السادة قادة المجلس العسكرى، تحية طيبة وبعد: مقدمه لسيادتكم مواطن ممتلئ بالرعب، فقد نجحت خططكم الاستراتيجية فى بث الخوف فى نفسى لدرجة أنى أمشى وأنا أتلفت خلفى، أنا فعلا خائف على نفسى، فمن الممكن أن ينقض علىّ أى ضابط عسكرى يرتدى قناعا أسود، فيضربنى ويهيننى، وأنا عضمة كبيرة لا أستحمل الضرب المبرح، ثم يجرنى إلى محاكمة عسكرية تعقد فى أحد مطابخ الجيش، ويحكم علىّ سريعا، أسرع من طهى «الكوسة» على النار، بخمس سنين وربما سبع، فقضاتكم كما سمعنا يهوون الأرقام الفردية، وخائف أيضا أن يهبط ابنى إلى أى شارع من الشوارع القريبة من ميدان التحرير فتطلقون عليه النار، أو تدهسون جسده بمدرعة، ثم تقسمون بالأيمانات المعظمة أن الفاعل طرف ثالث، وأخاف أن تجروا ابنتى من شعرها وتمزقون ملابسها ثم تدوسون على جسدها العارى بالأحذية الغليظة، أنا لا أتخيل يا سادتى فقد رأيت كل هذا بالصوت والصورة، وشاهدت ماذا تفعلون بأولاد الناس، ومن المؤكد أنكم حريصون على نشر هذه الصور لإثبات تفوقكم وأنكم فوق المحاسبة، ومهما تقدم الصور من أدلة دامغة فلن يحاسبكم أحد، أعرف أنكم مثلى تخافون على البلد، وكل واحد منا له مصالحه، مصالحى من لحم ودم، إخوة وأبناء وأصدقاء، أناس يعيشون فى هذا الوطن الذى أصبح خطرا عليهم بفضل وجودكم، ومصالحكم شركات وعقارات ومزارع تخافون عليها، ولكن لا تنسوا أننا الزبائن، وكلما قتلتم واحدا منا قلّ عدد الزبائن، وقلّ الذين يعملون لحسابكم بأبخس الأسعار، ليتكم تعرفون أن مصالحنا ليست متعارضة، ولا يوجد مبرر للإيغال فى القتل واستخدام هذا العنف المفرط، نعرف أنكم كنتم مرتاحين مع النظام القديم، كان يكتسب شرعيته منكم ويطلب رضاكم لذلك سمح لكم بكل هذه الاستثمارات الهائلة التى جعلتكم تتحكمون فى 40% من الاقتصاد المصرى، حلال عليكم، ولكن مصالحكم تعارضت مع النظام فى السنوات الأخيرة عندما جاء جمال مبارك وشلته من رجال الأعمال، وكلهم فاسدون، لذلك أصبح هو ورجاله عنصرا بالغ الخطورة عليكم، وقد أدركتم ذلك حين ذهب سيادة المشير إلى الرئيس مبارك يستأذنه فى إقامة مصنع للأسمنت، وقال له الرئيس إن عليه أن ينسق مع جمال أولًّا، هنا استشعرتم خطورة المنافس، وأن هذا الشاب الذى كان يشاع عنه أنه شاذ جنسيا سوف يتدخل فى هذه الاستثمارات ويقيم أمامكم العراقيل، وبيّتم النية على خلعه، خصوصا أن الشقيقة الكبرى الولاياتالمتحدة لم تكن تريده، ولكن الشعب تدخل وخلع جمال وأبيه ونظامه قبل أن تتحركوا أنتم من مواقعكم، ومع زوال جمال وشركائه اعتقدتم أن الثورة قد انتهت وأن الجو قد صفا لكم تماما، وهو قد صفا لكم بالفعل، فهؤلاء الشباب فى ميدان التحرير وبقية الميادين المصرية لا يوجد فيهم أى رجل أعمال، ليسوا منافسين لكم، ولا يحلمون بذلك، فى أحسن الأحوال سيتجند منهم من يتجند ليأخذ أجرا لا يساوى ثمن المواصلات، وسيعمل كل ما تطلبونه منه، أما الذى لن يتجند فسيظل زبونا دائما، حقوقكم مصونة، الشباب الذين خرجوا وسقطوا شهداء لا يريدون فقط إلا حق الدم، الحرية التى خرجوا من أجلها، العدالة التى يتوقون إليها، القصاص من القتلة الذين ما زالوا يواصلون قتلهم، ما الذى يغضبكم فى هذا، لم نطلب أن نشارككم فى أى شىء، لا سلطة ولا ثروة. السادة القادة، حتى الآن لم نكن قد رأينا صورا للجيش المصرى وهو يحارب، وحتى عندما كان يتم الاستعداد لحرب أكتوبر المجيدة، ومعظمكم لم يشارك فيها، اتخذت القيادة المصرية قرارا بعدم التصوير، كانوا بالطبع خائفين من أن تتكرر هزيمة 67 وتكشف الصور من هو المسؤول عنها، وكل صور الحرب التى نشرت بعد ذلك إما أنها قد أعيد تمثيلها، وإما أنها مأخوذة من المصادر الغربية، وهذا يفسر ندرة صور الجيش المصرى وهو يخوض قتالا حقيقيا، ولكن هذه الصور أصبحت متوفرة الآن وبغزارة، يشاهدها العالم على الهواء تقريبا، لقد رأيت بعينى هذه الصور وهى تحتل الصفحات الأولى فى معظم الصحف العالمية، وأعتقد مشهد الذروة فى هذه الصور هو مشهد هجوم التحرير، فالجنود يهجمون بكل اندفاع على اثنين من الشبان يحاولان مساعدة سيدة محجبة، ويسحلون الثلاثة تماما ضربا بالعصى ودهسا بالأقدام، ثم جر الجنود السيدة على الأرض بعد أن عروها من ثيابها، ويتواصل الهجوم وفى مقدمته ضابط باسل يطلق النار من مسدسه، حتى يصلوا إلى خيام المتظاهرين فيقتلعونها من أوتادها ويقومون بحرقها، أخيرا رأينا الجيش المصرى وهو يقاتل، وهو يسحق الأعداء، تماما كما رأينا الجيش الإسرائيلى وهو يسحق الفلسطينيين، ولا يوجد فرق يذكر، فهل هذه هى الصور التى تريدون أن يحفظها التاريخ فى ذاكرته للجيش المصرى. كم قتيلا سقط فى هذه المعارك؟ ثلاثون عند ماسبيرو، أربعون فى شارع محمد محمود، عشرة حتى الآن فى معركة مجلس الوزراء، والعدد قابل للزيادة، فلنقل إن المجموع ستون شهيدا، إذا استثنينا المصابين وهم بالآلاف، إذا قسمناهم على أعضاء مجلسكم الموقر، فسيكون نصيب كل واحد منكم ثلاثة شهداء، كم وساما تحملون فوق صدوركم؟ هل هى أكثر من عدد الشهداء؟ أجل يا سادتى، دمهم معلق فى رقابكم جميعا، لا يوجد أحد قادر على محاسبتكم الآن، ولكنكم ستذهبون حتما إلى رب الحساب فى يوم الحساب وستجدون أسماءهم ووجوههم البريئة مقيدة فى صفحتكم، فى صفحة واحد منكم ذنب ثلاثة شهداء من خيرة شباب مصر، خرجوا يطالبون بالحرية لوطن لم يذقها طوال حياته، لم يطلبوا مجدا ولا مالا إلا ثواب الشهادة، تاركين لكم كل المجد وكل ما فى الأرض من ثروات. السادة، أكتب هذه المقالة وأنا أكاد أموت رعبا، لأن ثورتنا الجميلة قد تحولت إلى كابوس مخيف، والفضل لكم. ولكم خالص التحية وأسمى آيات الاحترام.