لم يكن الشحات سياسيا، ولا مرشحا عاديا، إنه مندوب استطلاع لجحافل تخاف من كل ما هو حديث وتحول خوفها إلى عداوة وحرب. الشحات مندوب حرب، حولته البرامج التليفزيونية إلى مادة تسلية ولعب دور الشخصيات الكارتونية المرعبة فى أفلام الأطفال. إنه الشرير الذى يتصور نفسه يحمل رسالة الخير، هذا ما فعلته الميديا به، ومنافسه فى دور شرير التوك شو، الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل. وهى شخصيات تاريخها ضدها، فهم مجرد دعاة فى قنوات عاشت على الفتاوى الغريبة والخرافية لتكسب جمهورا فقد الأمل كل شىء ويبحث عن تذكرة إلى الجنة. هذه القنوات حياتها فى التطرف، والصدام مع الحياة الحديثة، لأنه من السهل تسريب الشعور بالذنب وتكفير كل تفاصيل الحياة برجعها إلى نمط حياة متخيَّلة. ورغم أن هذا الرجع إلى الحياة المتخيَّلة ضد فكرة أن «الإسلام صالح لكل زمان ومكان» فإن تعذيب المشاهدين بفتاوى تحرم حياتهم هى مازوخية (التلذذ بالألم) يستغلها صاحب الاستعراض التليفزيونى فى تحقيق شعبية أو صناعة مريدين وأتباع يسيرون خلفه ويفتحون الطريق أمامه ليصبح رقما فى معادلة التأثير. الاستعراض التليفزيونى يتحول إلى بديل للحياة، والأبطال فى التوك شو إلى مصدر رعب فى الشوارع. الشحات خسر معركة الديمقراطية، لا لأنه أصيب بلعنة الديمقراطية، لكن لأنه لم يضبط نبرة التكفير وزادها فأحرقته. أصبح هدفا سهلا يمكن اصطياده أو التحالف من أجل النيل منه. لم يتورع الشحات عن تحويل هزيمته إلى هزيمة للإسلام، تحالف فيها الإخوان والنصارى، هكذا بهذه التوصيفات التى تذكّرنا بالأفلام الدينية، خرج شرير التوك شو من الانتخابات، ليعود ربما مرة أخرى فى ثوب الضحية، يغير جلده ويواصل تعذيبه للبشر بتكفير كل ما هو حديث فى حياتهم، وكل ما ينتمى إلى النهضة، والتحضر، إنه مندوب كراهية الحياة تحمله رياح بدائية غشيمة تدمر قيم وروح بلد علّم البشرية الحضارة، وقاوم انحطاط سنوات الاستبداد. الشحات هو بضاعة الاستبداد وإنتاجه المميز، لا يذكرك المظهر الذى اختاره لنفسه إلا بوجوه كفار قريش فى الأفلام الدينية، لأنه فى التركيبة السياسية لعب دور الفزّاعة لا أكثر: هذا ما جنته علينا الثورة.. وهذا هو ما أخرجته الثورة من الجحر.. وهذا ما كان مبارك وأجهزته الأمنية ناجحين فى ترويضه ووضعه فى أقفاص لخدمتهم. الاستعراض التليفزيونى شريك فى اللعبة، إما برغبته فى الإثارة، وإما بخدمته أهداف من يريد أن يكون السلفيون فزاعة، وهو هنا لا يقدم نقدا موضوعيا لظاهرة الشحات وغيره من شريرى التوك شو، لكنه يقدمهم باعتبارهم صورة لرجل دين لا رجل سياسة. مجال السياسة يستدعى الاختلاف والجدل، أما الدين فالاختلاف حوله له مجال آخر، وبين فقهاء متخصيين، وهذا ما يجعل المتفرج مرتبكا أمام هؤلاء الذين يكفرون حياته: لماذا تخلطون بين المجالات السياسية والدينية؟ الدين يمكن أن يكون مرجعية لنظم سياسية كما هو الحال فى بعض دول أوروبا، لكن عندما يتكلم السياسى لا يمكن أن يقول إن هذا كلام الله أو المسيح. الدين مرجعية فى أفكاره الكبرى، لا فى تفاصيله اليومية، واللغة المستخدمة فى المجال الدينى لا يمكن إسقاطها على المجال السياسى. هذا الخلط نتيجته أن لا شىء أهم فى مصر الآن من طول فستان المرأة ونوع لحية الرجل.. وبعد النجاح منقطع النظير للشحات وإخوته فى لعب دور الشرير لا نناقش فى مصر كيف يمكن وضع أسس نظام ديمقراطى بلا وصاية، فإننا سننشغل بنوع المايوه أو بالتدقيق فى علاقة كل رجل وامراة يسيران معا فى الشارع. هذا التشكيك فى الإيمان أو فى اكتماله، والتدخل الفج فى الحياة الشخصية هو استبداد جديد، هدفه هذه المرة إبعاد الناس عن التفكير فى الاستبداد الأصيل الذى يريد استمرار جمهورية مبارك دون مبارك، جمهورية الجنرال المقنَّع بعد تغيير الجنرال وترك القناع لتتحكم فى الدولة أجهزة أمنية تديرها فى الخفاء. نجح شرير التوك شو فى لعب دوره وخسر معركة البرلمان ربما ليعود مثل «مستر إكس» بعد أن يرتدى ثوب الضحية.. ضحية تحالف الإخوان والنصارى.. وعجبى!