الهتاف هز «الأزهر» فى جنازة الشيخ عماد عفت: «يسقط حكم العسكر». الكنيسة اهتزت من قبل تحت نفس الهتاف... وفى جنازة شهداء ماسبيرو. الشوارع كلها تهتف: لا نريد جمهورية عسكرية.. لا جنرال يحكمنا ولا يحمينا... ولا جنرال يرتدى ملابس مدنية.. ولا جنرال يحكم بصفقة مع التيار الغالب فى البرلمان. لا نريد العسكر. لا نريد الدولة الأمنية. الدولة الأمنية مصمصت أرواحنا... وتدخلنا فى دوامة كذب لا نهائى. تقتنص حق التسميات فتسمى الثوار مخربين، كما سمى السادات الانتفاضة الشعبية انتفاضة الحرامية، وكما سمى مبارك معارضيه القلة المندسة. أهم يختزلون البلد كله فى ثكنتهم. يتوحد الجنرال مع بدلته ويتصور نفسه فى معركة مع الجميع لتظل بيادته تدب فى الأرض. لا يريد أن يسمع سوى دبيبها، صوتها المقزز المرعب، وهى تدوس كل ما تبنيه البشرية. البيادة كسرت الروح. وأصابت الجمهور الكبير بالعمى. يشاهدون القتل ويحاكمون القتيل. يرون الحقيقة مصورة وينكرون أنهم صناع المشهد. مصر كلها تهتف لا نريد الدولة الأمنية التى لا ترى إلا نفسها ولا تعيش إلا على جثث الشعب وكرامته المهدورة. الجنرال الحنون زار أمس الفتاة التى سحلها وعرى جسدها.. زارها بابتسامة أب، وحنان دولة كاملة. المجروحة طردته من حجرتها. أنهت تمثيليته التى عشنا مثلها 60 سنة كاملة، لكنها وصلت الآن إلى وضع يريدون فيها أن نشرب العلقم بعد أن حررنا مصانع السكر وقررنا أن نقيم دولة تليق بمجتمع صنع ثورة. لكنهم يتصورون أننا أسراهم. ونحن لسنا أسرى لكنهم احتلال بكل ما تعنيه الكلمة من منع للإرادة وكسرها من معنى. ماذا يريدون؟ هل تريدون دولة بلا شعب لتصنعوا شعبكم من جديد.. شعبكم المغيب فى بالوناته.. كل منهم يعيش فى بالونة ويخشى عليها من الانفجار.. فيضيع البلد إذا أصر شباب حر على الوصول إلى الحرية. هذا ليس شعبا. إنهم بقايا قطعان عبيدكم. تسمونها شعبا وتحتمون خلف غفلتهم. هم من استعداهم مبارك قبل السقوط، وأنتم تجيشونهم الآن بخطاب تحريضى: ثوار التحرير.. سيفجرون بالوناتكم.. حاربوهم لكى تعودوا إلى حياتكم المستقرة. الاستقرار الذى يعنى عودة كل شىء إلى قديمه. البيادة إلى وضعها فوق الرؤوس (بغض النظر عن نوع البيادة أو أناقتها أو ورنيش تلميعها). والشعب إلى سكنه الدائم أمام تليفزيون يمسح عقله ويثنى روحه... والبلد إلى حكم لا إرادة فيه إلا لمن بيده الغلبة والسيطرة وهى شرعية الدولة العسكرية وإن ارتدت ألف قناع أو غيرت ألف زى. إنها الدولة الأمنية تدافع عن نفوذها وتستعيد به الشارع. الرسالة واضحة: الشارع ليس محررا، إنه تحت سطوة الدبابة، والكتائب التى ليس عندها سقف فى الانتهاكات لتستعيد سلطتها. ضابط المباحث عاد مرة أخرى إلى تجميع البلطجية ليهاجموا التحرير. وقادته عادوا إلى الإدارة السرية للشوارع.. هذه ليست إلا انتفاضة الدولة الأمنية... ضد شباب لا يملكون سوى ذراعهم العارية وحلم وشجاعة لم يكن أحد يتصور أنها ستواجه آلة عنف بهذه الشراسة وتواصل الحلم إلى النهاية. نعم.. إلى نهاية الدولة.