أعلن الدكتور الجنزورى عند توليه مهامّ منصبه الرفيع عن تفهمه لمواقف واحتجاجات الشباب من «أبنائه وأحفاده» وحرصه على اللقاء معهم والاستماع إليهم فى أى وقت، ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل أكد وزير داخليته الجديد عن التزام وزارته بعدم استخدام العنف مع الثوار بأى صورة من الصور حتى اللفظية منها. ثم بادر المجلس الأعلى للقوات المسلحة عند انتهاء مشاورات تشكيل المجلس الاستشارى فأعلن عن ضم بعض الشباب إلى عضويته وتبع ذلك إعلان رئيس الوزراء أنه سيعين مساعدين من الشباب لبعض الوزراء. وعليه ساورنا الأمل بأن تدل هذه الإشارات على بوادر نيات طيبة للإشراك الفعلى للمواطنين المصريين من الشباب فى عملية صنع القرار فى مرحلة ما بعد ثورتهم السلمية غير المسبوقة، ظنا منا أن هذا هو الوضع الطبيعى، ليس فقط لأن هؤلاء الشباب الشجعان قد تصدوا لإحداث أكبر تغيير شهدته مصر خلال عقود طويلة، ولكن أيضا لأن ذلك هو ما يحدث فى العالم بأسره.. إعطاء الفرصة للشباب وتخلى الأجيال الأكبر سنا عن احتكار السلطات.وفى خلال ذلك كله استمر المعتصمون أمام مجلس الوزراء فى التمسك بموقفهم تعبيرا عن الاحتجاج على التشكيل الوزارى الذى لا يعكس التوجه الثورى، وعن عدم وقف المحاكمات العسكرية، وعن عدم تسوية مستحقات أهالى الشهداء وعلاج المصابين، وبدا لنا أن السلطات الحاكمة تتقبل حقهم فى التعبير السلمى عن احتجاجهم، لكن فى نفس الوقت وتزامنا مع ما سبق ذكره وبرغم انشغال الإعلام بأنواعه بالمرحلة الثانية للانتخابات البرلمانية، فقد فوجئنا بتصاعد لافت للنظر فى ذلك الإعلام لنبرة مهاجمة من يحتج أو يتظاهر أو يعتصم من الشباب بعنف شديد من قبل نفس الشخصيات، المتكرر ظهورها بنجاح ساحق قبل وبعد الثورة على جميع القنوات الفضائية، لتحاضرنا حول تهور الشباب وعدم إدراكهم «ظروف البلد» وأن خبرة الكبار لا تعوض بحماسة الشباب وأن هؤلاء قلة مندسة تقبض من الخارج وتعمل ضد الوطن. وزادنا السادة ضيوف البرامج الفضائية من الشعر بيتا بالتأكيد على أن الشباب الذين يحتجون الآن «شكلهم غير بتوع 25 يناير» وبالتالى أضفنا إلى مصطلحات الثورة بند «مواصفات الشكل المعتمد لبتوع الثورة» وفقا لتعريف السادة الخبراء، وتناسوا جميعا بجرأة يحسدون عليها أنهم كانوا يتنافسون على الظهور مع هؤلاء الشباب «عديمى الخبرة» منذ أشهر قليلة فى جميع البرامج ليثبتوا أنهم طول عمرهم ثوريين «من أيام الجيزة». وبهذا أصبح هؤلاء الشباب بين مطرقة السلطة وسندان النخبة «المثقفة» ليتم التضحية بهم وبمواقفهم أمام الرأى العام بقسوة لا تتفق مع أهدافهم النبيلة وأحلامهم الشابة، مستعدين عليهم الشعب المصرى بوصفهم السبب المباشر فى كل ما تمر به مصر من صعوبات اقتصادية ومتهمينهم بأنهم وراء «وقف حال الناس» اللى كان ماشى زى الفل قبل الثورة. ثم نستيقظ (اليوم) الجمعة 16ديسمبر لنصدم بأنباء عن اشتباكات بين قوات الشرطة العسكرية والمعتصمين أمام مجلس الوزراء فى شارع مجلس الشعب لفض الاعتصام بالقوة، وتفاصيل كثيرة وصور أكثر عن أثاث ملقى من أسطح مبانى مجلس الشعب على المعتصمين وخيام محترقة واشتباكات مستمرة ومصابين وجرحى، ذلك كله بالرغم من إعلان الجنزورى منذ أسبوع واحد أن «الدولة قادرة على فض اعتصام مجلس الوزراء فى أقل من ربع ساعة ولكننى أرفض استخدام القوة فى ذلك». وبالتالى ونظرا إلى أنه يبدو أن تغير الحال من المحال فإننى أقترح أن نساعد هؤلاء الشباب فى الحصول على تأشيرات هجرة إلى دول أخرى سبق وأن أبدت إعجابها بهم وبروحهم الثورية المتقدة وبذلك «نريح ونستريح» ونعيش نحن الكبار بخبرتنا وحكمتنا مع بعضنا البعض ونعطى الفرصة للسادة الخبراء التليفزيونيين ومؤيديهم من المسؤولين التنفيذيين أن يورّونا شطارتهم فى إصلاح حال البلد بعد أن تخلصنا من الشباب الذين أوقفوا حالها، حسبنا الله ونعم الوكيل فيكم!