ذراع سياسى .. وساق اقتصادى! ليس معروفا من اخترع وصف حزب الحرية والعدالة بأنه الذراع السياسى لجماعة الإخوان المسلمين.. ولكن معروف أن هذا الوصف راق للإخوان، والدليل أنهم صاروا يستخدمونه كثيرا، حتى بات وصفا شائعا الآن فى الوسط السياسى. وذراع الإنسان له وظائف عديدة من بينها التقاط الأشياء، وتناول الطعام، وارتداء الملابس، وأداء التحية والترحيب بالآخرين، بل والتعبير عن الحب بتأبط ذراع الحبيب، وأيضا التعبير عن الغضب والتحذير، واستخدامه فى الضرب أو الصفع أحيانا.. وهنا نحتار أى استخدام من تلك الاستخدامات تنطبق على الذراع السياسى لجماعة الإخوان، أم أنه سوف يستخدم فى كل هذه الأغراض؟! لكن كونه ذراعا سياسيا فهذا يعنى أنه يستخدم هنا فى تمكين جماعة الإخوان من السلطة عبر العملية الانتخابية.. وهذا ما حدث فعلا.. فهذا الذراع هو الذى خاض الانتخابات البرلمانية، وحقق المركز الأول بين كل الأحزاب المتنافسة فيها. غير أن الجماعة كلها، وليس ذراعها السياسى وحده، هى التى تمكنت من السلطة.. وهذا ما يؤكده كلام قادتها حول خطط الإخوان فى إدارة شئون البلاد خلال المرحلة القادمة وبرامجهم المختلفة.. حتى أن الذى يشرف الآن على إعداد هذه الخطط هو مكتب المرشد الذى ليس عضوا فى حزب الحرية والعدالة، وهو ما يوصف بأنه مخ الجماعة.. وهكذا المخ هو الذى يحرك الذراع السياسى. والمنافسة السياسية بهذا الشكل بين أحزاب سياسية وذراع سياسى لجماعة افتقدت التكافؤ، لأن هذا الذراع السياسى امتلك ما لا تملكه كل هذه الأحزاب، وهو انتماؤه لجماعة تسانده وتدعمه.. بل إنه باعتباره ذراعا سياسيا لها فهو عضويا جزء منها تجرى فى عروقه ذات الدماء، ويعتمد عليها فى غذائه وحياته، تماما مثل الذراع البشرى بالنسبة للإنسان.. ولم يكن ثمة سبيل لتحقيق هذا التكافؤ سوى واحد من أمرين.. إما أن يؤسس كل حزب شارك فى الانتخابات جماعة خاصة، غير معروف عنها شيء، مثل العضوية والتمويل، ويتحول إلى ذراع سياسى لها على غرار الذراع السياسى لجماعة الإخوان، وإما أن يصفى الإخوان جماعتهم فور تأسيس حزبهم، حتى تتنافس الأحزاب فيما بينها على قدم المساواة، دون أن يتميز حزب عن بقية الأحزاب بوجود ظهر تنظيمى قوى يسنده. لكن لا هذا ولا ذاك حدث، وتمت الانتخابات البرلمانية وهناك ذراع سياسى لجماعة الإخوان ينافس أحزابا لم تنل حظ أن تكون مثله أذرعا سياسية لجماعات مثل جماعة الإخوان، ولم تقنع الإخوان بتحويل ذراعهم السياسى إلى كائن سياسى كامل وتصفية جماعتهم أو تحويلها إلى جماعة أهلية. فالإخوان يدركون من خبرة السنين الطويلة التى مرت عليهم أن فقدان الإنسان ذراعه قد يعوقه، ولكنها لا تقضى عليه.. وهو يستطيع أن يعيش ويحيا بصحة جيدة بدون ذراع.. بل إنه يستطيع أن يعوض هذا الذراع الآدمى بتركيب ذراع صناعى.. وكان غريبا أن نتجاوز عن هذه البدعة السياسية العجيبة التى تستحق أن تضاف لعجائب الدنيا السبع.. حتى هؤلاء المنشغلون الآن بالتصدى للمجلس العسكرى قرروا أن يقبلوا هذه البدعة وأن يتسامحوا مع أصحابها، رغم أن نظام جماعتهم يقوم على السمع والطاعة، على كل ..ما دام ذلك حدث، وسبق السيف العذل، ولم يعد ممكنا تصحيح هذا الخطأ، فإنه لم يعد أمام المنافسين السياسيين لجماعة الإخوان سوى مطالبتها بالكشف عن ساقها الاقتصادى، على غرار ما فعلت مع ذراعها السياسى، الذى نعرف الآن قادته وأعضاءه ونوابه فى البرلمان، وأيضا برنامجه السياسى.. فهذه الساق هى التى تقف بها على الأرض وتتحرك بها فى أنحاء المجتمع وبين الناخبين.. وهى التى مكنتها من تمويل الحملات الدعائية الانتخابية لمرشحى ذراعها السياسى، والأهم حققت لها نفوذا ومكانة داخل البلاد.. وأتمنى ألا يخرج علينا أحد من الإخوان ليقول لنا إن الكشف عن الساق حرام، مثل حرمة لمس المرأة الخيار والموز والتى يقول بها بعض السلفيين.. ولذلك سوف يحتفظون بساقهم الاقتصادية مغطاة تطبيقا لأحكام الشريعة!