اللى أول إمبارح كان حلم.. بقى امبارح حقيقه.. والنهارده أصبح ذكريات.. إحنا اللى بنتحرك حوالين زمن ثابت.. ولا الزمن بيدور حوالينا.. و احنا اللى فى حالة ثبات.. ■■■ فى بعض الأيام.. يحدث للبنى آدم منا أن يستيقظ مغشلقا.. متأملا فى معجزة صحيانه من النوم.. متفكرا فى وقائع هذا الصحيان.. متسائلا عن الفارق بين إمبارح والنهاردة.. ناظرا إلى ورقة النتيجة ليعرف الرقم الكودى لليوم الجديد.. مترددا بخصوص هل يبدأ يومه الجديد الآن.. ولاَّ ينام كمان شوية.. ولأن الوصول إلى اليقين صعب المنال.. لذلك قد يفكر فى أن فنجان قهوة قد يكون قادرا على فك شفرة الغشلقة الصباحية.. وإدخاله فى مود اليوم الجديد بشكل أسرع.. وهكذا.. يتجه البنى آدم منَّا رأسا إلى المطبخ.. بعد أن يخبط فى باب الغرفة الموارب.. ويتكعبل فى الكليم اللى فى الصالة.. ويشوط الشفشق البلاستيك على أرضية المطبخ.. هذا قبل أن يتوقف أمام البوتاجاز.. ويتلسع من الكبريت الذى يشعله وهو لا يزال مغشلقا.. عندها.. يكتشف البنى آدم منا أن كل تلك الأشياء التى خبط فيها واتكعبل بسببها وشاطها.. ما هى إلا عوامل مساعدة على جعله يتخلص من حالة غشلقة مابعد الصحيان من نوم متقطع ومتوتر.. عندها.. يعلم النبى آدم منا أنه مدعو إلى استكمال الحياة! يتوقف البنى آدم منا أمام البوتاجاز.. يقلب البن فى كنكة القهوة.. يتابع تصاعد دوائر وحلقات الدخان من السيجارة المتدلية من فمه.. والمتزامنة مع فوران البن البطئ والتدريجى فى الكنكة.. هذا الفوران الذى يشبه كثيرا الحالة التى أصبح عليها جهازه العصبى فى الفترة الأخيرة (دا اللى هو البنى آدم منا).. وكما ينبغى على البنى آدم منا أن يتابع فوران جهازه العصبى حتى لا ينفجر.. ينبغى عليه أن يتابع تصاعد وش القهوة فى الكنكة.. حتى لا تفور.. ينبغى عليه أن يطفئ البوتاجاز فى اللحظة المناسبة.. تماما كما ينبغى عليه أن ينسى عذاباته وآلامه فى اللحظة المناسبة.. حتى يستطيع مواصلة الحياة.. ما سيحدث بعدها من أن البنى آدم منا بعد أن يفرغ محتويات الكنكة فى الفنجان ويستدير للخروج من المطبخ سوف يخبط فى الحيطة ما هو إلا مجرد دعوة أخرى مجانية للخروج من غشلقة ما بعد الصحيان من نوم متقطع ومتوتر.. عندها.. يعلم البنى آدم منا أنه مدعو إلى استكمال الحياة! أثناء ارتشاف القهوة واستطعام حبيبات البن فى فمك.. سوف يبدأ الموبايل فى الرنين.. وسوف ترد على ناس كثيرين.. أحيانا بقمة الهدوء.. وأحيانا أخرى بقمة الانفعال.. بعدها سوف يبدأ الباب فى الخبط.. وسوف تفتح لناس كثيرين.. أحيانا بتاع الغاز أو المية.. وأحيانا أخرى فاتورة التليفون.. وأحيانا أخرى بتاع الكهربا.. بعدها.. وأثناء وقوفك تحت شلال الماء الساخن المندفع من فتحات الدش.. سوف تكتشف أن كل تلك الاتصالات والفواتير ما هى إلا مجرد مجموعة دعوات أخرى «مدفوعة الأجر» للخروج من غشلقة ما بعد الصحيان من نوم متقطع ومتوتر.. عندها.. يعلم البنى آدم منا أنه مدعو إلى استكمال الحياة! يخرج البنى آدم منا إلى الشارع.. يذهب إلى أماكن.. يقابل ناس.. يدخل فى حوارات.. يعود مرة أخرى إلى المنزل.. يتابع عقربى الساعة فى طريقهما إلى احتضان بعضهما البعض عند الرقم 12 بعد منتصف الليل.. يقطع البنى آدم منا ورقة النتيجة لمعرفة الرقم الكودى لليوم الجديد.. يضطجع على السرير.. وينام! ينام البنى آدم منا وهو يتصور أنه يعيش على ظهر كوكب الأرض.. بينما هو فى الحقيقة يحمل كوكب الأرض على ظهره.. يتصور أنه جزء من تلك الحياة.. بينما الحياة فى الحقيقة هى اللى جزء منه.. يتصور أنه يلتهم الوقت.. بينما الوقت فى الحقيقة هو اللى عمال يلتهمه.. يتصور أنه يتابع دوران عقارب الساعة حول نفسها.. بينما عقارب الساعة فى الحقيقة هى التى تتابع دورانه حول نفسه.. ينام البنى آدم منا ليستيقظ مرة أخرى مغشلقا.. متأملا فى معجزة صحيانه من النوم.. يدوس زر الراديو.. ينطلق من السماعات صوت «شادية» مُحمَّلا ببهجة الصبح بدرى.. «قولوا لعين الشمس ماتحماشى.. لحسن حبيب القلب صابح ماشى».. يبتسم البنى آدم منا وهو يدفع شيش البلكونة للأمام بكلتا يديه.. تاركا الغرفة للغرق فى أمواج الشمس المتمازجة مع إشعاع صوت شادية.. ينظر للسماء.. يشكرها على منحه تلك الدعوة للخروج من غشلقة ما بعد الصحيان من نوم متقطع ومتوتر.. وعندها.. يعلم البنى آدم مِنَّا أنه مدعو.. إلى استكمال الحياة!