وما رأيك إذا أجرينا الآن استفتاء على عودة الملك؟ سألت من حيّرته خدعة المجلس العسكرى. الرجل كان حائرا ماذا سيحدث إذا أجرى الاستفتاء؟ وزادت حيرته: بالتأكيد وكعادة أى استفتاء.. ستكون النتيجة نعم. كان ردى على الحيرة سؤالاً آخر: وماذا لو قالت الأغلبية لا؟ أين سيذهب المجلس؟ هل سيعود إلى البيت وينام؟ الاستفتاء خدعة سخيفة يزايد بها المجلس على العواطف إلى المدى الأخير.. يعرف أن الملايين ستخاف من الفوضى، ويتصور أنه يمكن أن يسحب شرعية التحرير بهذا الاستفتاء الذى سيكون أضحوكة الأمم. الاستفتاء لعب على الخوف من الفوضى.. وثقافة «ماذا سنفعل دون الجيش؟».. «البلد هتقع»، «الدولة ستنهار». هذه الخرافات تنتشر كأنها الحقيقة من أجهزة علنية وسرية تطمس القواعد لكى لا ترى سواها. الجيش مؤسسة من مؤسسات الدولة. ليس مؤسسة فوق الدولة، ولا دولة داخل الدولة. الجيش مؤسسة حماية لا حكم. هذا هو الوضع الطبيعى فى أى دولة حديثة، هنا جمهوريات عسكرية لكنها انقرضت الآن بعدما انتهت خرافة حكم العسكر كما انتهى قبله حكم رجال الدين. الدولة الحديثة.. دولة مؤسسات، الجيش فيها يؤدى مهمة ولا يحكم. الخلط متعمد لنشر مزيد من الرعب فى ظل ترويج لخدعة أكبر اسمها: الاستبداد أو الفوضى. كل أنظمة الاستبداد لديها أداة واحدة عندما تواجهها المطالبات بالتغيير: إذا رحلت ستحل الفوضى. لكن هذه الخدعة فات أوانها فى مصر والمجلس يحاول استهلاكها إلى آخر قطرة. المطلوب ليس رحيل المجلس عن مصر ولا عودة الجيش إلى البيوت. المطلوب تنحى المجلس عن إدارة العملية السياسية والعودة إلى المهمة الأصلية: الحماية ويضاف إليها مهمة أخرى هى رعاية المرحلة الانتقالية. الخلط يحدث هنا، ودعاية المجلس تروج خرافات قديمة جدا لكنها صالحة لدهشة جمهور تعود على الخوف دون تفكير أو الطاعة لمن بيده الملك. جمهور تعرض لتربية قاسية ليكون خائفا من الحرية وتكون أقصى أمانيه تحسين شروط العبودية لا الوصول إلى الحرية. يقولون لهذا الجمهور: مصر ليست الميدان؟ نعم مصر ليست الميدان، لكن الميدان هو الثورة.. والثورة ليست سباقا على التصويت.. الثورة مجموعة من المواطنين قرروا المخاطرة بحياتهم من أجل التغيير السياسى.. وإذا فشلت المخاطرة سيعلقون على المشانق وإذا نجحت فإنهم يحققون حلمهم بتغيير النظام. هذه هى الثورة.. التى يجتهد المجلس فى تحويلها إلى مظاهرة ترفع طلباتها بالإصلاح. الثورة بعد نجاحها لها إرادة حاول المجلس كسرها.. وإزاحة «التحرير» من معادلة بناء النظام السياسى. ولأن مصر ليست ميدان التحرير فإن الميدان لن يرجع إلا بعد إزالة الدولة الاستبدادية.. والتحول إلى نظام ديمقراطى لا وصاية لمؤسسة ولا لفرد ولا لوكلاء الدين ولا لأى كيان اعتبارى عليه. ولكى يفهم المجلس معنى الثورة عليه أن يتذكر يوم 23 يوليو 1952، عندما خرج حوالى 50 ضابطا من بيوتهم وخاطروا بحياتهم ضد الجميع بمن فيهم الجيش، وأمام نجاح مخاطرتهم كان لهم الحق فى تغيير النظام السياسى.. وتخيل وقتها لو طلب الملك الاستفتاء على شعبيته أو على رغبة الناس فى إنهاء النظام الملكى؟ اللعبة مكشوفة وتعبث بمستقبل مصر دفاعا عن الإقامة فى برج السلطة إلى الأبد. لا يريد المجلس الحكم.. ممكن. لكنه يريد أن يبقى فى البرج وصيا على الدولة.. ولا يريد أن يحدث التغيير من التحرير أى من المجتمع.. يريد أن ينفذه على طريقته التى لا تتجاوز طلاء النظام. ونتمنى أن يتوقف الكلام عن أضحوكة الاستفتاء لأنها ضحكة دامية، وتلعب على احتياج الناس إلى الأمان، ليس من حق المجلس المساومة بين تنفيذ مهمته فى تحقيق الأمن والبقاء فى السلطة رغم كل هذا الفشل. المجلس مؤسسة من مؤسسات الدولة مهمتها الحماية.. وعليها تنفيذ مهمتها فى أى ظروف وليس على أساس تأييدها النظام السياسى. الجيش ملك للشعب وليس أداة للاستبداد.