عامان من الكر والفر مرا على بدء الصراع الدامي في سوريا, قبل أن يتفضل, ويتكرم أصحاب القرار الدولي بإصدار أوامرهم لأتباعهم, بقبول الحوار, بحثا عن مخرج سياسي للأزمة, وهو الأمر الذي طالما رفض من قبلهم. الكر والفر أيضا كان عنوان الأزمة المصرية يوم الجمعة 15/02/2013, حيث تبادل الشباب الغاضب وقوات الأمن قذائف المولوتوف, ومدافع المياه والخرطوش, ناهيك عن القبض العشوائي على الثوار, وتعذيبهم حتى الموت, وكأن ثورة لم تقم ضد الظلم قبل عامين من الآن. الكر والفر ليس قاصرا على ميدان التحرير أو أمام قصر الاتحادية, فقد فر من مصر ودول ما يسمى بالربيع العربي أكثر من ثمانية مليارات دولار إلى الإمارات العربية المتحدة, ناهيك عن المائتي مليار التي وعدنا بها مرسي على لسان ياسر علي, والتي لم تأت أصلا ولن تأتي نظرا لإصرار الإخوان وحكومتهم الكرة تلو الكرة, على إبقاء هذا الدستور الانقسامي, وأخونة ما تبقى من كيان الدولة. هكذا ستبقى حكومة مرسي الإخوانية, تكركر وعودها واعتذاراتها, وتفر من استحقاقات, لا يمكن الفرار منها, وسيبقى الثوار يكررون تظاهراتهم واشتباكاتهم مع الأمن يوم الجمعة, الذي أصبح موعدا ثابتا للتظاهر يخلد بعده القصر الرئاسي للنوم يوم السبت؛ محتفلا (بانتصاره الأسبوعي الوهمي),وكأن شيئا لم يكن في انتظار أن يتعب الثوار أو تنهار الدولة, أو أن يضغط الأمريكي في توقيته الملائم على الإخوان للقبول بالحوار الجدي مع المعارضة, بعد أن يصل الكيان المصري بأسره إلى حالة الانهيار. هكذا تجمد تفكير الجماعة الحاكمة عند هذا الحد, وهذا أقصى ما وصل إليهم اجتهادهم السياسي وربما كانت هذه خلاصة النصائح التي يقدمها لهم إخوانهم القطريين والأتراك الذين وعدوهم بالمن والسلوى, ثم تركوهم يواجهون الضياع والضباع, التي تحيط بهم من كل جانب. ولأن المخلوع كان يعتمد على أصدقائه السعوديين والإماراتيين في الخروج من أزماته المالية الطاحنة، في حين تحول هؤلاء الآن إلى خصوم, وهم في أفضل الأحوال قد قرروا تركهم يواجهون مصيرهم المحتوم لوحدهم. ولأننا لا نرى أي بقعة ضوء يمكن أن تخرج مصر من أزمتها التي تتفاقم يوما بعد يوم, فالذي نوقن به أن معارك الكر والفر الأسبوعي التي تبدو وكأنها بلا غالب ولا مغلوب, لا بد أن تنتهي بمغلوب ولا يبدو هذا بعيدا.