صدر عن مكتبة الإسكندرية العدد السابع عشر أبريل 2014، من مجلة ذاكرة مصر، ووثقت الباحثة سوزان عابد لضابط من الجيش المصري زار الأراضي الحجازية بصحبة آلة التصوير الفوتوغرافي الخاصة به ليكون بذلك أول من قدم لنا أدب الرحلات مزودًا بصور فوتوغرافية عن الحجاز. فكما كان لمصر السبق في أن تكون أولى المدن الأفريقية التي تعرف الصور الفوتوغرافية عقب اختراع آلة التصوير بشهرين عندما التقطت أول صورة فوتوغرافية في الإسكندرية في 4 نوفمبر 1839م لمحمد على باشا في قصر رأس التين؛ كان لها أيضًا السبق في أن يكون أحد رجالها العظام هو أول من التقط صورًا فوتوغرافية للمدينة المنورة والكعبة المشرفة؛ لينقل لنا صورة حية لشعائر الحج والعمرة، إنه محمد صادق باشا الرحالة المصري الضابط والمهندس والجغرافي. ومحمد صادق باشا ضابط ورحالة مصري ولد في القاهرة عام 1822م والتحق بالمدرسة الحربية بالخانكة التي صقلت فيه العديد من المواهب؛ فطلبة المدرسة الحربية لم تكن دراستهم قاصرة على فنون القتال والإستراتيجيات العسكرية فحسب، بل كانوا أيضًا يدرسون الرسم والطبوغرافيا وتقنيات رسم الخرائط والمساحة، ولنبوغ صادق باشا وتفوقه تم اختياره ليكون من ضمن أعضاء البعثة العلمية المسافرة إلى باريس ليتلقى فنون الحربية هناك. وكان برفقته في هذه البعثة اثنان من أبناء إبراهيم باشا بن محمد على؛ وهما الخديوي إسماعيل والأمير أحمد، ثم عاد إلى مصر في عهد محمد سعيد باشا وعُين مدرسًا للرسم في المدرسة الحربية بالقلعة؛ الأمر الذي ساعد صادق باشا في أن يكون ذا عقلية متفتحة يواكب مستجدات العصر ويحرص على اقتناء أدوات القياس الحديثة. وتقول عابد: لقد ذاعت شهرة محمد صادق باشا بين أقرانه من الكُّتاب والمثقفين من خلال مؤلفاته عن الحج وشعائره، هذه المؤلفات التي كتبها بدقة بالغة بالساعة والدقيقة، كما قدم مجموعة رائعة من الصور الفوتوغرافية التي التقطها بنفسه ليصبح بذلك أول من التقط صورًا فوتوغرافية لمكة والمدينة، فقد زار صادق باشا الأراضي الحجازية أكثر من مرة؛ الأولى كانت عام 1860م، والثانية في عام 1861م، وأعقبها بزيارات أخرى كثيرة بعضها بصفة رسمية وبعضها بصفة شخصية في عام 1880م وعام 1884م وعام 1885م. أما الرحلة الأكثر أهمية لصادق باشا فكانت في عام 1880م أي بعد مرور عشرين عامًا على زيارته الأولى في 1860م، وقد دوَّن تفاصيل هذه الرحلة في كتابه الثاني الأكثر شهرة بين جميع مؤلفاته وهو "مشعل المحمل".. رسالة في سير الحاج المصري برًّا من يوم خروجه من مصر إلى يوم عودته مذكور بها كيفية أداء الفريضة. وانتهت رحلات صادق باشا بمجموعة من المؤلفات المهمة التي لا غنى عنها لكل حاج أو معتمر، بالإضافة إلى مجموعة من الصور الفوتوغرافية النادرة؛ تحتفظ بها اليوم بعض المكتبات في المملكة العربية السعودية، وهناك نسخة أخرى من إحدى هذه الصور - وهي عبارة عن صورة بانورامية للكعبة - لدى متحف كلية الآثار بجامعة القاهرة، وصلت إليهم كإهداء من الجمعية الجغرافية المصرية، وقد عمل فريق الترميم بالمتحف على الحفاظ على هذه الصورة البانورامية المهمة وترميمها بأحدث الوسائل لتظل شاهدًا على براعة رجل مصري عاش في رحاب مصر المحروسة، وتوفي فيها عام 1902م بعد أن ترك لنا سجلاًّ حافلًا بالأعمال القيمة.