بعد أن ينتهى المهرجان وتعلن الجوائز، ما الذى يتبقى فى الذاكرة ليس بالضرورة الأفلام التى اقتنصت الجوائز، ولكنها الأفلام التى اقتنصت الوجدان. أتذكر فى دبى عرض فيلمين على هامش التسابق.. الألمانى «ثلاثة أرباع القمر» والفرنسى «لو مت سأقتلك»، الفيلمان تتعانق فيهما الأفكار مع الإحساس السينمائى.. فى الأول شاهدت طفلة تركية تعيد تكوين إنسان فى العقد السادس من عمره يرفض بطبيعته الآخر.. أما الفيلم الثانى فإنه استطاع أن يبنى «جيتو» للأكراد داخل باريس. كيف تمكن المخرج من خلق دائرة تحوطها أسوار عالية تسمح للمشاهد بأن يطل على هذا العالم، ورغم ذلك فليست هذه هى السينما التى تحقق بالضرورة الرواج الجماهيرى، هناك سينما أخرى تصنع للتسلية، تشاهدها وكأنك تلتهم «الفيشار» مثل الفيلم الذى افتتح به المهرجان «بروتوكول الشبح» الجزء الرابع لسلسلة «المهمة المستحيلة» التى ارتبطت بتوم كروز.. لا يحرك الفيلم المشاعر، ولكن احتفظت به الذاكرة لأنه يقدم نوعا يحقق إقبالا ضخما فى شباك التذاكر، لأن الأغلبية ترى أن السينما تساوى «القزقزة»!! وفى هذا الفيلم تستطيع أن تعثر على لمحة تعيدنا مرة أخرى نحو 60 عاما إلى ما كان يعرف بالحرب الباردة التى أعقبت الحرب العالمية الثانية بين أمريكا والاتحاد السوفييتى -روسيا الآن- شهدت تلك السنوات التى بدأت فى مطلع الخمسينيات استخدام سلاح السينما على خط المواجهة الساخنة، حيث إن الحرب أدت إلى تقسيم أوروبا والعالم كله ما بين شرق وغرب.. ومن أشهر الأفلام التى قُدمت بروح ساخرة وهى تحمل إدانة لتلك الاتهامات التى تحاكم الإنسان على نياته الفكرية والسياسية فيلم عنوانه «الروس قادمون» الذى كان يحمل رسالة تقول إن الخوف الكامن فى العقول هو الخطر الحقيقى الذى يهدد أمريكا!! خفتت حدة تلك الحرب قبل نحو 20 عاما مع موجة «البروسترايكا»، التى قادها الزعيم الروسى جورباتشوف وأدت إلى سقوط التوجه الشيوعى وإعادة رسم الخريطة السياسية لأوروبا.. إلا أن تحت الرماد نجد عددا من الوقائع والأفلام التى تروى شيئا من الماضى أو تتعامل مع تفاصيل من هذا الزمن تؤكد أن الصراع لم ينته بعد.. الفيلم قدم فى قالب ساخر بوليسى والسخرية تسمح ببعض المبالغات فى الدراما وأيضا الأداء، على شرط أن يدخل المتفرج إلى دار العرض وهو مستعد لشروط اللعبة!! فى العالم كله تستطيع أن تدرك ببساطة أن 80% من الأفلام، هى ما يمكن توصيفها بالسينما التجارية، وهذا النوع من الأفلام تشاهده بقدر من المتعة أو قدر من الغضب على حد سواء، إما أنك تقبل قانونه الفنى أو الدرامى وإما ترفضه، ولا يوجد طريق ثالث، لأن عليك أن تختار وتتحمل النتائج فإذا كانت السينما بالنسبة لك تساوى المتعة، فأنت قد وقع اختيارك على الفيلم الصحيح، ولكن لو كان التأمل هو هدفك الأثير وأنك تريد أن تنعش عقلك ووجدانك بالعمل الفنى بالتأكيد فأنت فى هذه الحالة قد ذهبت إلى الفيلم الخاطئ!! أغلب ما يجرى أمامنا نحن غير مصدقين حدوثه، والعديد من التفاصيل تبعدك عن إمكانية التواصل، ولكنك فقط تصدقها فى حالة واحدة لو أردت ذلك، خصوصا أن مشاهد التفجير مثلا نفذت بحالة بدائية، وبالطبع لا يشفع للفيلم أن البطل توم كروز تحمل العديد من المخاطر وأغلب المشاهد الصعبة بل والمستحيلة حرص على أدائها.. بالتأكيد لولا أنه «توم كروز» ولولا أن الأحداث فى دبى وأن لبرج خليفة البطولة ما كان من الممكن أن يصبح «بروتوكول الشبح» هو فيلم الافتتاح فى مهرجان «دبى»!! تعود المهرجان على انتقاء أفلام مثل «خطاب الملك» وقبلها «مليونير العشوائيات» و«أفاتار» الذى نافس بقوة وحقق أعلى رقم فى تاريخ الإيرادات وغيرها من الأعمال الفنية التى كثيرا ما تحصد الجوائز، ولكنه هذه المرة اختار فيلما للتسلية فقط.. أنا شخصيا على مستوى التذوق الفنى لا أرتاح إلى هذا النوع من الأفلام، فهى لا تعيش أكثر من زمن العرض.. وتنحاز مشاعرى إلى أفلام من نوعية «ثلاثة أرباع القمر» و«إن مت سأقتلك» ولكنى لا أستطيع أن أصادر حق المشاهد الذى يفضل سينما «القزقزة»!!