دون شك فإن الرئيس المخلوع حسنى مبارك كان يفرط فى استخدام القوانين الاستثنائية وإحالة معارضيه إلى محاكم استثنائية وعسكرية.. بل إنه كان عنيدا فى الإصرار على الإبقاء على قانون الطوارئ من أول يوم تولى السلطة فيه، وظل مغتصبها حتى آخر يوم.. بسقوطه فى 11 فبراير. بل وصل الأمر بمبارك وترزيته إلى تقنين المحاكم العسكرية فى إطار «ترقيعاته» للدستور. ولم يستمع مبارك إلى الأصوات العاقلة التى كانت تنادى بعدم إحالة معارضيه إلى محاكم عسكرية.. واستكبر الرجل.. ليسقط فى النهاية ويطالب البعض بمحاكمته بشكل عاجل بعد أن انكشف حجم الفساد الذى كان يديره.. غير اتهامه بقتل المتظاهرين الذين خرجوا فى مظاهرات سلمية.. لكن قابلهم بالرصاص والقناصة. .. ولم يكن الرجل وحده، فقد كان يشاركه فى قتل المتظاهرين أدوات قمعه، وعلى رأسهم وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى ومساعدوه.. وعلى الرغم من أن العادلى ومساعديه ينتمون إلى جهاز الشرطة ويحملون رتبا شرطية عسكرية، وكانوا فى الخدمة وقت التحقيق معهم.. فلم تتم إحالتهم إلى محكمة عسكرية.. وإنما إلى القضاء الطبيعى. وقد كانت هناك أصوات كثيرة فى الثورة وبين الثوار تطالب بالقصاص ممن قتلوا المتظاهرين السلميين وبإحالتهم إلى محكمة ثورية تصدر أحكامها بإدانة هؤلاء، وهو أمر يحدث فى جميع الثورات.. فالمحاكمة الثورية شىء طبيعى، فضلا عن أن هناك عناصر شرطية عسكرية يمكن إحالتها -وبالقانون الطبيعى- إلى محاكمة عسكرية. لكن صوت العقل فى النهاية انتصر.. ذلك الصوت الذى يريد مصر مدنية ديمقراطية حتى فى الفترات الثورية التى يمكن تطبيق الشرعية الثورية فيها.. وتمت إحالة المتهمين (مبارك وأعوانه) القاتلين والمحرضين على القتل إلى محكمة عادية، وأمام قاضيهم الطبيعى، ومن حقهم أن يستدعوا محامين كبارا للدفاع عنهم.. ومنحهم كل الفرص من أجل تقديم دفاعهم. وها هو رئيس المحكمة يمنع بث المحاكمة عبر الهواء، بعد جلستين، وبعد أن كان هو صاحب قرار البث العلنى، بناء على طلب المواطنين، الذين كانوا يريدون رؤية الرئيس المخلوع داخل القفص مهانا ومذلولا بعد أن ذل وأهان المواطنين والوطن خلال سنوات حكمه. يحدث ذلك مع متهمين بالقتل فى الوقت الذى نفاجأ فيه بإحالة مدنيين وناشطين فى الثورة إلى المحاكم العسكرية. فاليوم تنظر المحكمة العسكرية -بعد التأجيل- قضية الناشط لؤى نجاتى، الذى تتهمه السلطات التى تدير وتحكم البلاد بإثارة الشغب.. (أى شغب؟!) فقد ألقى القبض عليه يوم 28 يونيو الماضى، فى ذلك اليوم الذى عاد فيه الأمن المركزى إلى ميدان التحرير لضرب أسر الشهداء الذين تم الاعتداء عليهم بشكل غريب ومريب فى مسرح البالون.. ليصبح الشاب نجاتى هو المتهم، وهو الذى يثير الشغب ويعتدى على قوات الأمن ويمنعها من تفريق المعتصمين فى الميدان.. أيضا الناشطة أسماء محفوظ، التى تم التحقيق معها فى النيابة العسكرية بعد توجيه اتهامات لها تتعلق بإهانة المجلس العسكرى.. لنعود مرة أخرى إلى الخلف والاتهامات المرسلة بإهانة السلطات، ويتم الإفراج عنها من النيابة العسكرية بكفالة 20 ألف جنيه، ليتم إحالتها أمس إلى المحاكمة العسكرية. والأمر نفسه يتكرر مع الناشطة المحامية مها أبو بكر، فى الوقت الذى يدافع فيه المجلس العسكرى عن المحاكمات العسكرية بأنها تحاكم البلطجية والخارجين على القانون فقط.. ومع هذا نرى البلطجية الذين رباهم النظام السابق ورجال أمنه فى الداخلية وفى أمن الدولة، وأطلقوهم أيام الثورة لترويع المواطنين ويعرفونهم بالاسم.. لكن يتركونهم الآن يمارسون البلطجة على الناس. فهل أصبح لؤى نجاتى وأسماء محفوظ ومها أبو بكر، هم البلطجية فى نظر المجلس العسكرى؟! يا أيها الذين فى المجلس العسكرى، إذا كنتم تريدون محاكمة النشطاء فاذهبوا إلى النائب العام.. كما حدث ويحدث مع القتلة ورموز النظام السابق. ويا أيها الذين انكويتم بالمحاكمات العسكرية.. أين أنتم الآن؟! .. ويا أيها الذين تحاولون جنى ثمار الثورة وسريعا.. أين أنتم من المحاكمات العسكرية؟!