقبول 17$ مليار كمساعدات من دول سلطوية مثل السعودية ودول الخليج، وكذلك إتهاك الجيش 600 منظمة بطلبها الحصول علي مساعدات أمريكية، وتأكيد علي السلمي نائب رئيس الوزراء علي أن الحكومة "ترفض أي تمويل خارجي للحركات المصرية تحت ستار دعم الديموقراطية".
ومن ناحية أخري، فإن المنظمات الغير حكومية خائفة من الحصول علي تمويل أجنبي حتي لا تتهم بالخيانة أو الجاسوسية؛ حيث توجه أصابع الإتهام إلي المنظمات الغير حكومية؛ تطبيقاً لنظرية المؤامرة التي تتأسس علي أن الولاياتالمتحدة وإسرائيل وقوي خارجية تسعي لخطف الثورة، وهذا ما أدعاه أيمن الظواهري قائد تنظيم القاعدة، بالفعل في تسجيل صوتي، حيث أكد أن الولاياتالمتحدة تسعي لإغتصاب الثورة للحفاظ علي مصالحها. ويسود إنقسام بين دعاة الإصلاح في مصر حول جدوي قبول/ طلب المساعدات الأمريكية؛ فهناك العديد من الإصلاحين يروا أن مصر ينبغي أن تؤسس نظامها السياسي الجديد بدون تدخل خارجي، بينما يؤكد آخرون أن المعونة الأمريكية ليست ذات أهمية حاسمة. ويؤكد أ.د.مصطفي كامل السيد أن "نفوذ الولاياتالمتحدة في مصر لم يكن عميقا علي كل حال، وأنها -أمريكا- لن يؤثر علي الثورة". وقد أعلن بعض جمهوريين بمجلس النواب، أن المساعدات العسكرية لمصر يجب أن تخفض/ تقطع في حالة وجود مشاركة الإخوان المسلمين أو آية فصائل إسلامية في الحكم مستقبلاً.
خلاصة القول، إن ملف التمويل الأجنبي الذي ليس هناك إتفاق علي المستويين الرسمي والشعبي حول قواعد التعامل معه، كما يسوده الغموض والمبالغة وتبادل الإتهامات بالتخوين والعمالة، يمكن أن يؤثر بشدة علي علاقات مصر الخارجية، وبخاصة في حالة كونه جزء من نزعة عدائية للغرب ولنشاط المجتمع المدني الذي يبدو ضحية لممارسات الإستقطاب وعنف ثنائية "قبول أو رفض" التمويل الأجنبي. وحل تلك المعضلة يتطلب حوار مجتمعي حول آليات وشروط قبول التمويل الأجنبي وأوجه إنفاقه والكيفية التي يتم بها طلب التمويل وإنفاقه وفق أولويات المجتمع، وبناء علي الحوار بين منظمات المجتمع المدني والرأي العام والمؤسسات الحكومية المعنية يتم صياغة قواعد قانونية تنظم المسألة علي أكمل وجه كبديل لقانون الجمعيات الأهلية الذي يتعرض لإنتقادات حادة؛ لأنه لا يحقق رقابة حقيقية للدولة علي نشاط منظمات المجتمع المدني من ناحية، ومن ناحية أخري لا يوفر إستقلال حقيقي لمنظمات المجتمع المدني وحرية نشاطها وفعاليتها في تحقيق أهدافها الحقوقية والتنموية