ويستمر حديثنا عن علاقة اللاعبين بالعمل الحزبى، وهى العلاقة التى فتح الكلام عنها اللقاء التليفزيونى للنجم محمد أبو تريكة وهادى خشبة على قناة «ميلودى سبورتس»، التى دعا فيها تريكة صراحة الجماهير إلى اختيار التيار الإسلامى، سلفيا أو إخوانيا، فى الانتخابات القادمة، وإذا كنت مع حريته الكاملة فى اختيار من يريد وفقا لقناعته الشخصية داخل الصندوق الانتخابى، فإننى أتحفظ على الإعلان والدعوة والتحريض لتيار سياسى على حساب آخر، ما دام النجم لا يزال يلعب ومرتبطا بعقد مع النادى وضمن قائمة منتخب بلاده، فإعلان رأيه السياسى وانحيازه إلى حزب سيضره على مستويين، الأول شخصى، حيث سيضع نفسه فى عداء مع الجماهير التى تنتمى إلى التيارات السياسية المنافسة، فالليبرالى أو الاشتراكى سيكرهه إذا كان اللاعب ينتمى إلى تيار الإسلام السياسى (ومن الضرورى هنا التفريق بين الإسلام كدين يعتنقه الليبرالى والاشتراكى وغيرهما من أصحاب الأفكار والتيارات السياسية، وبين تيارات الإسلام السياسى من الإخوان والسلفيين والجماعة الإسلامية التى تأخذ الدين وسيلة للعمل السياسى)، فاللاعب بإعلان موقفه الحزبى يقحم نفسه فى مشكلة وخلافات ليس طرفا فيها، ويضع نجوميته وشعبيته محل جدل وخلاف وشد وجذب فى أمور ليس لها علاقة من قريب أو بعيد باللعبة التى يحترفها، ومن أجلها أو بسببها أحبته الجماهير، ناهيك بأن اللاعب أو النجم قد يسهم دون أن يقصد فى تأييد فصيل سياسى ليس بالضرورة هو الإصلاح للمجتمع، نظرا إلى عدم احترافه العمل الحزبى وضعف قدرته على الفرز بين التيارات والأفكار السياسية المتفاعلة فى المجتمع. أما الضرر الثانى فهو للنادى الذى سيتحمل الآثار السلبية، لإعلان لاعبه عن فصيله السياسى، وسيدفع فاتورة من رصيد جماهيريته ليس له ذنب فيها، أضف إلى ذلك أنه لو ترك الأمر لدخول السياسة إلى الملاعب فإنها ستتحول إلى ساحة للتناحر والاشتباك بين اللاعبين والفرق والمنتخبات، فأبو تريكة مناصر حزب الحرية والعدالة للإخوان المسلمين سيصطدم مع زملائه فى الأحزاب الليبرالية والاشتراكية، وسيتحول النقاش فى المحاضرات إلى الحجاب والنقاب والدستور أم الانتخابات أولا! ومن يؤيد حكم العسكر، ومن يرفض بقاء المجلس العسكرى، وقتها لن تكون كرة قدم وستفقد أهم ما يميزها، وهو أنها لعبة لكل البشر المسلمين والأقباط، السلفى والعلمانى، الطفل والشاب والمرأة والرجل، هى لعبة لا تعترف بالأوطان والأديان والثقافات، الجميع يحبونها ويستمتعون بمشاهدتها، من هنا كان الاتحاد الدولى لكرة القدم (الفيفا) حريصا على نصوص صارمة فى لوائحه تحرم العمل السياسى والحزبى والشعارات الدينية أو الأممية أو العنصرية فى ملاعبه. وإذا كانت اللوائح والأعراف تحرم على اللاعب العمل السياسى خلال لعب الكرة، فإنها تفتح أمامه المجال فى العمل الاجتماعى، كى يفيد مجتمعه ويشارك فى بنائه ويسهم فى حل المشكلات للفئات الاجتماعية الأقل حظا من الرعاية من المؤسسات الحكومية، ولأبو تريكة دور فعال فى هذا المجال، وظهر مؤخرا فى حملة خيرية لدور الأيتام، وهى ليست الأولى، فنشاطه فى العمل الاجتماعى يأخذ جزءا كبيرا من اهتماماته، أما وقد دخل السياسة وانحاز إلى تيار سياسى بعينه دون غيره، فهذا ما قد يفقده الالتفاف الشعبى حوله. وعلى الهامش تحضرنى ملحوظة عابرة عن القناة التى جرى على شاشتها اللقاء، حيث إن أداء مجموعات «ميلودى» فى أغلب قنواتها متحرر ثقافيا و«جنسيا»، إذا شئت الدقة، إلى حد يتعارض والمرجعية الدينية لأبو تريكة والرسالة السياسية الإسلامية التى يدعو إليها مع هادى خشبة. من ثم كان الأجدر والأنسب والأليق أن يكون الحوار على شاشة ملتزمة ومحجبة حتى تكون أكثر إقناعا وتأثيرا للجمهور.