- «دولة كمال الجنزورى» «حكومة على كل شكل ولون».. هذا أقل ما يمكن أن نصف به حكومة رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب، فالرئيس السابق لشركة المقاولون العرب ما إن يخلع عباءة رئيس وزراء ويقتبس أحد مشروعاته حتى يرتدى أخرى بمشروع جديد. هذه المرة ارتدى محلب عباءة رئيس الوزراء الأسبق الدكتور كمال الجنزورى عبر بوابة مشروع توشكى والحديث عن إعادة إحيائه، خصوصًا أن الجنزورى تولى رئاسة الوزراء، خلال الفترة من «1996 إلى 1999» أثناء حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك والذي كلف الدولة، بحسب التقديرات الأولية أكثر من 7 مليارات جنيه، ولم تتحقق الإنجازات المرجوة منه. لا شك في أن الدكتور كمال الجنزورى هو البطل الأول لقصة كفاح توشكى، بعد أن طرح المشروع في الفترة الأولى له وبدأ التنفيذ وخصص له ميزانية، ثم اختفى الجنزورى في الفترة من 1999- 2011 واختفى معه المشروع، والذي حاول الجنزورى أن يجعله عجلة جديدة للإنتاج والزراعة والتوسع بعيدًا عن منطقة وادى النيل. وبعد اختفاء دام 12 عامًا لم نسمع له تصريحا واحدا طوال هذه الفترة، ظهر الدكتور كمال الجنزورى بعد ثورة 25 يناير 2011 مع الإعلامية منى الشاذلى يصرخ كاشفًا عن تعرضه لتضييق إعلامي كبير من نظام مبارك دون إبداء أسباب ذلك. وفى سياق متصل، وبعد تزايد الاعتراضات والضجر ضد حكومة الدكتور عصام شرف أول حكومة بعد ثورة يناير، فاجأنا المجلس الأعلى للقوات المسلحة في 25 نوفمبر 2011، بتعيين الدكتور كمال الجنزورى رئيسًا للحكومة ومنحه كافة الصلاحيات، وهو القرار الذي واجهه شباب الثورة باعتراضات واسعة وحاولوا منع الجنزورى من دخول مبنى رئاسة مجلس الوزراء. وبعد أن استقر الجنزورى بدأت الأزمات تظهر بشكل واضح منها أزمة المحروقات والمواد البترولية، وهو ما جعل الجنزورى يغض الطرف عن حلمه الأول مشروع توشكى ليواجه أزماته مع الشارع. ومع وصول الإخوان للحكم في الفترة من 30 يونيو 2012 حتى 3 يوليو 2013، اختفى الحديث عن مشروع توشكى نهائيًا مع تصاعد الحديث عن مشروع محور تنمية قناة السويس الذي كان يعد العمود الفقرى لبرنامج الرئيس المعزول محمد مرسي. وبعد الإطاحة بالإخوان دخلت البلاد في مرحلة من فوضى التظاهرات وغاب مشروع توشكى عن الأذهان حتى وصل الرئيس عبدالفتاح السيسي لقصر الاتحادية، ليوجه بعد شهر واحد فقط من حكمه المهندس إبراهيم محلب لزيارة توشكى للوقوف على الوضع الحقيقى هناك ولإحياء حلم مشروع توشكى أو حلم الجنزورى -إذا صح التعبير - وإنقاذ أكثر من 7 مليارات جنيه، والاستفادة من 540 ألف فدان. ورغم أن الجنزورى هو صاحب الخطة العشرينية، التي بدأت عام 1983 وانتهت في2003 تجاوزت مصر خلالها ثلاث خطط خمسية وتجاوزت مرحلة الانهيار، وفقًا لرؤية كثير من الخبراء، إلا أن الرجل كان حريصًا على أن يرسم ملامح صورة جديدة لا تستند لشيء سوى ما يستطيع إنجازه. كان في ذهن الجنزوري، منذ الوهلة الأولى لإطلاق مشروع توشكى، أن الفرصة مواتية لتطبيق أفكاره عن التخطيط الشامل وتكوين قاعدة اقتصادية ينهض على أساسها الاقتصاد المصرى ولن يتم ذلك إلا عبر دور فعال وقوى للدولة، وبالفعل كانت مصر على موعد مع الإعلان عن إحياء عددٍ من المشروعات القومية الكبرى، أولها بدأ في عهد الجنزورى مشروع توشكى، وذلك عقب تكليف السيسي المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء بإعادة استصلاح 4 ملايين فدان، وأن المليون فدان المستهدف استصلاحها كمرحلة أولى تضم 180 ألف فدان في منطقة توشكى. هنا تجدر الإشارة إلى أن المساحة الخاصة بمشروع توشكى سيتم ريها سطحيا من الترع المخصصة لذلك وليس اعتمادًا على المياه الجوفية، بحسب تصريحات وزير الزراعة عادل البلتاجي، الذي أوضح كذلك أن البنية الداخلية لكل فدان تبلغ تكلفتها 10 آلاف جنيه ومن ثم فإن التكلفة المالية لاستصلاح ال180 ألف فدان في توشكى تبلغ مليارا و80 مليون جنيه.المتابع للأحداث داخل مؤسسة الرئاسة يعى جيدًا الدور القوى الذي لعبه الدكتور الجنزورى لإقناع الرئيس السيسي بفكرة الاستفادة من المشروعات العملاقة المتوقفة. وثمة أمر آخر أن الجنزورى هو المستشار الوحيد في الفريق الرئاسى للمستشار عدلي منصور رئيس الجمهورية السابق الذي لم يقدم استقالته ل«السيسي»، وظل يقدم النصح والإرشاد لكونه محل ثقة كل القيادات العسكرية بداية من المشير محمد حسين طنطاوى رئيس المجلس العسكري السابق وصولا للرئيس عبد الفتاح السيسي، وظهر ذلك جليًا أثناء جلوسه بجوار الرئيس في حفلات تكريم خريجى ضباط الكليات العسكرية. «الجنزوري» يؤدى دوره كمستشار اقتصادى للرئيس وصاحب الفضل في إقناع السيسي بإعادة استصلاح توشكى وعودته للحياة مرة أخرى. أحمد المسلمانى المستشار الإعلامي السابق لرئيس الجمهورية أدلى بدلوه في مشروع توشكى وتناول قصته وقدم كتاب «الكتاب الأبيض» للرئيس السيسي، والذي يحتوى فصلا شارحًا لكيفية الاستفادة بمشروع توشكى من خلال عدد من الدراسات والأبحاث لنخبة من المصريين خريجى الجامعات الأجنبية الذين التقى بهم المسلماني....