فجأة ودون مقدمات قررت نقابات «الأسنان والصيادلة والعلاج الطبيعى والمهندسين والفنون التطبيقية» رفض قبول خريجى الجامعات الخاصة وقيدهم في جداولها، إما لعدم اعترافها بتلك الجامعات أو لاشتراطها تقديم شهادات الثانوية العامة للتأكد من حصول الخريج على مجموع لا يقل عن 5% من تنسيق قبول الجامعات الحكومية وقتها، ليست تلك الأزمة فحسب، بل للأمر زاوية أخرى تعرضها تلك النقابات، تتعلق بحاجة سوق العمل لخريجين جدد، والمستوى العلمى والمهنى للخريجين بداعي انخفاض المستوى الأكاديمى في الكليات الخاصة. القرار أشعل حربًا بين مجالس إدارات النقابات والجامعات الخاصة، وتدخل فيها وزير التعليم العالى السيد عبد الخالق، ليعلن مساندته الجامعات الخاصة، وتحذيره النقابات المهنية بالمساءلة القانونية في حالة الاستمرار في إعلان رفض قبول خريجى الجامعات الخاصة إلا بعد الاطلاع على شهادة الثانوية العامة، وتحقيق شرط ال 5%. وتستند النقابات في موقفها إلى الدستور، فأكد الدكتور محمد سعودى -وكيل نقابة الصيادلة- أن الدستور قبل القانون يحمى النقابات المهنية ويعلنها مستقلة من خلال المادتين 76 و77 اللتين تنصان على استقلال النقابات واعتبارها شخصيات اعتبارية يحق لها وفقًا للقانون أن تنظم عضويتها والقيد فيها، وهو ما يعززه قانون النقابة العامة للصيادلة في حق لجنة القيد في قبول المتقدم لعضوية النقابة من عدمه، منوهًا إلى أن من حق المتضرر من ذلك اللجوء للقضاء. وبحسب الدكتور سعودى هناك إصرار من جانب نقابة الصيادلة على تفعيل القرار، واستحالة تسجيلها لطالب حاصل في الثانوية العامة على مجموع 70%، مضيفًا أن النقابة خاطبت المجلس الأعلى للجامعات الحكومية ومجلس الجامعات الخاصة عن عدد المقبولين في كليات الصيدلة، وحددتتهم ب 3 آلاف طالب فقط، وهو ما ناقض الواقع الذي يوضح أن كليات الصيدلة العامة فقط قبلت هذا العام 10 آلاف طالب، وقبول الكليات الخاصة 5 آلاف طالب، وهو ما يزيد على احتياجات السوق المصرية في الوقت الحالى، والمتشبع تمامًا بالصيادلة ولا يحتاج إلى تخريج صيدلى واحد خلال ال 5 سنوات المقبلة. سعودى أشار إلى أن عدد الصيادلة في مصر تجاوز المعدلات العالمية بمراحل كبيرة، والتي تسجل صيدليًا واحدًا لكل 5000 مواطن، بينما في مصر وصل الأمر إلى صيدلى واحد لكل 1425 مواطنًا، فضلا عن أن طالب الصيدلة يتكلف خلال مراحل دراسته 250 ألف جنيه بالجامعات الخاصة، مما يعد إهدارًا للأموال في أوجه غير مفيدة بالمرة. كما أوضح الدكتور محمد عبداللطيف -عضو مجلس النقابة العامة لأطباء الأسنان، نقيب القاهرة والجيزة- أنه تم قبول ما يقرب من 9 آلاف طالب قبل هذا العام من كليات طب الأسنان على مستوى الجمهورية، مضيفًا أن طب الأسنان هو تخصص واحد من التخصصات الطبية، ورغم ذلك عدد الملتحقين به سنويًا يوازى عدد المقبولين بكليات الطب البشرى، ومن غير المنطقى أن تقبل 32 كلية لطب الأسنان -مقسمة بالتساوى بين حكومية وخاصة- هذا العدد، بينما يوجد أكثر من 30 تخصصًا آخر في الطب البشرى يشهد عجزًا في الأطباء. الدكتور عبداللطيف حذر من أنه في حالة استمرار معدل قبول الخريجين في كليات طب الأسنان على هذا الحال، فإن وزارة الصحة ستضطر إلى إلغاء التكليف لضخامة أعداد أطباء الأسنان، مؤكدا أن مصر أكبر منتج لأطباء الأسنان في العالم، فالعدد الحالى في جداول النقابة 50 ألف طبيب أسنان بواقع طبيب لكل 1800 مواطن، وهو أمر غير مقبول لا سيما أن أعداد أطباء الأسنان ستتضاعف خلال 3 سنوات لتجاوز مصر المعدلات العالمية بطبيب أسنان لكل 900 مواطن، وهو ما يجزم عبداللطيف بأنه غير محقق في أي مكان في العالم، ضاربًا المثل بالمملكة المغربية التي يبلغ تعداد سكانها 35 مليون مواطن ورغم ذلك لا يوجد بها إلا كليتان للأسنان، أيضًا المملكة المتحدة بدولها الأربع «إنجلترا – أيرلند الشمالية- إسكتلندا- ويلز» بها 28 كلية طب أسنان فقط. ويستطرد عبداللطيف أن النقابة اتخذت قرارًا في جمعيتها العمومية غير العادية في يناير 2013 بعدم الاعتراف بأى كليات طب أسنان خاصة بعد تاريخ انعقاد الجمعية، وهو ما خالفه الرئيس المعزول محمد مرسي بالتصديق على إنشاء 3 كليات طب أسنان خاصة جديدة بعد تاريخ قرار الجمعية العمومية، موضحًا أن تلك الكليات لا ينطبق عليها شرط ال 5%، بل إن خريجيها غير معترف بهم من النقابة ولن تقبل طلبات قيدهم من الأساس. إهدار للمال ويتفق عبداللطيف مع سعودى في أن إلحاق أولياء الأمور كل أبنائهم بكليتى طب الأسنان والصيدلة هو إهدار للمال، بعد أن أعلنت النقابتان إغلاق باب القيد أمام طلاب الجامعات الخاصة في حالة عدم انطباق شرط ال 5% عليهم، فأوضح الأول أن طالب كليات الأسنان الخاصة يتكلف في المصاريف العادية طوال سنوات دراسته 300 ألف جنيه، بخلاف مصاريف الكورسات الموسمية والدراسات العليا، وهو ما اعتبره إهدارًا للأموال من قبل أولياء الأمور في أمل كاذب أن يعوض الابن بعد تخرجه ما أنفق على تعليمه بجنى ملايين الجنيهات من عمله بطب الأسنان، وهو أمر غير ممكن في ظل وجود 300 كرسى أسنان يعمل عليها 6000 طبيب في مستشفيات وزارة الصحة. نقابة المهندسين لم تكن هي الأخرى بعيدة عن الصراع مع الجامعات الخاصة، بعد أن اشترطت النقابة أن يكون تنسيق الجامعات الخاصة أقل من التعليم الحكومى بنسبة 5 % كحد أقصى شرط قبول الطلاب في النقابة. وقال المهندس طارق النبراوى، نقيب المهندسين، إن النقابة ملتزمة بهذا القرار ولن تحيد عنه، خاصة أن هناك عددًا كبيرًا من شباب المهندسين لا يجدون عملا، في ظل تجاهل كثير من الجامعات الاهتمام بتلك المشكلة لتفتح الأبواب على مصراعيها لكل من يريد الالتحاق بالكلية، وهو أمر ترفضه النقابة.
أما نقابة مصممي الفنون التطبيقية، فتعرضت إلى محاولة خداع بعد أن قامت إحدى الجامعات الخاصة بادعاء وجود أقسام ديكور ويمكن دخولها من القسم الأدبى، وهو ما يخالف المتعارف عليه، خاصة أن جميع الكليات الخاصة بالفنون التطبيقية هي كليات عملية ولا يجوز دخولها من القسم الأدبى. وتسببت تلك الإعلانات المبكرة في اجتماع مجلس نقابة مصممي الفنون التطبيقية، وإعلان موقفها من الجامعات الخاصة بأن هناك بعض الشروط للالتحاق بالنقابة على رأسها أن يكون الطالب من شعبة العلمى، بالإضافة إلى أن يكون تنسيق الجامعات الخاصة أقل بنسبة 5 % كحد أقصى عن الجامعات الحكومية. تجمد علمي أما عن المستوى العلمي المطلوب لتخريج طبيب يخدم المهنة ويحقق مصلحة المريض، يقول الدكتور سامى سعد، نقيب العلاج الطبيعى، أن النقابة فوجئت بظهور 11 كلية خاصة هذا العام، ليصل عدد كليات العلاج الطبيعى الخاصة إلى 13 كلية مقابل 3 كليات حكومية فقط، وهو ما يعتبره خطرًا على المستوى العلمى والمهنى لطلاب كليات العلاج الطبيعى التي لا يوجد بها أعضاء هيئات تدريس قادرون على استيعاب أعداد المتقدمين للدراسة، مشيرًا إلى أن النقابة اتخذت قرارًا بوقف قيد خريجى كل الجامعات الخاصة إلى حين التزامهم بمعايير التعليم العالى وتقديم خدمة تعليمية جيدة، خاصة أن مستوى المحاضرين أصبح لا يؤهل طالب العلاج الطبيعى لعلاج المريض بأحدث سبل العلاج نتيجة غياب هيئات التدريس القادرة على مواكبة آخر ما توصل إليه الطب في العلاج الطبيعى. غير أن سعد أبدى رغبته في زيادة أعداد الجامعات الحكومية وإغلاق نظيرتها الخاصة، رغم تخرج 8 آلاف طالب سنويًا من كليات العلاج الطبيعى، معللًا ذلك بانخفاض المستوى العلمى بها على عكس الكليات الحكومية، مؤكدًا حاجة سوق العمل داخل مصر وخارجها إلى زيادة أعداد خريجى العلاج الطبيعى، لذلك رفعت النقابة دعاوى على 4 جامعات خاصة «بدر وحورس ومصر الصينية والجامعة الحديثة»، لمخالفتها معايير التعليم الجامعى. مجلس الجامعات الخاصة لم يقف مكتوف الأيدى أمام قرارات النقابات، بل أعلن عدم اعترافه بما اتخذته النقابات من قرارات، وهو ما جاء على لسان الدكتور جمال نوارة -الأمين العام لمجلس الجامعات الخاصة- مؤكدًا أن قرار النقابات الخمس غير قانونى، وأن وزير التعليم العالى السيد عبدالخالق أعلن من قبل عدم قانونية هذه القرارات، معتبرًا في تصريحات صحفية سابقة أن إقدام النقابات على الامتناع عن قيد أي من خريجى الجامعات الخاصة يضعها تحت طائلة القانون. ويعود نوارة ليؤكد أن القانون يحدد حق الخريج الحاصل على بكالوريوس في الالتحاق بالنقابة المهنية التابع لها، لافتًا إلى أن شرط ال 5% لا وجود له في الأساس، وأن الجامعات الخاصة ارتفعت فيها مجاميع القبول بعد التكدس الذي تشهده الجامعات الحكومية. واعتبر أن ادعاء النقابات المهنية والطبية منها بعدم حاجة سوق العمل لخريجين جدد غير صحيح، جازمًا بأن القائمين على تلك النقابات لا يملكون دراسات حقيقية لحاجات سوق العمل ليصرحوا بذلك.