فى قاهرة الخمسينيات نما حبى للسينما أما فى لندن الستينيات فنضجت رؤيتى لها. ابن وحيد لأبويه، أصبحت السينما بديلا للأخ أو الأخت وحتى الرفيق أحيانا، فتحول الذهاب إلى السينما من مجرد عادة أسبوعية إلى إدمان لا يميز بين الأيام. فيكفى المناخ الكوزموبولتانى فى تلك الأيام قبل أن ينزوى تدريجيا ويتلاشى عن مجتمعنا فهو زمن تكاثُر السينمات فكيف تقاومهم واسم كل منهم يسافر بك عبر الأفق مع «ريفولى» و«راديو» و«أوبرا» و«ديانا» و«مترو» و«بيجال» و«ميامى» و«سان جيمس وركس» و«ستراند» و«الكورسال» و«كوزموس» و«أوديون» و«فيمونى» و«أوليمبيا» و«هوليوود» و«بالاس» و«كايرو بالاس» و«شبرا بالاس» و«النصر» و«الكرنك» و«بارادى» و«الأزبكية» و«رمسيس» و«محمد على» و«مصر» و«استوديو مصر».. أسماء تأخذك تارة إلى باريس وتارة إلى لندن وتارة تعود بك إلى التاريخ وزمن الفراعنة. فالسينما كانت أحيانا معبدا للخيال وأحيانا أخرى ملهى للمتعة وتتجلى أحيانا حين تصبح فكرا للاستيعاب. ولم تكن السينما الهوليوودية هى بمفردها المسيطرة فقد تعرفت على السينما اليابانية والساموراى السبعة بسينما ميامى وهيتشكوك، وخلف النافذة بالأزبكية الصيفى وطفولة إيفان الروسى فى الأوديون، ووجد بالمثل الفيلم الإيطالى والفرنسى والبريطانى فرصة للعرض، أما فيلمنا المصرى فكانت له الأولوية دائما قبل الغزو السينمائى الأمريكى. وكان الذهاب إلى السينما له طقوس سواء التزويغ من الحصص أيام الدراسة وحضور الحفلات الصباحية أو اللجوء فى أيام الصيف إلى السينمات المكيفة فى حفلات الثالثة ظهرا، أما حفلات السادسة المعروفة بالماتينيه فهى خصصت للقاء الأصدقاء أيام الخميس، بينما حفلات التاسعة أو السواريه فهى للخروجات العائلية. وإذا كانت هناك تفرقة بين السينمات اللوكس والشعبية فهى محصورة بين الكراسى الخشبية والأخرى المبطنة بالجلد الصناعى، أو أناقة بهو سينما مفروشة بالسجاد وأخرى مبلطة. هذا إلى جانب اقتناء استيك آيس كريم شوكولا فى الاستراحة بالسينمات الشيك أو قزقزة اللب وتقشير السودانى طوال العرض بالشعبية. أما نداء «سميط وجبنه شيبس» مع البيض المسلوق والدُّقة وهسة بائع البوفيه «ككولا بيبس» فكانت من ضمن أمبيانس السينمات الصيفى التى تتحول فى الشتاء بعد رفع كراسيها القش إلى ساحات الباتيناج للتزحلق. ثم كانت الموسيقى اليونانى قبل استئناف العروض أو المارش العسكرى بعد انتهاء كل عرض سمة أخرى من سمات السينمات الصيفى. فالذهاب إلى السينما فى الخمسينيات كان جزءا لا يتجزأ من الحياة.